في أعماق الظلام، حيث تبدو الحياة وكأنها أغلقت كل نوافذها، يُباغتنا شعاع خافت يتسلل بصمت كأنه سرّ كوني يهمس لنا: "ليس هذا هو النهاية".. هناك في طيات العاصفة، حيث نُحاصر بأنفاسنا الثقيلة وصرخات اليأس المكتومة، تنبثق الفرصة كيد خفية تمتد لتُمسك بنا قبل السقوط في هاوية لا عودة منها.
أحيانًا، تُهدم الجدران من حولنا لنكتشف بابًا كان خفيًا، وأحيانًا تُكسر أجنحتنا لنجد طريقًا كنا نجهله.. في لحظةٍ كانت لتكون الفصل الأخير، تمنحنا الحياة قُبلة جديدة، تذكّرنا أن الأزمات ليست النهاية، بل البدايات المغلفة بالألم.. هنا، في هذا الانكسار، تُولد قوة أخرى... قوة الحياة حين تكتب من جديد قصتها بين الحطام.. فالحياة مليئة بالعثرات، وكل إنسان، مهما بلغ من القوة أو الحكمة، يواجه لحظات تتزلزل فيها الأرض تحت قدميه، فيجد نفسه أمام خطأ ربما لم يتوقعه، لكنه كان في قلب المشهد.. ومن أقدار الله ولطفه الخفي، أن الخطأ لا يُغلق الأبواب أمامنا، بل يفتح بابًا عظيمًا للتأمل، التوبة، والإصلاح.
حادثة دهس أمين الشرطة من قِبل لاعب الزمالك أحمد فتوح ليست مجرد واقعة قانونية عابرة؛ بل هي مرآة تعكس طبيعة البشر وحقيقتهم.. جميعنا نخطئ، وربما يكون الخطأ قاسيًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته رسالة إلهية، تنادي بصوت خفي: "قف، أعد النظر، راجع قلبك، وعد إلى الطريق الصحيح."
من حكمة الله أن جعل الأخطاء جزءًا من وجودنا الإنساني، فهي ليست نهاية الطريق، بل بدايته.. عندما نُخطئ، ننكشف أمام أنفسنا، وندرك ضعفنا وعجزنا، لكن هذه اللحظة الموجعة ليست سوى دعوة للعودة إلى الله، ورؤية العالم بعيون جديدة.
الخطأ الذي ارتكبه أحمد فتوح، رغم قسوته على الضحية، كان يمكن أن يكون بابًا مغلقًا، لكنه بفضل عدل القانون ورحمة الله، تحول إلى درسٍ يتجاوز حدود الحادثة، ربما كان هذا الحدث نقطة تحول للاعب، ليصبح أكثر وعيًا بمسؤولياته، وأكثر شعورًا بأهمية حياته وحياة الآخرين.
فرصة للتصحيح وإعادة البناء
إن رحمة الله دائمًا أوسع من أخطائنا، فعندما يضعنا القدر في مأزق نعتقد أنه نهاية الحياة، يُرسل الله إلينا إشارات لطمأنة قلوبنا، وفرصًا لإعادة البناء.. ما نراه أحيانًا "كارثة" قد يكون في الحقيقة "إنقاذًا" من خطأ أكبر كنا على وشك ارتكابه، أو امتحانًا يُطهّر نفوسنا ويُعيد ترتيب أولوياتنا.
حادثة مثل هذه قد تُعلّم أحمد فتوح بل تعلمنا جميعًا وكل من سمع عنها، قيمة الحذر والمسؤولية، كما تذكرنا جميعًا بأن الله يبتلينا لنعود إليه، أن يُخطئ المرء ويجد فرصة للتصحيح، هو بحد ذاته رحمة.
الأزمات التي تواجهنا، مهما بدت قاتمة، تحمل في أعماقها بذور البدايات الجديدة، الحادثة التي هزت حياة أحمد فتوح، وقضت على حياة أمين الشرطة وأثرت على أسرته، يمكن أن تكون فرصة ليتحول الخطأ إلى عمل خير، والزلّة إلى استقامة.
تُعلّمنا هذه الحوادث أن الحياة ليست عادلة دائمًا، لكنها دائمًا مليئة بالفرص، وأن الخطأ لا يجب أن يكون لعنة تُلاحق صاحبه، بل درسًا يُضيء الطريق.
في النهاية، ما يميز الإنسان الحقيقي ليس كونه معصومًا من الخطأ، بل استعداده للاعتراف به وتحمل عواقبه.. كل إنسان معرض لأن يُخطئ، لكن أعظم الناس هم من يتعلمون من أخطائهم، ويُحسنون السعي لإصلاح ما أفسدوه.
رحمة الله بنا تتجلى في تلك الفرص التي يمنحنا إياها بعد كل عثرة، فليس العيب أن نسقط، بل العيب أن نُصر على البقاء في موضع السقوط.. قد تكون الحوادث التي نمر بها مؤلمة، وقد تترك في نفوسنا أثرًا لا يُنسى، لكنها تذكرنا دائمًا بأن هناك طريقًا للعودة، وأن الله يفتح أبواب الرحمة لمن يسعى للتوبة والإصلاح، فلنتعلم من أخطائنا، ولنُحول المحن إلى منح، ولنثق أن رحمة الله أوسع من كل أزمة قد تمر بحياتنا.