ذكرت مجلة "Foreign Affairs" الأميركية أنه "في عام 2015، عندما أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات إلى سوريا بناء على طلب الرئيس السوري السابق بشار الأسد، كانت لديه عدة أهداف في ذهنه. فقد أراد مساعدة روسيا على الهروب من العزلة الدولية التي عانت منها بعد ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وسعى إلى إعادة روسيا إلى موقع النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تضاءل وجودها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأراد ترسيخ روسيا كقوة عالمية قادرة على دعم حلفائها ووقف الجهود الرامية إلى الإطاحة بالحكومات الصديقة، كما سمح التدخل في سوريا لروسيا بتولي دور حامي المسيحيين في الشرق الأوسط. وفي أعقاب الانهيار السريع لنظام الأسد، لم يقدم بوتين الكثير لتحقيق هذه الأجندة. وتواجه روسيا خسارة قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط ولم تظهر أي اهتمام يذكر بالمسيحيين السوريين الذين ادعت حمايتهم بعد إسقاط حكومة الأسد من قبل منظمة هيئة تحرير الشام الإسلامية. كما تزايدت عزلة روسيا عن المجتمع الدولي منذ غزو أوكرانيا في عام 2022".
Advertisement
وبحسب المجلة، "كان جوهر تدخل روسيا رسالة إلى البلدان الأصغر حجماً التي لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوى الغربية: تحالفوا معنا، وسنحميكم من التغييرات التي يدعمها الغرب في النظام. وعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان، بدت هذه الرسالة ذات صدقية، ولكن الآن تبدو الأمور مختلفة. لقد أدى تركيز بوتين على تحقيق النصر الكامل على أوكرانيا إلى تهميش أهداف السياسة الخارجية الأخرى لروسيا وكلفها أحد أعظم نجاحاتها في السياسة الخارجية. إن سقوط الأسد يبطل ادعاء روسيا بأنها ضامن لاستقرار النظام للحكومات الحليفة. فما دامت الحرب مستمرة في أوكرانيا، فإنها ستظل عاجزة عن تصدير الأمن إلى الخارج".
وتابعت المجلة، "منذ البداية، ارتبط تورط روسيا في سوريا بأوكرانيا.فقد نظرت موسكو إلى الربيع العربي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين باعتباره امتدادا لاحتجاجات ميدان في كييف و"الثورات الملونة" التي هزت بلدان ما بعد الاتحاد السوفييتي قبل عقد من الزمان. وفي الوقت نفسه، ومن أجل دعم نظام الأسد، عززت روسيا علاقتها مع إيران، فأنشأت لجنة عسكرية مشتركة، وسلّمت صواريخ إس-300 إلى طهران على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، وعملت على تجاوز العقوبات الدولية. كما لم يتردد بوتين في الدخول في جدالات مع تركيا بشأن دعمها لقوات المتمردين السوريين، بل ذهب إلى حد فرض عقوبات تجارية على أنقرة.ولاحقاً، أعيد الأسد إلى جامعة الدول العربية، وأصبحت الاتصالات الرفيعة المستوى بين روسيا ودول الخليج أكثر تواترا، وزادت التجارة بين روسيا والإمارات العربية المتحدة، وبدأت المملكة العربية السعودية وروسيا في التنسيق بشأن سياسة النفط".
وأضافت المجلة، "لقد امتد هذا الاستقبال الحار إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط. فقد وجدت بلدان في أفريقيا وآسيا الوسطى، وبدرجة أقل أميركا اللاتينية، أن قدرة موسكو على الدفاع عن نظام حليف من الاضطرابات الداخلية والسقوط أمر مطمئن. وسمح دفاع روسيا الناجح عن الأسد للكرملين بتسويق نفسه كمصدر للأمن، سواء رسميا من خلال القوات المسلحة الروسية، أو بشكل غير رسمي، من خلال المرتزقة مثل شركة فاغنر شبه العسكرية، التي قاتلت على الأرض إلى جانب الجيش السوري وحزب الله وفيلق الحرس الثوري الإسلامي، بينما كانت القوات المسلحة الروسية تعمل في المقام الأول في الجو. فمن خلال منع الإطاحة بالأسد وإعادة سيطرته على معظم الأراضي التي فقدتها سوريا للمتمردين، أثبتت روسيا أنها قادرة على التأثير وحتى عكس مسار الأحداث في المنطقة. وفي الوقت نفسه، عُرضت على دول الخليج مشاريع استثمارية في روسيا وحصلت على دعم دبلوماسي من الكرملين".
