آراء حرة
الإثنين 09/ديسمبر/2024 - 05:16 م
خمسة وأربعون عامًا بالتمام والكمال، هي المدة التي تفصل بين عملية الإعصار التي بدأها مستشار الأمن القومي الأمريكي «زبيجنيو بريجنسكي» لدعم المجاهدين الأفغان في أفغانستان باعتبارهم مقاتلين من أجل الحرية، وبين قرار الإدارة الأمريكية الذي أوصى به جهاز مخابراتها برفع اسم «هيئة تحرير الشام» من قوائم الإرهاب؛ بعد دراسة لسلوك أعضائها لم تستغرق سوى ساعات، وبالتالي رفع اسم زعيمها أبو محمد الجولاني «أحمد الشرع» من ذات القوائم.
البداية:
نجح برجينسكي في منتصف عام 1979 في إقناع الرئيس الأمريكي الديمقراطي كارتر بتوقيع أمر بتزويد المعارضين الإسلاميين في باكستان بالأسلحة، وذلك قبل ستة أشهر كاملة من الغزو السوفيتي لأفغانستان، عكس ما تروج له الروايات الأمريكية التقليدية بأن الدعم الأمريكي للمجاهدين الأفغان جاء ردًا على التدخل السوفيتي في أفغانستان.
ووسط هتافات المجاهدين الأفغان والعرب، وقف بريجنسكي يخطب قائلًا: «لدينا فكرة عن إيمانكم العظيم بالله.. ونحن على ثقة بأنكم ستنتصرون.. تلك الأرض هناك هي أرضكم وسوف تعودون إليها في يوم من الأيام، لأن نضالكم سوف يسود، وستملكون بيوتكم ومساجدكم مرة أخرى».
وفي أوائل عام 1980، قرر الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بدء عملية «الإعصار»، وهي برنامج لتدريب وتسليح المجاهدين الأفغان من خلال التعاون مع المخابرات الباكستانية وبتمويل خليجي.
ومع رحيل كارتر وبريجنسكي وقدوم «رونالد ريجان» رئيسًا للولايات المتحدة عام 1981، وسّع الرئيس الأمريكي الجمهوري العملية «الإعصار» وقام بدعمها بملايين الدولارات والعديد من أمهر ضباط مخابراته آنذاك.
وفي عام 1985، التقى الرئيس ريجان بقادة هؤلاء المجاهدين داخل البيت الأبيض واصفًا إياهم بأنهم «المعادل الأخلاقي للآباء المؤسسين لأمريكا».
كما خصص في وقت سابق من عام 1982 المكوك الفضائي كولومبيا لما أسماه مقاتلي الحرية في أفغانستان، مؤكدًا أنه إذا كان كولومبيا «يمثل أرقى طموحات الإنسان في مجال العلم والتكنولوجيا، فإن نضال الشعب الأفغاني يمثل أعلى تطلعات الإنسان للحرية».
الأفغان العرب:
في نفس العام الذي استقبل فيه رونالد ريجان المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض، كان عمر عبد الرحمن أمير الجماعة الإسلامية المصرية التي اغتالت الرئيس الراحل أنور السادات بفتوى منه وصديقه عبد الله عزام موفد التنظيم الدولي للإخوان يصلان إلى بيشاور ملتحقين بصديقهما الثالث «قلب الدين حكمتيار»، أبرز قادة المقاومة الأفغانية آنذاك وأكثرهم حصولًا على الدعم الأمريكي.
وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، تدفق نحو أكثر من 25 ألف شاب مسلم، من نحو ثلاثين بلدا حول العالم، عبر بيشاور إلى أفغانستان، لتبدأ اكثر حقبة سوداء في تاريخ الإنسانية تلك المسماة بحقبة «الأفغان العرب».
وعبر مكتب خدمات المجاهدين الذي أسسه عبد الله عزام وقاعدة المعلومات التي استخدمها داخل هذا المكتب لقيد الشباب القادمين من الدول العربية والإسلامية كافة، وُلِدَ تنظيم قاعدة الجهاد المعروف إعلاميًا باسم «تنظيم القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن، هذا التنظيم الذي روع الشعب الأمريكي وقتل منه ثلاثة آلاف مواطن كما دمر سمعة الأمريكيين الدفاعية والاقتصادية عبر مهاجمة البرجين ومبنى البنتاجون في سبتمبر من عام 2001.
وتنظيم القاعدة هو ذات التنظيم الذي خرج منه بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان ردًا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في تنظيم التوحيد والجهاد بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي بدوره كان النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
والمصادفة الكبرى تكمن في أن بن لادن هو النموذج الأسمى لمحمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام، وأبو مصعب الزرقاوي أستاذه وكل من عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن شيوخه المؤثرين لديه.
لقد عانينا كثيرًا من التخبط الأمريكي «المدروس» في منطقة مضطربة كمنطقتنا وحملت مصر واجب الكفاح ضد الإرهاب نيابة عن العالم وقدمنا آلاف الشهداء من أبنائنا من ضباط الجيش والشرطة لذا فمن حقنا، بل من واجبنا، أن نوضح لهم الآتي:
أولًا: إن الهدف النهائي لكل تلك الجماعات، كما تقول أدبياتهم، هو السعي نحو خلافة إسلامية تضم أكبر عدد ممكن من الدول تحت قيادتها.
ثانيًا: إن الوصول لذلك الهدف هو حق مشروع سواء عن طريق استخدام العنف أو أي طريقة أخرى طالما ستؤدي في النهاية إلى تحقيقه.
ثالثًا: عندما تكون هناك معوقات أمام ذلك الهدف البعيد، يحب اتباع مفهوم التقية وهو إيهام الآخر بالتغيير والقبول بالحوار وبالمبادئ التي يؤمن بها الآخرون.
رابعًا: إن الطريق إلى السلطة، سواء تم استخدام العنف أو الديمقراطية، هو تذكرة ذهاب فقط بلا عودة.. وأي شخص يحلم بتراجع هؤلاء الناس عن السلطة لصالح سلطة وطنية أو ليبرالية أو حتى تكتل غير إسلامي هو واهم.
خامسًا: إن إيمان تلك الجماعات بمفهوم التقية يجعلها لقمة سائغة دائمًا للتجنيد من قبل أجهزة المخابرات المختلفة ظنًا منهم دائمًا أنهم من يقومون بالخداع وليس تلك الأجهزة.
سادسًا: إن هذا الطريق الذي تفكر الإدارة الأمريكية في سلكه سيوصل المنطقة إلى مرحلة الزلازل السياسية الكبرى.
سابعًا: إن أي تفكير في أن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستكون بعيدة عن تلك الزلازل، هو واهم فسوف يطالهم ما طالهم في الحادي عشر من سبتمبر. ولكن هذه المرة «في عصر الذكاء الاصطناعي» لن يطول الوقت.
وأخيرًا، أهمس في آذانهم بنصيحة: كفوا عن التجريب في أوطاننا، فلن تسلموا هذه المرة من جراء إعادة إنتاج كابوس قض مضاجعكم من قبل وسوف يقض مضاجع الجميع، عندما يخلق حالة من الفوضى لا يعلم إلا الله مداها.
وللحديث بقية..