صحيح أنّ كلمة نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، الثانية له منذ اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، بدت عامة في عناوينها ومضامينها، فهي لم تحمل الإجابات المنتظرة على الكثير من الأسئلة الإشكالية، ولا بدّدت الغموض المهيمن على الكثير من التفاصيل اللوجستية، بدءًا من استحقاق انتخاب أمين عام جديد، وصولاً إلى لوجستيّات التشييع المؤجَّل، مرورًا بمصير رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين.
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ هذا الأمر لم يقلّل من أهمية الكلمة، التي أعلِن عنها قبل عشر دقائق فقط من موعدها، والتي أراد منها "حزب الله" توجيه العديد من الرسائل، سواء في ما يتعلق بالمجريات الميدانية على الأرض، أو على مستوى الحراك السياسي القائم خلف الكواليس، ولكن أيضًا على المستوى النفسي، لناحية "رفع معنويات" الجمهور الذي لا يخفى على أحد إصابته بنوع من "الإحباط"، خصوصًا في أعقاب اغتيال السيد حسن نصر الله.
وإذا كانت المقارنة بين الرجلين، أيّ الشيخ قاسم والسيد نصر الله، تبدو "ظالمة" للأول، باعتبار أنّ الكاريزما التي كان يتمتع بها، فضلاً عن قدرته الاستثنائية على الخطابة، تمنحه تفوّقًا واضحًا، فإنّ الثابت أنّ "حزب الله" يريد من إطلالات الشيخ قاسم، أن يؤكد أنّ قيادة الحزب لا تزال متماسكة، بما يناقض البروباغندا الإسرائيلية القائمة على أنّ الحزب أصبح "بلا رأس"، بعد اغتيال نصر الله، وربما صفي الدين، خليفته المفترض...
رسائل معنوية ونفسية
لعلّ البعد الأهمّ في كلمة الشيخ نعيم قاسم الأخيرة نفسيّ، بحسب ما يقول العارفون، فهي جاءت في المقام الأول بهدف رفع المعنويات، وتأكيد صلابة بنية الحزب، رغم كلّ الضربات التي ألمّت به، وبالتالي لإيصال رسالة "طمأنة" إلى جمهور الحزب، بأنّ المقاومة لا تزال قوية، وأنّ الجانب الإسرائيلي لم يقضِ عليها، كما يزعم، وهو ما أكّده الشيخ قاسم بقوله إنّ القيادة والسيطرة وإدارة الحزب والمقاومة منتظمة بدقة، وأنّها تخطّت الضربات.
وفي السياق نفسه، يتوقف العارفون عند نقطة أساسية وردت في كلمة الشيخ قاسم، لجهة حديثه عن تأمين "بدائل" في كلّ المواقع من دون استثناء، ما يعني أنّ كلّ القادة الذين اغتالتهم إسرائيل في الأسابيع الأخيرة تمّ استبدالهم، وتشديده على أنّ "كل ما كان لدى القادة الذين استشهدوا توجد نسخ منه لدى مساعديهم وبدلائهم"، وفي ذلك رسالة "قوة تنظيمية" يحرص الحزب على تظهيرها، بقدرته على ملء الشواغر في هذه المدّة الوجيزة.
وإذا كان الأمر لا يسري على الأمانة العامة التي تبقى شاغرة، بانتظار انتخاب أمين عام جديد، فإنّ "حزب الله" أراد القول إنّ هذا الاستحقاق أيضًا سيتمّ وفق الآليات التنظيمية، وإنّ ما يؤخّره ليس وجود خلاف، وإنما العوائق التي تسبّبها الظروف الأمنية، علمًا أنّ ظهور قاسم نفسه للمرّة الثانية يهدف إلى التأكيد على أنّ "تسيير الأعمال" بالانتظار قائم، علمًا أنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ تسمية أمين عام جديد ستبقى مؤجّلة لما بعد انتهاء الحرب.
