ترامب أو هاريس... وجهان لعملة إسرائيلية واحدة

يشبه وضع اللبنانيين اليوم، وهم يتعرّضون لأبشع أنواع الإبادة الجماعية، إلى حدّ كبير وضع أي غريق يحاول أن يمسك بأي شيء حتى ينقذ نفسه من الخطر المحدق به ومن الغرق المحتوم حتى ولو كان هذا الشيء حبالًا من هواء، وذلك اعتقادًا منه أن لا خيارات أخرى متاحة أمامه سوى ما يراه سرابًا تمامًا كالتائه في الصحاري، الذي يفتش عبثًا عن واحات غير موجودة.

Advertisement

فهذان التشبيهان عن حالتي الغرق والتيه ينطبقان اليوم على الذين يراهنون على فوز واحد من اثنين في الثلثاء الانتخابي الأميركي الكبير، إمّا دونالد ترامب الجمهوري وإمّا كاملا هاريس الديمقراطية. وهذه المراهنة تنطلق من تمنيات هذا أو ذاك من اللبنانيين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية أو أولئك اللبنانيين المهدّدين في الداخل بحرب تشنّها إسرائيل. وهذه التمنيات بفوز المرشح الديمقراطي أو المرشح الجمهوري تصّب كلها في خانة المرشح، الذي يعتقدون أنه قادر على لجم إسرائيل والضغط عليها لوقف حربها على لبنان وقطاع غزة، التي قد تتوسع في المستقبل لتشمل دولًا أخرى استكمالًا للمخطط التوطيني بعدما أسقطت تل أبيب الآمال المعلقة على خيار "حلّ الدولتين".
فالذين يؤيدون وصول ترامب إلى البيت الأبيض يراهنون على ما أدلى به من تصريحات خلال حملته الانتخابية أو من خلال الرسائل المباشرة التي وجهها إلى الناخبين الأميركيين المتحدرين من أصول لبنانية، وبالأخص لبنانيي ولاية مشيغن، وترجمته إلى واقع ملموس خلال توليه مهام المسؤولية الأميركية الأولى. كذلك يفعل الذين يؤيدون هاريس، التي تعهدّت هي أيضًا بإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط في حال وصولها إلى عتبات البيت الأبيض.
فهذه المراهنات اللبنانية الخاطئة لا تعدو كونها تمنيات لن تترجم إلى واقع محسوس سواء أكانت نتيجة الانتخابات لمصلحة ترامب أو هاريس، اللذين يلتقيان في نهاية المطاف عند نقطة مشتركة، وهي مصلحة إسرائيل قبل أي مصلحة أخرى. هذا هو الواقع الوحيد، الذي ستفرزه صناديق الاقتراع في الولايات المنقسمة بين أكثرية جمهورية أو أكثرية ديمقراطية. فلكل من ترامب وهاريس نظرة خاصة إلى أزمات المنطقة والعلاقات الأميركية – الإيرانية، وذلك استنادًا إلى السياسات التي كانت متبعة مع ترامب يوم كان رئيسًا أو مع أوباما أو بايدن. فلا شيء سيتغيّر في سياسة الحزبين المتبعة في المنطقة، إذ أن أمن إسرائيل هي أولوية أميركية سواء فاز المرشح الجمهوري أو المرشح الديمقراطي. فهما في نهاية المطاف وجهان لعملة إسرائيلية واحدة. فترامب في حال فوزه سيدفع بواشنطن لاعتماد سياسة غير تقليدية تعتمد على مواقف حادة تجاه إيران، وتعزيز الاتفاقيات "الإبراهيمية" بطريقة تضغط على الدول التي لم تنضم بعد. وهذه السياسة ستقود إلى المزيد من الصراعات أو إلى تعميق الانقسامات الطائفية في المنطقة.  
أما في حال فوز هاريس، فان ذلك يعني استمرارية الدعم التقليدي لإسرائيل، لكن ضمن نهج أكثر توازنًا، نتيجة التحرر من المعركة الرئاسية، تحت عنوان تعزيز دور واشنطن كوسيط في المنطقة، مع التركيز على قضايا حقوق الإنسان والاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المحور، من دون أن يعني ذلك أن السياسة الخارجية، التي ستتبع مستقبلًا ستكون مغايرة عمّا هي عليه اليوم.
فاليوم الانتخابي الأميركي الطويل سينتهي حتمًا بنتيجة تنتهي معها كل المراهنات والرهانات، الخاطئ منها أو المصيب، وسيكون اليوم التالي يومًا آخر من عمر الولايات الأميركية، التي سيكون لها رئيس، جمهوريًا كان أم ديمقراطيًا.
أمّا اللبنانيون الذين راهنوا على ترامب أو هاريس فسيكون يومهم التالي كاليوم الذي سبق، أي المزيد من الغارات، والمزيد من الضحايا، والمزيد من الدمار، والمزيد من القلق على المصير، والمزيد من المعاناة، والمزيد من خيبات الأمل.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق محافظ الجيزة يعقد اجتماعًا بمقر المنطقة الصناعية بعرب ابو ساعد بمركز مدينة الصف
التالى استشاري: قضية التمويل على رأس أولويات مؤتمرات cop29 (فيديو)