إنضمّ لبنان إلى الجزائر، أنغولا وساحل العاج، وهي الدول الجديدة التي أدرجتها مجموعة العمل المالي (FATF) على قائمتها الرمادية، التي تضع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. صحيح أنّ هذا الأمر لا يعدّ مستغرباً في حالة لبنان، الذي واجه منذ العام 2022 تحذيرات لإتمام إصلاحات هيكيلية ، إلا أنه ببساطة خطوة إلى الوراء بينما كل ما نحتاجه هو التقدّم الى الامام.
Advertisement
وبالفعل، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد اعتبر أن إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي خطوة متوقعة بالنظر الى الظروف المعروفة التي أعاقت إقرار التشريعات والإصلاحات المالية المطلوبة.
إلا أن ميقاتي أشار إلى أنه رغم ذلك، تمكّن لبنان من إحراز تقدم في العديد من الإجراءات الموصى بها في تقرير التقييم المتبادل وطبق تدابير على قطاعه المالي، عبر إصدار التعاميم المطلوبة للبنوك والمؤسسات المالية، ما يعني أن علاقات لبنان مع المصارف المراسلة لن تتأثر نتيجة هذا التصنيف".
وشدد على أن لبنان سيواصل التعاون مع مجموعة العمل المالي، علما أن هذا الإجراء المتخذ جرى تطبيقه سابقا ولا يزال على العديد من الدول العربية والاجنبية البارزة وستتم متابعته وفق الأنظمة والإجراءات المعروفة للعودة عنه.
هذا القرار الذي تمّ الإعلان عنه خلال مؤتمر صحافي في باريس لمجموعة العمل FATF" وهي عضو في MENAFATF، ، يعني أن لبنان سيواجه قيودًا إضافية ورقابة مشددة على أنظمته المالية والمصرفية.
فبحسب الخبير الإاقتصادي البروفسور بيار الخوري، يتضمن ذلك عمليًا زيادة التدقيق المالي وتراجع الاستثمارات، وصعوبة الوصول إلى الأسواق المالية.
ويعتبر الخوري في حديثه لـ"بنان 24" أن السبب الرئيسي وراء إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعود لأوجه القصور في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تشمل هذه الأوجه نقص الفعالية في تطبيق السياسات وعدم وجود الشفافية الكافية، مما يزيد من مخاطر الفساد والجريمة المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه البلد تحديات اقتصادية وسياسية تتعلق بالوضع الداخلي، وضعف المؤسسات وقدرتها على التعامل مع القضايا المالية، وكذلك التوترات الإقليمية التي تصعب الأمور أكثر.
وأكد أنه يمكن للبنان الخروج من هذه اللائحة، ولكن يتطلب ذلك تنفيذ إصلاحات فعالة وإظهار الالتزام بتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مشدداً على أن التعاون مع السلطات الدولية سيكون ضروريًا لتحقيق ذلك، بحيث يتعين على لبنان تحسين الأنظمة واللوائح ذات الصلة.
وقال: "منذ تقرير التقييم المتبادل في أيار 2023، أحرز لبنان تقدمًا في تطبيق الإجراءات الموصى بها خاصة بعد تغيير حاكمية مصرف لبنان. فتم إصدار تعاميم للبنوك لإنشاء أقسام مخصصة لمكافحة الفساد، وتعزيز الرقابة على الأنشطة المالية غير المرخصة. وقد وعد لبنان بالعمل مع "FATF" من أجل تحديد وتخفيف المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز تنفيذ العقوبات المناسبة ضد المخالفات".
إلا أن الخوري شدد على أنه بالنسبة لطبقة الأعمال والمستوردين والمودعين بالدولار، ستواجههم تحديات عدة. على سبيل المثال، تواجه البنوك التي يلجأ لها المستوردون صعوبة في الوصول إلى التمويل، مما يضعف قدرة التجار والصناعيين على الاستيراد والتوسع. كما أن الإدراج يمكن أن يؤدي إلى زيادة تكاليف المعاملات نتيجة الرسوم المرتفعة، مما يزيد الأعباء المالية على الشركات.
وأوضح أن سعر الصرف قد لا يتأثر رغم فقدان الثقة في الليرة اللبنانية، والتي كان من المفترض ان تؤدي إلى تقلبات في السوق وزيادة الطلب على الدولار لكن تعقيم الليرة وغياب السيولة بالليرة قد لا يظهر أثر اللائحة على سعر الصرف.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون الأحداث الحربية الأخيرة قد ساهمت في تسريع إدراج لبنان، حيث تسلط الأضواء على المخاطر الأمنية والسياسية. بالرغم من ذلك، قرار إدراج لبنان يعتمد بشكل أساسي على تقييم "FATF" للقدرة الحالية للبلاد على مكافحة غسل الأموال، ويعكس الوضع القانوني والرقابي بشكل عام قبل اندلاع الحرب الاخيرة.
وختم قائلاً: "الخروج من المنطقة الرمادية كما تجنب الانتقال إلى اللائحة السوداء يتطلب التزامًا قويًا من الحكومة لتحسين النظام المالي، وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، معتبراً أن الخطر الاكبر بعد إدراج لبنان على اللائحة الرمادية هو التأثير على الشرعية السياسية حيث ان هذا الإدراج قد يعزز الانطباع السلبي عن النخب السياسية التي تُتهم بالفعل بعدم تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
لا يحتاج لبنان في ظل الظروف الأمنية الراهنة إلى ما يضعف موقفه في المحافل الدولية، وهو موقع ضعيف اصلاً. فهل نشهد طفرة نموّ ومساع هدفها الإنقاذ بدل التدمير؟