على الرغم من أنّ الهجوم الإيراني على إسرائيل جاء بحسب ما أعلنت طهران، في إطار "الردّ" على جريمتين ارتكبتهما إسرائيل ضدّ طرفين يفترض أنّها تفاوضهما على وقف لإطلاق النار، تقول الدول الغربية إنّها تسعى لإبرامه في كلّ من غزة ولبنان، أي الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلا أنّ هذه الدول سارعت إلى "إدانة" ردّ طهران، كما لم تفعل مع هجوم إسرائيل نفسها.
لا يُعَدّ تعامل الدول الغربية بهذا الشكل مع الأحداث في المنطقة الأول من نوعه، فقبل نحو عامٍ بالتمام والكمال، ندّدت معظم الدول بعملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها فصائل المقاومة الفلسطينية، متجاهلة أنّ هذه العملية جاءت بعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء في التعامل مع الفلسطينيين، حتى إنّها تبنّت السردية الإسرائيلية بشأنها من دون أيّ نقاش، بما في ذلك الأخبار الزائفة والمضلّلة حول قطع الرؤوس وغير ذلك.
وبذريعة عملية "طوفان الأقصى"، شنّت إسرائيل حرب إبادة بكلّ ما للكلمة من معنى ضدّ قطاع غزة، مستهدفةً منها "القضاء على حركة حماس" بحسب ما زعمت، لكنّها استبدلت هذا الهدف على أرض الواقع بهدفٍ بدا عمليًا أكثر لها، وهو قتل الفلسطينيين، وتحويل القطاع بكلّ بساطة إلى مكان غير صالح للعيش، وكلّ ذلك وسط صمت لم يعد مريبًا من القوى الغربية، التي لا تزال حتى يومنا هذا لا تفوّت فرصة من دون "التنديد" بعملية "طوفان الأقصى"...
الازدواجية الغربية "الفاقعة"
هي باختصار الازدواجية الغربية "الفاقعة" التي "فضحتها" ربما أحداث المنطقة الملتهبة منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي، لكنّها سابقة لها بسنواتٍ طويلة، بل إنّ عمرها من عمر القضية الفلسطينية، ومن عمر الحروب التي نشبت على اسمها، منذ نشوء ما سُمّيت بـ"دولة إسرائيل"، برعاية غربية قلّ نظيرها، أقرب إلى التواطؤ في مكانٍ ما، تحوّل معها الجلاد إلى الضحية، وفق معادلاتٍ غير مفهومة.
وعلى امتداد العام الماضي، منذ هجوم السابع من أكتوبر، تكرّر الأمر بشكل بدا نافرًا لكثيرين، فالعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في مواجهة حكومة يمينية وُصِفت بالأكثر تطرّفًا في تاريخ إسرائيل، اصطدمت بتنديدٍ عالميّ، لم تحصده الحرب الإسرائيلية الدموية الطويلة على غزة، على الرغم من الفاتورة البشرية "الثقيلة" التي نتجت عنها، والتي تُعَدّ غير مسبوقة في تاريخ الصراعات والحروب، والتي لا تُقارَن بما جرى في "طوفان الأقصى".
وفي لبنان، تكرّر الأمر نفسه، فبذريعة "جبهة الإسناد" التي فُتِحت من أجل منع الاستفراد بالشعب الفلسطيني، وتحت عنوان إعادة مستوطني الشمال "بأمان" إلى بيوتهم، اختار العدو الإسرائيلي أن يهجّر ويقتل مئات الآلاف في أيامٍ قليلة، في حربٍ زعم أنّها ضدّ "حزب الله"، وليست ضدّ الشعب اللبناني، فإذا بالمجازر المروّعة التي ارتُكِبت فيها تفضح "بنك الأهداف" القائم على النساء والأطفال، وكلّ ذلك على مرأى ومسمع العالم أيضًا وأيضًا.
