في الرابع والعشرين من سبتمبر 2024، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تحديثات مهمة لـ عقيدة روسيا النووية ردُا على ما تعتبره موسكو تدخلًا غربيًا متزايداً في أوكرانيا. وفي يوم التاسع عشر من نوفمبرالماضي، أضفى بوتين الطابع الرسمي على هذه التغييرات باعتبارها سياسة رسمية للاتحاد الروسي.
تعمل العقيدة االروسية المستحدثة، التي تحمل عنوان "أساسيات السياسة الحكومية للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي"، رقم 991، على توسيع شروط روسيا لاستخدام الأسلحة النووية. والآن أصبحت موسكو مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية ردًا على الهجمات النووية، فضلاً عن الهجمات التقليدية التي تهدد سيادة روسيا أو بيلاروسيا أو سلامتها الإقليمية.
ووقعت موسكو ومينسك في عام 1999 معاهدة الدولة الاتحادية، التي حددت التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك الدفاع، مع الحفاظ على استقلال البلدين.
ولكن، ما الذي دفع بوتين إلى تنفيذ هذه التغييرات في عقيدة روسيا النووية وخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية لتشمل حلفاء روسيا؟ حيث الأمر لازال غير واضح إلى حد كبير بالنسبة للكثيرين.
تكتيك متعمد يهدف إلى زرع الشك في أذهان الخصوم
تحت عنوان "الخداع والتهديد: لماذا قام بوتين بمراجعة العقيدة النووية الروسية"، قالت شبكة القيادة الأوروبية في تقرير لها إن ضمان الردع الموسع الذي قدمته موسكو لبيلاروسيا "منطقي"، نظرًا لأن الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو سمح بنشر أسلحة نووية تكتيكية تسيطر عليها روسيا في بيلاروسيا، وهي الخطوة التي قلل البعض في الغرب من شأنها باعتبارها "رسالة سياسية بحتة".
ورأت أن اعتماد بوتين المفرط على استخدام التهديدات النووية لتحريض الغرب على الحذر ــ مع براعة الغرب في تجاوز الخطوط الحمراء الروسية في أوكرانيا – هو قرار استراتيجي.
وأوضحت أنه منذ اندلاع الحرب، أظهرت تهديدات بوتين النووية المتكررة الخداع والتهديد، وأظهرت القوى الغربية أنها قادرة على السير بحذر على الخط دون تجاوزه، على الأقل في نظر موسكو.
ومع ذلك، رأت شبكة القيادة الأوروبية أن مصطلح "السيادة" في العقيدة الروسية المنقحة "غامض عمدًا"، ويمكن تفسيره على أنه يشمل أمن النظام. وهذا يعكس غموض عقيدة روسيا السابقة لعام 2020، والتي تسمح بالاستخدام النووي إذا "كان وجود الدولة ذاته مهددًا".
وقالت: "إن استخدام بوتين للغموض المدروس - الافتقار إلى التحديد - هو تكتيك متعمد يهدف إلى زرع الشك في أذهان خصومه".
وأضافت: "وفي حين أن استخدام الغموض في العقيدة النووية ليس فريدًا من نوعه بالنسبة لروسيا ويستخدمه دول أخرى مسلحة نوويًا، فإن تطبيق بوتين يختلف بسبب سياقه، حيث تم تصميمه خصيصًا لحرب مستمرة، وبالتالي تم صياغته على نطاق واسع "لتجنب الالتزام الراسخ باستخدام الأسلحة النووية وإبقاء خيارات بوتين مفتوحة".
محاولة للتلاعب بالرأي العام عبر خلق مناخ من الخوف
في السياق، اعتبر موقع The Conversation الأمريكي في تقرير له، أن تهديدات بوتين النووية هى محاولة للحد من الدعم لأوكرانيا وإضعاف الدول الغربية وتفتيت مجتمعاتها من خلال التخويف، وتشمل تخريب البنية الأساسية الحيوية والتدخل في السياسة الداخلية لخصوم بوتين.
وقال The Conversation في تقرير له بعنوان: "تهديدات بوتين النووية تهدف إلى تخويف الغرب"، إن قانون تغيير العقيدة النووية الروسية، وخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية الذي وقعه بوتين، هى إحدى الأدوات المهمة للتلاعب بالرأي العام، وخاصة من خلال خلق مناخ من الخوف"، موضحا أن تشكيل البيئة المحلية التي تتخذ فيها الحكومات الغربية قرارات بشأن أوكرانيا وروسيا بنجاح، سيكون "مفيدًا للغاية وخاليًا من التكاليف بالنسبة للكرملين".
وأشار إلى أن خلق مناخ من الخوف هو شكل من أشكال ممارسة عسكرية قديمة من الحقبة السوفييتية، والتي تسمى "السيطرة الانعكاسية"، وهي تقنية تقود الخصم إلى اتخاذ القرارات التي يريد الكرملين منهم اتخاذها من خلال العرض المستهدف للمعلومات.
وقال: "هذا ما نراه يحدث الآن"، حيث تضخيم حالة الذعر في وسائل الإعلام الغربية، يهدف إلى دفع صناع القرار في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية إلى إعادة النظر في دعم أوكرانيا بسبب المخاوف العامة.
واستشهد، بمحاولة الحكومة الروسية في أكتوبر 2022 الضغط على الحكومات الغربية من خلال تخويف المواطنين، عندما هدد الكرملين بأن روسيا قد تغلق خط أنابيب الغاز إلى أوروبا الغربية في الشتاء آنذاك، بهدف الضغط على الحكومات الأوروبية لتغيير مسارها بشأن أوكرانيا والعقوبات.
وأشار إلى أن كل ذلك كان واضحًا منذ بداية الحرب. لكنه زاد بشكل حاد بمجرد أن قررت إدارة بايدن كشف خدعة بوتين النووية والسماح بضربات صاروخية بعيدة المدى ضد روسيا.
ورأى الموقع الأمريكي، أن روسيا لا تملك القدرة ولا الرغبة في المواجهة العسكرية المباشرة مع حلف شمال الأطلسي، قائلًا: "إنها مواجهة ستخسرها إذا كانت تقليدية، في حين أن الجميع - بما في ذلك روسيا - سيخسرونها إذا تحولت إلى النووية".
وفي حين استبعد التقرير إلى حد كبير أن تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية، توقع أن تكون المحاولات الروسية للضغط على المملكة المتحدة والدول الأوروبية الأخرى من خلال التلاعب بالرأي العام والتخريب وأدوات أخرى قد تزداد بعد يناير 2025، مع عودة ترامب إلى الرئاسة.