في واحدة من أسوأ أيامه منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، يواجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدة أزمات على رأسها تشويه صورة إسرائيل وزيادة عزلتها الدولية بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذاكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، فضلًا عن مقتل محتجز في قطاع غزة والتمرد المشتعل داخل صفوف جيش الاحتلال، ما يجعله أول رئيس وزراء إسرائيلي مطلوب للمحاكمة محليًا ودوليًا.
العار يطارد نتنياهو بسبب الجنائية الدولية
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو ورفاقه هو سابقة تاريخية، وبالرغم من أن مثل هذا القرار كان من المفترض أن يوحد الصف الإسرائيلي المنقسم بشدة لكنه زاد من الضغوط على حكومته المتطرفة بشدة، ما دفعهم للتحرك باتجاه المزيد من الإقالات بهدف إسكات الأصوات المعارضة لهم في الحكومة.
وتابعت الصحيفة أن الائتلاف المتطرف الحاكم يسعى لاستغلال فرصة الحكم والارتباك الموجود في الشارع الإسرائيلي من أجل تعزيز سلطة نتنياهو، من خلال إقالة المدعي العام الإسرائيلي ورئيس أركان جيش الاحتلال ورئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" مع إحياء خطط الإصلاح القضائي الذي أثار الغضب الشعبي من قبل ضد نتنياهو.
وأشارت إلى أن نتنياهو يُعتبر أول رئيس وزراء في إسرائيل يصدر بحقه مذكرة اعتقال في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، وبالرغم من أن كافة الأطياف السياسية أدانت القرار في البداية، لكن في الكواليس فإن أصابع الاتهام تتجه لنتنياهو باعتباره السبب في عزلة إسرائيل المتزائدة وتشويه صورتها أمام العالم.
وقال أحد المقربين من نتنياهو: "بالرغم من الأزمات المتلاحقة، فإن نتنياهو يشعر بالسعادة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، على أمل أن ينتهج سياسات مؤيدة لإسرائيل وكان هذا السبب الرئيسي في إقالة جالانت، حيث يسعى نتنياهو لكبح جماح المعارضة داخل الحكومة وخارجها".
وكشفت استطاعات الرأي عن استمرار تدهور شعبية نتنياهو وحزبه الحاكم بالرغم من محاولات تصدير صورة الانتصار في غزة ولبنان.
تهم الفساد والمحاكمة تلاحق نتنياهو
وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو يواجه مخاطر أخرى، حيث من المقرر أن يدلي بشهادته في محاكمة فساد طويلة الأمد في أوائل الشهر المقبل، كما تورط مكتبه في فضيحة تتعلق بتحقيق حول ما إذا كان مستشاره الإعلامي ومساعدين مقربين آخرين قد سرقوا وثائق استخباراتية سرية مزورة وتسريبها إلى الصحافة الأجنبية في محاولة لتقويض الاحتجاجات على المحتجزين، وقد وجهت لائحة اتهام إلى أحد مساعديه يوم الخميس.
وتابعت أن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية تعني أن نتنياهو معرض لخطر الاعتقال إذا سافر إلى أي من الدول الأعضاء في المحكمة، والتي تشمل معظم الدول الأوروبية بالإضافة إلى العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وتعزز الشعور بالعزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل.
تحركات لإقالة المزيد من المعارضين لنتنياهو
وأوضحت أن نتنياهو قد يزيد من الأزمات بسلسلة إقالات جديدة والتي سيكون هيرتسي هاليفي، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي في مقدمتها، الذي عارض بشدة الحكم العسكري في غزة وفضل باستمرار اتفاق المحتجزين مقابل وقف إطلاق النار، ما أثار استياء حلفاء نتنياهو السياسيين من اليمين المتطرف.
كما صعد حلفاء نتنياهو من خطابهم ضد رونين بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، الذي يقود التحقيق في التسريبات من مكتب نتنياهو، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الأسبوع أن بار رفض أيضًا دعوات من محامي نتنياهو لدعم تأجيل شهادة رئيس الوزراء أمام المحكمة لأسباب أمنية.
وقد ندد يائير نتنياهو، نجل رئيس وزراء الاحتلال ومستشاره، مرارا وتكرارا بالتحقيق في التسريب باعتباره "افتراء دمويا" ووصف رؤساء الأمن في البلاد بـ"الطغمة العسكرية" التي تحرض على انقلاب ضد حكومة والده.
