إيران تتفادى المواجهة المباشرة مع واشنطن وتحرك روسي للتهدئة

في خطوة عسكرية لافتة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ هجوم ناجح استهدف ثلاثة من أبرز المنشآت النووية الإيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان. ورغم تأكيد طهران عبر وسائل إعلامها الرسمية أن منشأة فوردو لم تتعرض لأضرار جسيمة، أفادت مصادر مطلعة بأن احتياطات اليورانيوم المخصب تم نقلها إلى أماكن سرية وآمنة قبل الضربة، ما يعكس استعداداً إيرانياً مسبقاً لمثل هذا السيناريو. كما كشفت تسريبات أن مخزون اليورانيوم العالي التخصيب في فوردو جرى إخراجه قبل العملية الأميركية، ما قلّل من حجم الخسائر المحتملة.

Advertisement


في المقابل، اختارت القيادة الإيرانية التعامل مع الحدث ببرود استراتيجي مدروس، لتجنّب أي تصعيد غير محسوب قد يفتح الباب أمام مواجهة شاملة لا تخدم مصالح طهران في هذه المرحلة الحساسة. وبالتنسيق المباشر مع المرشد الأعلى علي خامنئي، يواصل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني انعقاده الدائم، لدراسة طبيعة الرد الممكن وحجمه وتوقيته، بما يحقق معادلة الردع ويحافظ في الوقت نفسه على استقرار الداخل وتماسك النظام.

من الجانب الأميركي، شدد وزير الدفاع بيت هيغسيث على أن الضربة لم تستهدف تغيير النظام الإيراني، بل توجيه رسالة واضحة بشأن سقف البرنامج النووي الذي يقبله المجتمع الدولي. وأوضح السيناتور ماركو روبيو بدوره، أن الهدف من العملية هو دفع طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات تحت ضغط عسكري محكم، مشيراً إلى أن باب الحوار لا يزال مفتوحاً.

ورغم إعلان واشنطن تدمير البنية الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، إلا أنه لم يصدر حتى الآن تقييم مستقل لحجم الأضرار الفعلية، خصوصاً أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت عدم رصد أي مستويات غير طبيعية من الإشعاع خارج المواقع المستهدفة. هذا الغموض يعكس حرص الطرفين على إبقاء التصريحات تحت السيطرة، تفادياً لانزلاق المنطقة نحو تصعيد واسع يصعب احتواؤه.

في الأثناء، ترى مصادر دبلوماسية غربية أن الضربة الأميركية لا تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني، بل إلى تدجينه وضبط سلوكه النووي، بما يضمن بقاءه تحت رقابة مشددة من دون السقوط في فوضى قد تطال المنطقة بأسرها. هذا التقدير يتقاطع مع مواقف موسكو وبكين، الرافضتين بشدة لأي تغيير جذري في النظام الإيراني خوفاً من تداعيات جيوسياسية وأمنية خطيرة.

وسط ما تقدم، فإن إيران تقف اليوم أمام مجموعة من الخيارات المتباينة لرسم معادلة الرد: من الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، أو التلويح بإغلاق مضيق هرمز، وهو خيار تدرك طهران جيداً أنه سيضر بالصين ودول الخليج قبل أن يصيب خصومها، إلى تنفيذ ضربة عسكرية مدروسة ضد مصالح أميركية في المنطقة من دون إسقاط قتلى، بهدف إيصال رسالة ردع محسوبة لا تدفع المنطقة لحرب مفتوحة. كما يطرح خيار آخر، يشكل، وفق مصادر دبلوماسية، الخيار الارجح، ويتمثل بتكثيف الهجمات على إسرائيل، ما يسمح لطهران بزيادة الضغط دون مواجهة أميركية مباشرة.

في هذا المشهد المتوتر، يسود القلق الإقليمي: تركيا أعلنت تضامنها مع إيران، محذرة من اندفاعات إسرائيلية قد تشعل حرباً أوسع، بينما تجد دول الخليج نفسها في موقف معقد بين رفض انهيار النظام الإيراني خشية الفوضى، وعدم رغبتها في أن تمتلك طهران قدرات نووية خارجة عن السيطرة. أما روسيا والصين فتواصلان مراقبة التطورات عن كثب، وتسعيان لمنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة، خاصة مع تحرك موسكو الفعلي للوساطة.

وفي هذا السياق، وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو حيث يلتي اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضمن إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. ووفق مصادر روسية، قد يسعى بوتين لإقناع طهران بعدم الرد عسكرياً، والعودة إلى المفاوضات مع اقتراح نقل عمليات تخصيب اليورانيوم العالية النقاء إلى الأراضي الروسية، كحل مؤقت لتخفيف التوتر وضمان عدم اندلاع مواجهة جديدة في المنطقة،وسبق وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة الماضي، أن روسيا تجري اتصالات مع إيران وإسرائيل لمحاولة إنها الحرب، موضحاً أن بلاده "لا تسعى للوساطة"، لكنها "تطرح أفكارها الخاصة".

وبين خيار التهدئة والتصعيد، يبقى المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات، وسط لعبة توازنات دقيقة قد تحدد مستقبل المنطقة لسنوات مقبلة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سعادة على لوائح "القوات"؟
التالى عون الى العراق اليوم وعراقجي في بيروت الاثنين ولبنان ينتظر ما في جعبة أورتاغوس