وبحسب المجلة، "إن تخلي روسيا عن نظام الأسد من أجل حشد المزيد من الموارد للقتال ضد أوكرانيا يوضح أن بوتين مستعد للتضحية بكل شيء من أجل تحقيق النصر الكامل في الحرب. ورغم أن بوتين يحاول تصوير نفسه على أنه واقعي، فقد أصبح منشغلاً بأوكرانيا، إلى حد استبعاد كل الضرورات الأخرى للسياسة الخارجية تقريباً. وفي كثير من أنحاء أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، نجحت روسيا في تسويق حربها في أوكرانيا باعتبارها معركة من أجل قضية مشتركة: نظام عالمي أقل تركيزا على الغرب، واستقلال أكبر في النظام المالي ولامركزيته، والقدرة على تجاهل الانتقادات الغربية لانتهاكات حقوق الإنسان والحكم المناهض للديمقراطية الذي تعتبره بعض البلدان غير الغربية منافقا".
وتابعت المجلة، "إن قدرة روسيا على توفير القوة العسكرية لحلفائها تعني أن خدماتها الأمنية كانت مطلوبة في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكن سقوط الأسد من المرجح أن يؤثر سلبا على هذا الطلب. إن القواعد العسكرية الروسية في سوريا مكنتها من إعادة تزويد السفن والطائرات بالوقود وتزويد القوات لكلا المنطقتين، ومن دون وجود مادي في الشرق الأوسط، فإن هذا سيكون أصعب بكثير. في الحقيقة، لقد نجحت موسكو في مساعدة الأسد على استعادة السيطرة العسكرية والسياسية على معظم أنحاء البلاد ولكنها أثبتت عجزها عن توجيه ضربة حاسمة للمقاومة في الأمد البعيد. كما فشلت روسيا في تعزيز التنمية الاقتصادية في سوريا أو استبدال الاستثمارات الغربية التي تدفقت إلى البلاد في السنوات الأولى من حكم الأسد قبل أن تجف خلال الربيع العربي".
وبحسب المجلة، "في نهاية المطاف، سوف تتغلب روسيا على سقوط الأسد والخسارة المحتملة لقواعدها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط. ان روسيا وايران والعديد من الدول الاخرى تنتقد التدخلات العسكرية الاميركية باعتبارها غير قادرة على تشكيل انظمة مستقرة او هياكل امنية فعالة. ان روسيا التي تلعب دورها كثقل موازن للأنظمة المدعومة من الغرب في الشرق الأوسط، وإيران التي تلعب دورا مهما في المنطقة كان من المتوقع ان تفهم الديناميكيات المحلية، ولكنهما فشلتا في تعزيز النمو الاقتصادي في سوريا وجذب الاخرين لقضية الاسد. إن الحكام الذين يأملون في الحصول على مساعدة روسيا قد يفاجأون بشكل غير سار بالسرعة التي تسعى بها موسكو إلى إقامة اتصالات مع قادة سوريا الجدد".
وتابعت المجلة، "لقد حاول بوتين تصوير فشل روسيا في سوريا على أنه انتصار، مدعيا أن موسكو منعت إنشاء "جيب إرهابي" في البلاد، ولكن سقوط الأسد يشير إلى أن الاهتمام بسوريا أو أي دولة عميلة أخرى قد خضع لتركيز بوتين على إلحاق هزيمة حاسمة بأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، لا ينبغي الخلط بين قرار بوتين بإعطاء الأولوية لأوكرانيا والتخلي الكامل عن الطموحات الروسية خارج جوارها المباشر، بل إن خسارة سوريا أدت ببساطة إلى زيادة مخاطر الحرب في أوكرانيا".