تحتفل وزارة الثقافة خلال هذه الأيام بالفنان والمخرج الراحل شادي عبد السلام (15 مارس 1930 - 1986) ومنجزه من خلال العديد من الفعاليات الفنية والثقافية تحت عنوان “يوم شادي”.
ولشادي عبد السلام قصة عشق لتاريخنا المصري القديم؛ وهو ما تكشفه أفلامه التي تناولت"المومياء، الفلاح الفصيح، مرسى، الأهرامات وما قبلها، رع مسيس الثاني"، وفيلمه "كرسى توت عنخ آموت الذهبي" الذي عرض في عام 1982، والذي كشفت عن كواليس التجهيز له الكاتبة الصحفية أمل فؤاد في حوارها الصحفي مع شادي عبد السلام والذي نشرته مجلة "أدب ونقد" عام 1984، حيث قالت:" كنت قد التقيت به قبل اربعة اعوام في قاعة العرض بالمعهد العالي للسينما.. بعد مشاهدة فيلم مصرى مما يطلق عليه الأكاديميون: نموذج العمل الفني الرديء بكل المقاييس. كان الطلبة يعانون سخطهم على الفيلم اثناء الندوة، وهي الندوة التي حضرها المخرج الكبير مع بعض أساتذة المعهد.. جلس شادي عبد السلام مسندا راسه إلى كفه - وهي جلسته المعهودة - منصتنا باهتمام إلى جيل لعله تمنى في انصاته أن يظل على نفىس هذه الصحوة بعد خروجه إلى العمل والحياة، فقد كان الفيلم السيء الذي شاهده معهم لأحد خريجي المعهد من جرفهم تيار السينما التجارية السائدة".
شادى عبد السلام الذى تحدى مناهج التعليم بتوت عنخ آمون
بعد انتهاء الندوة طلبت منه أن يحدد لي موعد يناسبه لعمل حديث صحفى..قال بتعجب حاتكلم عن ايه.. فمنذ فيلم "المومياء".. أعد لفيلم " اخناتون".. ولا أظنه سيخرج إلي النور.. على أية حال ستجديني غدًا في المتحف المصرى الساعة الحادية عشر صباحًا. كنت قد قررت عمل الحديث دون اعداد.. ای دون ان اضع اسئلة محددة، بل فضلت أن تتدافع التساؤلات من خلال الحديث الذي بدا معه عن مصر.. مصر التي أعلم أنها في ذات وكيان شادي عبد السلام تختلف وتتميز بخصائص تكونت عبر ابحاره الدائم بعشقه في متاهات تاريخها المتصل.
في مدخل القاعة الرئيسية للمنطقة وجدته أمام صندوق زجاجي يتأمل بداخله تاجا ملكيا من الحجر تسنده ذراعان من اليمين واليسار.. لاشىء سوى التاج والذراعان.. دعاني معه لنتأمل تلك القطعة المتبقية من اثر لعله كان تمثالًا لرأس ملك تهشمت وبقى "تاج الملك" لمن ياتي بعده!.
دار حول التاج.. ودارت بداخله فروض واحتمالات اعلنها: "هانان اليدان.. هل كانتا لاله وقف خلف الملك يحمى تاج ملكه ؟ أم كانتا لاله يبارك تتويجه على العرش؟.. وبإيقاع هادي كان يتميز به.. دعانی نحو الطابق العلوي حيث أعد كاميراته لتصوير فيلم عن كرسى الملك توت عنخ آمون. وكان قد اختار لفيلمه صيغة خاصة يتساءل من خلالها طفل فيلقي الاجابة من معلمه الذي يصطحبه إلى المتحف ليرى بعينه كنوز هذا الفرعون. قال لي حينئذ: الطفل في الفيلم عنصر تواصل بين مجد مضى ومجد سيجيء..والفيلم تسجيلي تعليمي فنحن نفتقر في مناهجنا الدراسية هذا البعد الخاص بتاريخ مصر القديم فتناوله محدود.. فالطفل يدرس هنا حملة نابليون بينما يدرس اطفال العالم حضارات بلاد الانهار ومصر أولها.. في كتبهم معلومات يجهلها أبناؤنا عن زيارة مصر في كثير من أوجه التطور الاجتماعي والبشرى، فمصر ليست فقط أهرامًا درجت ضمن معجزات الدنيا السبع، ولكن وراء هذه الأهرام سخرة وعرق واستعباد، فلمحمة الاهرام كملحمة حفر قناة السويس راح من أجلها خيرة أبناء الشعب وأن أختلفت الأهداف".