لم تبدأ حكاية "سوق الآثار المصرية" في المزادات العالمية كجريمة منظمة على الطريقة الحديثة، بل كـ"هوس عالمي" تشكل تدريجيًا، شغف أوروبي بالماضي المصري، ورحلات تزداد، وطلب متصاعد على "قطعة من الحضارة" تحمل إلى البيوت والمتاحف.
ومع غياب تشريع حاسم حتى منتصف القرن التاسع عشر، تحولت المقابر والمعابد في لحظات كثيرة إلى مناجم مفتوحة، تستخرج منها التماثيل والحلي والبرديات، وتباع وتشترى، وتنتقل من سياقها إلى خزائن جامعي التحف حول العالم.
زاد الأمر مع الحملة الفرنسية (1798–1801) وما أعقبها من موجة نشر ومعرفة وصور ووصف للمواقع الأثرية، ما غذى الطلب الأوروبي على كل ما له صلة بمصر القديمة، وتحت ضغط هذا الطلب، نشأت شبكة غير رسمية: أدلاء، وحفارون، ووسطاء، وتجار، بل و"سياح مشترون"، حتى صار اقتناء الآثار جزءًا من طقس الرحلة نفسها، وفي قراءة أكاديمية حديثة لتاريخ هذا الاقتصاد، يذكر دانييل بوتر أن "تجزئة بيع البقايا/اللقى" كانت تشجع من الزوار الدوليين منذ القرن التاسع عشر، وأن كثيرًا من الزائرين كانت لديهم نزعة لأن يصبحوا مشترين بدرجات متفاوتة.
أول محاولة رسمية.. مرسوم 15 أغسطس 1835
أمام هذا النزيف، جاءت أول خطوة رسمية حاسمة في 15 أغسطس 1835، مرسوم من محمد علي باشا يحظر تصدير الآثار والاتجار فيها، ويقترح كذلك إنشاء مقرّ لحفظ الآثار في حديقة الأزبكية بالقاهرة.
هذه اللحظة مهمة لأنها تعلن لأول مرة على مستوى الدولة أن الآثار ليست "غنيمة قابلة للتداول"، بل ثروة عامة تحتاج حماية، حتى لو ظل التنفيذ وقتها محدودًا أمام قوة السوق واتساع النفوذ الأجنبي.
بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت الدولة تتحرك من "المنع" إلى "لإدارة": تشير وزارة السياحة والآثار إلى أن 1858 شهدت التصديق على إنشاء "سلطة/هيئة للآثار".
ثم جاءت فكرة "جمع اللقى في مكان واحد" كخط دفاع إضافي، ففي ستينيات القرن التاسع عشر افتتح متحف بولاق (1863) كنواة لحفظ وعرض الآثار، قبل أن تتعرض مجموعاته لمحنة فيضان 1878، ثم الانتقال لاحقًا وصولًا إلى اكتمال مبنى المتحف المصري بالتحرير عام 1902 وهنا تغير شيء جوهري، صار للقطعة الأثرية "عنوان رسمي" داخل الدولة، لكن السوق لم يختف بل صار يتكيف.
مع اتساع أعمال الحفائر الأجنبية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، ظهر نمط شديد التأثير، تنظيم الحفائر وظهور ما عرف بـ"تقسيم المكتشفات في بعض المراسيم واللوائح، مع ملاحقة الحفر غير القانوني.
وتذكر مصادر توثيقية لتاريخ الحماية القانونية أن بدايات القرن العشرين عرفت كذلك تراخيص لتجار الآثار في إطار تنظيمي للدولة، وهو ما يعني أن "التجارة" لم تُلغَ فورًا، بل جرى احتواؤها في نظام يوازن بين الإدارة والحفائر والطلب الخارجي.
التحول الفاصل جاء مع قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، في مقدمة ترجمة اليونسكو للقانون، يذكر ضمن "أهم المستجدات" أنه يحظر الاتجار في الآثار حظرًا مطلقًا، مع منح التجار مهلة سنة للتصرف فيما لديهم بشرط عدم إخراج الأثر خارج مصر.
ومنذ 1983، تشير جهات متخصصة في معلومات الحماية إلى أن تصدير الآثار أصبح غير مسموح به بوجه عام (مع استثناءات محدودة للتصدير المؤقت للمعارض بموافقات).
وبمرور الوقت تشددت الدولة في الردع، ففي نوفمبر 2019 تناولت "الأهرام أونلاين" اتجاه البرلمان لتغليظ العقوبات وتوسيع التجريم، بما يشمل عقوبات كبيرة على من يحوز أو يبيع آثارًا في الخارج دون مستندات رسمية.















0 تعليق