في زمن السلم يُعتدى على قوات "اليونيفيل" وتُمنع من التحرّك بحرية في بعض المناطق الجنوبية. وفي زمن الحرب يُعتدى على هذه القوات. وفي الحالتين تتشابه الأدوار والخلفيات بين إسرائيل المعتدية وبين بيئة "حزب الله" الرافضة لبعض تصرفات قطاعات محدّدة من هذه القوات، كما قيل. فإسرائيل التي توجّه صواريخها إلى أبراج تابعة لـ "اليونيفل" غير راضية عن الدور الحالي لهذه القوات أو لما يمكن أن يُسند إليها من مهمات عندما تتوقف آلة الموت، وهي ستتوقف حتمًا مهما طالت. ولا "حزب الله" يرتاح إلى وجودها في المناطق الخاضعة لسلطته المؤقتة. وإذا أرد المرء التوغّل أكثر في أوجه الشبه يمكنه القول، وإن كان فيه بعض من واقعية مرّة، أن كلًا من إسرائيل و"حزب الله" لا يريدان عمليًا تطبيق القرار الدولي الرقم 1701. ولو طبقاه، كما يرى كثيرون من المراقبين، لما كان وضع لبنان على ما هو عليه اليوم، وما يمكن أن يكون عليه في المستقبلين القريب والبعيد، خصوصًا أن لا ملامح تهدئة تلوح في الأفق على رغم المساعي الحثيثة التي تقوم بها فرنسا وبعض الدول الصديقة للبنان في المحافل الدولية للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها الهمجي، والذي تجّلى بأبشع صوره عندما استهدفت صواريخها منطقة النويري في بيروت، وهي منطقة سكنية مكتظة.
Advertisement
إلاّ أن الفرق بين إسرائيل و"حزب الله" في رفض القرار 1701 هو أن تل أبيب تعرف بالضبط ما تريد من وراء استهدافها لقوات "اليونيفيل" في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي بعودة طرفي النزاع إلى تطبيق هذا القرار، وإن احتاج إلى إدخال بعض التعديلات الطبيعية عليه، فيما يرى بعض المقربين من "حزب الله" أن ما يُحكى عن بعض الاعتداءات في السابق ضد قوات "اليونيفيل قد أثبتت التحقيقات الرسمية سواء تلك التي قامت بها الجهات اللبنانية المعنية أو تلك التي أجرتها القوات الدولية أن لا صلة لـ "الحزب" بهذه الاعتداءات لا من قريب أو من بعيد، وأن ما حصل هو مجرد إشكالات بين بعض عناصر هذه القوات وبعض الأهالي الغاضبين نتيجة تصرفات لم تكن في محلها الطبيعي. وهذا يعني، في رأيهم، أن أي محاولة من بعض الذين يصبون زيت الضغينة على نار الأزمة ستبوء بالفشل الذريع، لأن القاصي والداني يعرف أنه عندما يزول السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الجنوب، ومنه إلى كل لبنان وربما المنطقة بأسرها، وعندما توقف إسرائيل اعتداءاتها البرّية والجوية والبحرية على لبنان عندها تبقى منظومة "المقاومة الإسلامية" خاضعة للاعتبارات اللبنانية الداخلية، التي تندرج تفاهماتها تحت بند أساسي سيأتي أوان طرحه عاجلًا أم آجلًا، وهو "الاستراتيجية الدفاعية".
وما يراه أكثر من مصدر سياسي مراقب أن تطبيق القرار 1701 هو الحل الوحيد والممكن والمتاح لإخراج لبنان من دوامة العنف، التي إذا ما استمرّت على وتيرتها الحالية فإن لبنان الزمن الجميل لن يعود له وجود سوى في الوجدان. وهذا ما يخشاه المجتمع الدولي، وبالأخصّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش، الذي يتخوف كثيرًا مما هو حاصل اليوم وحتى قبل حدوثه. ولكن يبقى السؤال عن مدى استعداد إسرائيل للقبول بالسير بهذا الحل من دون جواب، خصوصًا أن غبار المعارك قد أعمى بصر وبصيرة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي يصح به هذا القول "أنا أعمى ما بشوف أنا ضرّاب السيوف".
فهل يكون مصير الـ 1701 كمصير القرار 425، الذي استلزم فرض تطبيقه سنوات طويلة من الجهد الديبلوماسي؟ وهل يمكن أن يلجأ مجلس الأمن الدولي إلى استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض تطبيق الـ 1701 بطلب رسمي من لبنان؟