منذ اليوم الأول لفتح "البازار الرئاسي" قبل أكثر من سنتين، مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، يُطرَح في الأوساط السياسية اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، كمرشّح "جدّي" للرئاسة، ترتفع أسهمه تارةً وتنخفض تارة أخرى، ولو أنّ أيًا من الكتل الأساسية لم تعلن تبنّيها له، وأنّه بالتالي لم يشكّل "منافسًا فعليًا" في جلسات الانتخاب التي عقدت، والتي يتقاطع المتابعون على توصيفها بـ"الاستعراضية والشكليّة"، لا "الجدّية".
Advertisement
ثمّة من يعزو ذلك إلى أنّ اسم العماد جوزيف عون بقي "على الهامش"، بانتظار "الفرصة المناسبة"، وذلك منعًا لـ"إحراقه" كما حصل مع أسماء أخرى، استُهلِكت فخرجت من التداول، وثمّة من يعزوه إلى "العقبات الكثيرة" التي لطالما اعترضت طريقه نحو قصر بعبدا، وبينها "التعديل الدستوري" الذي قد يتطلّبه انتخابه، باعتبار أنّ الدستور لا يجيز انتخاب قائد الجيش إلا بعد سنتين من استقالته، رغم وجود بعض الاجتهادات التي تشرّع ذلك في حالة الفراغ.
بمعزل عن كلّ هذه التفاصيل والعقبات، يُلاحَظ أنّ اسم قائد الجيش عاد إلى "بورصة" التداول في الأيام الأخيرة، بل إنّ اسمه يتصدّر قائمة المرشحين "الجدّيين" وفق الكثير من التقديرات، قبيل جلسة التاسع من كانون الثاني التي يقال إنّها ستكون "حاسمة"، على الرغم من أنّ مواقف القوى السياسية منه لا تزال نفسها تقريبًا، فكيف يُفهَم كلّ ذلك، وهل يمكن القول إنّ طريق قائد الجيش أصبحت "معبّدة" عمليًا نحو قصر بعبدا؟!
دعم خارجي منقطع النظير
عند الحديث عن "سيناريوهات" جلسة التاسع من كانون الثاني، يحضر اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون بوصفه مرشحًا أول، وسط انطباع سائد لدى كثيرين بأنّه قد يكون المرشح الأوفر حظًا، رغم الصعوبات التي لا تزال تعترض طريقه، وذلك بعد "سقوط" معظم المرشحين الذين انحصر السباق بهم في المراحل الأولى، وفي مقدّمهم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي بات داعموه مقتنعين بتعذّر إيصاله إلى قصر بعبدا في الوقت الحالي.
ولا يخفى على أحد أنّ اسم قائد الجيش يحظى بدعم منقطع النظير، خصوصًا من الخارج، حيث يُطرَح في الكثير من الأوساط بوصفه الرجل "الأمثل" للمرحلة، علمًا أنّ جهات كثيرة تعتقد أنّ عون كان منذ اليوم الأول المرشح "غير المُعلَن" للكثير من القوى الدولية، بما في ذلك اللجنة "الخماسية"، وذلك لقدرته على أن يشكّل "نقطة وصل" بين المعسكرين المتنازعين في لبنان، وكذلك مع الخارج، بالنظر إلى العلاقات المتينة التي نسجها على مرّ السنين.
وفي هذا السياق، يقول العارفون إنّ حظوظ قائد الجيش ارتفعت بشكل خاص في الآونة الأخيرة، وتحديدًا بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، بالنظر إلى التغييرات التي طرأت على "المواصفات المطلوبة" في الرئيس العتيد، والذي سيكون من "بديهيات" دوره، تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وبلورة صورة "اليوم التالي" لما بعد الحرب، وهو دور يُعتقَد أنّ قائد الجيش يمتلك "وصفة النجاح" فيه، بعدما واكب كلّ المراحل السابقة، وصولاً لتطبيق القرار 1701.
عقبات داخلية لم تُحَلّ؟
في مقابل الاحتضان الخارجي الذي يحظى به قائد الجيش، ثمّة من يتحدّث عن عقبات داخلية لا يزال يصطدم بها، وإن كان هناك من يعتقد أنّ "حلحلتها" قبل جلسة التاسع من كانون الثاني قد لا تكون صعبة، فالعقبة الدستورية التي يتلطّى خلفها كثيرون، قد لا تشكّل "مازقًا فعليًا" كما يقول البعض، خصوصًا انّ ثمّة "سابقة" عند انتخاب العماد ميشال سليمان باجتهاد دستوري ينطبق على الحالة الحالية، كما أنّ تعديل الدستور لن يكون مستعصيًا متى توافر الإجماع.
وعلى المستوى السياسي، يتحدّث البعض عن عقبتين أساسيتين، تتمثلان في عدم توافر أغلبية نيابية وازنة، حتى الآن، تبدي الحماس لقائد الجيش، فـ"الثنائي الشيعي" لم يعلن حتى الآن إمكانية تبنّيه لترشيحه، بل إنّ موقفه منه يبدو "متضعضعًا" بين صعود وهبوط، علمًا أنّ هناك من يتوقف عند بعض المؤشرات التي قد تكون معبّرة، من بينها إعلان "حزب الله" في أكثر من مناسبة، أنه لا يضع "فيتو" على أيّ مرشح، وقد فُهم ضمنًا أنّ المقصود هو قائد الجيش تحديدًا.
أما العقبة الثانية، فتتمثل في موقف الكتل المسيحية الأساسية، فـ"التيار الوطني الحر" مثلاً يبدو متصلّبًا في موقفه الرافض لانتخاب عون رئيسًا تحت أيّ ظرف من الظروف، وهو يحذّر من أنّ مثل هذا الأمر سيشكّل "مخالفة دستورية فاضحة"، في حين أنّ "القوات اللبنانية" تبدو متردّدة، ليس فقط لأنها "لم تختبر" الرجل في السياسة كما تقول، ولكن لأنها تعتبر أنّ الفرصة متاحة اليوم لإيصال مرشح "استثنائي"، قد يكون رئيس حزب "القوات" سمير جعجع نفسه.
كلّها "عقبات" قابلة للحلّ، وفق العارفين، فموقف "الثنائي" يبدو أكثر مرونة من أيّ وقت مضى، وثمّة من يقول إنّ الأمر مرهون بتواصل منتظر بين رئيس مجلس النواب والإدارة الأميركية الجديدة، في حين أنّ الموقف المسيحي ليس "مقفلاً"، فـ"القوات" لن تتأخّر في اللحاق بالأغلبية متى نضجت ظروف انتخاب عون، خصوصًا إذا تقاطعت قوى المعارضة على الأمر، فهل تقرّب الأيام المقبلة عون من قصر بعبدا، أم تبعده عنه أكثر؟!