وقف إطلاق النار وكلام الميدان
إلى أهمية الرسائل النفسية والمرتبطة بالشكل، ثمّة نوع آخر من الرسائل وجّهتها كلمة الشيخ نعيم قاسم في المضمون، ربطًا بمجريات الميدان، وكذلك الحراك السياسي، حيث يتحدّث العارفون عن "توازن" يتعمّد الحزب إظهاره في هذا الإطار، يقوم على الانفتاح على الحلّ السياسي الذي يضمن وقف إطلاق النار في المقام الأول، ويقوم في الوقت نفسه على تأكيد الجاهزية لمواصلة المواجهة، حتى "إجبار" العدو على إنهاء الحرب.
وفي سياق هذا "التوازن"، قد يكون ما استوقف كثيرين هو حديث الشيخ نعيم قاسم صراحةً عن تأييد الحراك السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما قد تكون له دلالات واضحة ومهمّة، ولو ربطه بصورة أو بأخرى بعنوان وقف إطلاق النار، استنادًا إلى معادلة يرسيها الحزب أيضًا، قوامها أنّ "لا محل لأي نقاش قبل وقف إطلاق النار"، ما يعني أنّ الحزب في جو ما يجري من اتصالات، وقد يكون منفتحًا على الحل السياسي.
وإذا كان هناك من لاحظ في هذا السياق أنّ كلمة قاسم لم تتضمن "الربط المعتاد" بين جبهتي لبنان وغزة، وأنّ اشتراطه وقف إطلاق النار للنقاش لم يأتِ معطوفًا على وقف الحرب في غزة بالمقام الأول، ولو أنّ هناك من يعتبر ذلك من البديهيات، فإنّ أهميته برأي العارفين، تكمن في أنّه أكد "الثبات في الميدان" بانتظار بلوغ هذا الحلّ السياسي، على قاعدة أنّ الميدان هو الذي يحسم في حال استمرار العدو بحربه، وأنّ المقاومة جاهزة لهذا السيناريو.
"هذه حرب من يصرخ أولاً.. ونحن لن نصرخ". لعلّ هذه العبارات التي وردت في كلمة الشيخ نعيم قاسم تختصر "مغزى" الرسائل التي يريد "حزب الله" التأكيد عليها مرّة أخرى، وقوامها أنّ الضربات المؤلمة والقاسية التي تعرّض لها، لن تثنيه عن مواصلة القتال، وأنّه لا يزال يحتفظ بأوراق قوته خلافًا لما يروّج له الإسرائيلي. هي رسائل "الردع" نفسها التي أطلقها السيد نصر الله قبيل استشهاده، فهل تنفع هذه المرة في وضع حدّ للحرب المتمادية؟!
Advertisement
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ هذا الأمر لم يقلّل من أهمية الكلمة، التي أعلِن عنها قبل عشر دقائق فقط من موعدها، والتي أراد منها "حزب الله" توجيه العديد من الرسائل، سواء في ما يتعلق بالمجريات الميدانية على الأرض، أو على مستوى الحراك السياسي القائم خلف الكواليس، ولكن أيضًا على المستوى النفسي، لناحية "رفع معنويات" الجمهور الذي لا يخفى على أحد إصابته بنوع من "الإحباط"، خصوصًا في أعقاب اغتيال السيد حسن نصر الله.
وإذا كانت المقارنة بين الرجلين، أيّ الشيخ قاسم والسيد نصر الله، تبدو "ظالمة" للأول، باعتبار أنّ الكاريزما التي كان يتمتع بها، فضلاً عن قدرته الاستثنائية على الخطابة، تمنحه تفوّقًا واضحًا، فإنّ الثابت أنّ "حزب الله" يريد من إطلالات الشيخ قاسم، أن يؤكد أنّ قيادة الحزب لا تزال متماسكة، بما يناقض البروباغندا الإسرائيلية القائمة على أنّ الحزب أصبح "بلا رأس"، بعد اغتيال نصر الله، وربما صفي الدين، خليفته المفترض...
رسائل معنوية ونفسية
لعلّ البعد الأهمّ في كلمة الشيخ نعيم قاسم الأخيرة نفسيّ، بحسب ما يقول العارفون، فهي جاءت في المقام الأول بهدف رفع المعنويات، وتأكيد صلابة بنية الحزب، رغم كلّ الضربات التي ألمّت به، وبالتالي لإيصال رسالة "طمأنة" إلى جمهور الحزب، بأنّ المقاومة لا تزال قوية، وأنّ الجانب الإسرائيلي لم يقضِ عليها، كما يزعم، وهو ما أكّده الشيخ قاسم بقوله إنّ القيادة والسيطرة وإدارة الحزب والمقاومة منتظمة بدقة، وأنّها تخطّت الضربات.
