السبت 07/ديسمبر/2024 - 08:36 م 12/7/2024 8:36:22 PM
الرعب والخوف يسيطران على الصبى الصغير، الذى حدد نظره فى نقطة بفضاء الكون شاخصًا إليها فى المنطقة التى يتوسطها القمر المخسوف فى صفحة السماء المبهمة، بعد استيلاء الغجرية على نوره بأعمال سحر تتقنها؛ لحاجتها لبهائه وضيائه، ليحل على وجه ابنتها القبيحة، فالليلة حفل زفافها، لتنال بجمالها إعجاب حضور المناسبة السعيدة.
هذا هو سبب خسوف القمر بعد إجماع نساء القرية والأطفال الصغار أنها من فعلت، ليحمل الصغار صفائح فارغة يواصلون الخبط والرزع عليها؛ لتحدث بعدها ضجيجًا يشق سماء القرية المظلم بتحريض من أمهاتهم لخوض معركة استرداد القمر من تلك المرأة الساحرة الشريرة. واصلت النساء سب الغجرية ولعنها دون توقف، واليوم الذى وصلت فيه نساء الغجر للقرية وطويهن شوارع وأزقة القرية تحت أقدامهن، الصغار يواصلون الخبط والرزع بطريقة أقرب للهيستريا مصحوبًا بسب ولعن للغجرية التى سرقت نور القمر، ويتفوهون بالتوازى مع الضجيج الذى يصدرونه بتمتمات وهمهمات لا تكاد تبين، تطلقها الحناجر الصارخة باتجاه قبة السماء راجية الله متوسلة إليه إعادة القمر إليهم بدرًا كاملًا على نفس هيئته قبل عملية استلابه بأعمال السحر.
ما زال الضجيج يشق سكون القرية وليلها الخائف، وما زال القمر حائرًا بين سكان الأرض وبين الغجرية، يختفى بقدرة الأرواح الشريرة التى تعمل لديها وبأمر منها، فقد طل القمر بدرًا ساطعًا بعد هبوط مساء القرية بقليل، ثم لم يلبث قليلًا فى صفحة السماء وغادر على غير عادته؛ لاستحواذ الغجرية على كل ما يشعه من ضياء تجاه الكائنات. شاركت بعض نساء القرية فى معركة الاسترداد بكل ما أوتين من قوة اللفظ والمعنى، بعد اعتلاء الأسطح، والوقوف فى النوافذ. لم يتخلف عن المشاركة ضد الغجرية إلا بعض الاستثناءات تقف على الحياد تشاهد بهدوء وكأنه قمر أرض أخرى، لا يعنيهم أمر ذهاب نوره، بل منهم من ذكر بهدوء، وكأنه يشاهد مبارة لكرة القدم، أن ما يحدث ظاهرة طبيعية وأنه درسها فى مرحلة من مراحل التعليم وقرأ عنها فى الكتب، ولم يبدِ أحد من مجموعة الطلاب خوفًا أو فزعًا كبقية ناس القرية، وهو ما أثار دهشة الصبى الذى يسرى فى كيانه خوف وفزع لم يشعر به من قبل.
بدت النساء أشد حنقًا على الغجرية وأقدر من الصبية على النيل منها، بدا ذلك لكونها أنثى مثلهن، وأنهن على علم بمواطن ضعفها كامرأة. من ينصت لحماسهن يعتقد أن الأمر أقرب لثأر قديم وليس سرقة لقمر الليلة، بل هو غضب متجذر فى النفوس؛ لعله شعور منهن نحوها بعقدة نقص تجاهها لقدرتها على إلحاق الأذى بمن تريد، وتميزها عنهن، وإحساس بخشية الرجال لتلك الغجرية خاصةً وقاموا بإخبار الصغار باسمها. ووجدت نساء القرية فى هذه الحادثة فرصة لثأرهن من نساء الغجر عامة، ومن تلك التى سرقت قمر الليلة خاصة، والتخلص من عقدة النقص التى تلاحقهن وتقبع بداخلهن عند مقارنتهن بالغجرية.
ما زال الصبى الصغير يقف على الحياد، لم يشارك فى المعركة خوفًا من الغجرية حتى لا تلحق به الأذى، ولكنه بدأ تفكيرًا بالعدول عن موقفه المتخاذل؛ نصرة أقرانه بعد استعادته جزءًا من القمر، وبدأ الجزء المستعاد نوره من الغجرية يشق مسارات بين السحب يرسل ضياء مهيبًا متناثرًا فى فضاء الكون الفسيح. لم يستسلم الصغار بعد، وواصلوا حربهم المعلنة على الغجرية الساحرة الشريرة، فانتزعوا منها قطعة أخرى من قمرهم المسروق، ولم يعد فى قبضة الغجرية إلا مساحة ضئيلة تغلفها ظلمة أقل، عندما تأكد للطفل الصغير أن الهزيمة من نصيب الغجرية لا محالة، هرع مشاركًا أقرانه وتناول صفيحة فارغة وأخذ فى الخبط عليها.