ودعا وزراء كبار في الحكومة مثل وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتامار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش نتنياهو إلى إقالة النائب العام جالي بهاراف ميارا، أعلى مسؤول قانوني في البلاد والذي حكم باستمرار ضد حكومة الاحتلال، معتبرا أجزاء كبيرة من أجندتها غير قانونية أو غير دستورية.
انتحارات بالجملة في صفوف جيش الاحتلال
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أن ما لا يقل 6 جنود لاقوا حتفهم بعد انتحارهم خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الأزمات النفسية الشديدة الناجمة عن إطالة أمد الحرب في قطاع غزة واشتعال الحرب في جنوب لبنان.
وأشارت إلى أن العدد الفعلي للانتحارات قد يكون أعلى، حيث لم يصدر الجيش الإسرائيلي بعد بيانات رسمية على الرغم من وعده بذلك بحلول نهاية العام.
وأوضحت الصحيفة أن هناك أزمة أعمق في الصحة العقلية داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكشف أن الآلاف من الجنود سعوا للحصول على الدعم من العيادات العسكرية للصحة العقلية أو علماء النفس الميدانيين.
ومن بين الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، هي القضاء على عائلات بأكملها في غزة، وتدمير الأحياء والمنازل دون أي سبب عسكري، وحفر المقابر الجماعية، وقصف المحلات التجارية، وتدمير المستشفيات، ودهس الدبابات والجرافات الجثث، وتعذيب المعتقلين الفلسطينيين المسجونين بالكلاب والكهرباء، وتعرض المعتقلين لعمليات إعدام وهمية، وتعرض العديد من الفلسطينيين حتى للاعتداء الجنسي.
في إحدى الحالات التي أظهرت سلوكيات سادية أثناء الإبادة الجماعية، سخر الجنود الإسرائيليون من المعتقلين الفلسطينيين بزعم أنهم يلعبون كرة القدم برؤوس أطفالهم في غزة أو أنهم قتلوا أفراد أسرهم بالكامل أو حتى اغتصبوا نسائهم.
ووفقًا للصحيفة الإسرائيلية، فإن حوالي ثلث الجنود المتضررين ظهرت عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ويشير التحقيق أيضًا إلى أن الصدمة النفسية بين الجنود قد تتجاوز عدد الإصابات الجسدية التي لحقت بهم أثناء الحرب.
أشار لوسيان تاتسا لور، رئيس قسم الصحة العقلية في الجيش الإسرائيلي، في مارس إلى أن نحو 1700 جندي تلقوا بالفعل علاجًا نفسيًا.
وأضاف "المدى الكامل لأزمة الصحة العقلية هذه لن يتضح إلا بعد اكتمال العمليات العسكرية وعودة القوات إلى الحياة الطبيعية".
تشير التقارير إلى أن آلاف الجنود الإسرائيليين يعانون من تحديات الصحة العقلية بعد عمليات الانتشار المطولة في غزة وجنوب لبنان.
ووتحدث هذه الأزمات الصحية العقلية بين الجنود الإسرائيليين على خلفية الفظائع الإسرائيلية المتصاعدة في المنطقة، بما في ذلك الغارات الجوية المستمرة على غزة وجنوب لبنان، وسط فترات خدمة ممتدة، حيث قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 44 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، في غزة منذ 7 أكتوبر.
مقتل محتجزة إسرائيلية يهدد نتنياهو
وقالت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس إن امرأة إسرائيلية ضمن محتجزين، قُتلت في منطقة قتالية شمال غزة، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في الأمر.
ولم يحدد بيان أبو عبيدة هوية المحتجزة أو كيف أو متى قُتلت، وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي لوكالة فرانس برس إنه يبحث في الادعاء.
وقال أبو عبيدة إن المرأة كانت محتجزة مع محتجزة ثانية كانت حياتها في خطر.
وبحسب إحصاء لوكالة فرانس برس، كان من المعتقد أن عشر محتجزين، من بينهن خمس جنديات، ما زلن على قيد الحياة في الحجز قبل تصريح أبو عبيدة.
وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية تعرضت لضغوط شعبية هائلة للموافقة على صفقة جديدة لإعادة المحتجزين المتبقين إلى ديارهم وهم ما زالوا على قيد الحياة، ويبدو أن مقتل المحتجزة قد يثير الغضب أكثر ضد نتنياهو.