وفي السياق نفسه، يتوقف العارفون عند نقطة أساسية وردت في كلمة الشيخ قاسم، لجهة حديثه عن تأمين "بدائل" في كلّ المواقع من دون استثناء، ما يعني أنّ كلّ القادة الذين اغتالتهم إسرائيل في الأسابيع الأخيرة تمّ استبدالهم، وتشديده على أنّ "كل ما كان لدى القادة الذين استشهدوا توجد نسخ منه لدى مساعديهم وبدلائهم"، وفي ذلك رسالة "قوة تنظيمية" يحرص الحزب على تظهيرها، بقدرته على ملء الشواغر في هذه المدّة الوجيزة.
وإذا كان الأمر لا يسري على الأمانة العامة التي تبقى شاغرة، بانتظار انتخاب أمين عام جديد، فإنّ "حزب الله" أراد القول إنّ هذا الاستحقاق أيضًا سيتمّ وفق الآليات التنظيمية، وإنّ ما يؤخّره ليس وجود خلاف، وإنما العوائق التي تسبّبها الظروف الأمنية، علمًا أنّ ظهور قاسم نفسه للمرّة الثانية يهدف إلى التأكيد على أنّ "تسيير الأعمال" بالانتظار قائم، علمًا أنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ تسمية أمين عام جديد ستبقى مؤجّلة لما بعد انتهاء الحرب.
وقف إطلاق النار وكلام الميدان
إلى أهمية الرسائل النفسية والمرتبطة بالشكل، ثمّة نوع آخر من الرسائل وجّهتها كلمة الشيخ نعيم قاسم في المضمون، ربطًا بمجريات الميدان، وكذلك الحراك السياسي، حيث يتحدّث العارفون عن "توازن" يتعمّد الحزب إظهاره في هذا الإطار، يقوم على الانفتاح على الحلّ السياسي الذي يضمن وقف إطلاق النار في المقام الأول، ويقوم في الوقت نفسه على تأكيد الجاهزية لمواصلة المواجهة، حتى "إجبار" العدو على إنهاء الحرب.
وفي سياق هذا "التوازن"، قد يكون ما استوقف كثيرين هو حديث الشيخ نعيم قاسم صراحةً عن تأييد الحراك السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما قد تكون له دلالات واضحة ومهمّة، ولو ربطه بصورة أو بأخرى بعنوان وقف إطلاق النار، استنادًا إلى معادلة يرسيها الحزب أيضًا، قوامها أنّ "لا محل لأي نقاش قبل وقف إطلاق النار"، ما يعني أنّ الحزب في جو ما يجري من اتصالات، وقد يكون منفتحًا على الحل السياسي.
وإذا كان هناك من لاحظ في هذا السياق أنّ كلمة قاسم لم تتضمن "الربط المعتاد" بين جبهتي لبنان وغزة، وأنّ اشتراطه وقف إطلاق النار للنقاش لم يأتِ معطوفًا على وقف الحرب في غزة بالمقام الأول، ولو أنّ هناك من يعتبر ذلك من البديهيات، فإنّ أهميته برأي العارفين، تكمن في أنّه أكد "الثبات في الميدان" بانتظار بلوغ هذا الحلّ السياسي، على قاعدة أنّ الميدان هو الذي يحسم في حال استمرار العدو بحربه، وأنّ المقاومة جاهزة لهذا السيناريو.
"هذه حرب من يصرخ أولاً.. ونحن لن نصرخ". لعلّ هذه العبارات التي وردت في كلمة الشيخ نعيم قاسم تختصر "مغزى" الرسائل التي يريد "حزب الله" التأكيد عليها مرّة أخرى، وقوامها أنّ الضربات المؤلمة والقاسية التي تعرّض لها، لن تثنيه عن مواصلة القتال، وأنّه لا يزال يحتفظ بأوراق قوته خلافًا لما يروّج له الإسرائيلي. هي رسائل "الردع" نفسها التي أطلقها السيد نصر الله قبيل استشهاده، فهل تنفع هذه المرة في وضع حدّ للحرب المتمادية؟!