من يضع حدًا للوحشيّة الإسرائيلية؟
في غزة كما في لبنان، بقي "أقصى" ما قدّمته الدول الغربية التعبير عن "القلق"، مع ثابتة الحديث المتكرّر عن "حقّ" إسرائيل المعتدية، في "الدفاع عن نفسها"، معطوفًا على دعواتٍ لا تنفع لـ"تحييد المدنيين"، وضغوطٍ لا تبدو جدّية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولا سيما أنّها تصدر عن دولٍ لا تزال حتى يومنا هذا تموّل الحرب الإسرائيلية، بل تزوّد تل أبيب بالأسلحة الفتّاكة التي تستخدمها، فضلاً عن المعلومات الاستخبارية والتكنولوجيا.
يكفي أنّ الدول الغربية التي تقول إنّها تضغط لوقف إطلاق النار، من غزة إلى لبنان، بالتنسيق مع بعض الدول العربية النشطة على هذا الخط على غرار دولة قطر وجمهورية مصر، تبدو "عاجزة" عن إلزام إسرائيل بشيء، لا على مستوى هدنة إنسانية حُكي الكثير عنها، ولم تدخل حيّز التنفيذ، بل تحوّلت في مكانٍ ما إلى "خديعة" كان الإسرائيليون يتسلّلون منها لارتكاب المزيد من الجرائم الغادرة، ولا حتى على مستوى السماح بإدخال المساعدات بالحدّ الأدنى.
إزاء كلّ ما تقدّم، يصبح السؤال أكثر من مشروع عمّن يمكن أن يضع حدًا للوحشية الإسرائيلية، طالما أنّ الدول الغربية لا تزال توفّر لتل أبيب، من حيث تقصد أو لا تقصد، الغطاء الكامل لمواصلة الدرب نفسه، وذلك على الرغم من أنّ هذه الدول باتت بحكم "المتواطئة" حتى في أعين شرائح واسعة من الرأي العام في داخلها، وهو ما تجلّى مثلاً في انتفاضة الجامعات، التي تبنّت للمرة الأولى السردية الفلسطينية، وأدخلت إسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة.
يقول البعض إنّ كلّ ذلك لا ينفع، فإسرائيل ماضية في حروبها بلا حسيب ولا رقيب، طالما أنّ لا رادع أمامها، وطالما أنّ الغرب معها ضمنًا، ولو قال في العلن إنه يريد وقفًا لإطلاق النار. ولعلّ ما جرى بعد الهجوم الإيراني خير دليل على ذلك، فالدول التي سارعت لإدانته، والتحذير من عواقبه المحتملة، لا تشعر بالحاجة إلى الضغط على إسرائيل بالحدّ الأدنى، لوقف حروبها المتنقّلة، أو لمنع الذهاب إلى حرب أوسع، يدرك الجميع أنّ نتنياهو هو من يجرّ العالم إليها!
Advertisement
لا يُعَدّ تعامل الدول الغربية بهذا الشكل مع الأحداث في المنطقة الأول من نوعه، فقبل نحو عامٍ بالتمام والكمال، ندّدت معظم الدول بعملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها فصائل المقاومة الفلسطينية، متجاهلة أنّ هذه العملية جاءت بعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء في التعامل مع الفلسطينيين، حتى إنّها تبنّت السردية الإسرائيلية بشأنها من دون أيّ نقاش، بما في ذلك الأخبار الزائفة والمضلّلة حول قطع الرؤوس وغير ذلك.
وبذريعة عملية "طوفان الأقصى"، شنّت إسرائيل حرب إبادة بكلّ ما للكلمة من معنى ضدّ قطاع غزة، مستهدفةً منها "القضاء على حركة حماس" بحسب ما زعمت، لكنّها استبدلت هذا الهدف على أرض الواقع بهدفٍ بدا عمليًا أكثر لها، وهو قتل الفلسطينيين، وتحويل القطاع بكلّ بساطة إلى مكان غير صالح للعيش، وكلّ ذلك وسط صمت لم يعد مريبًا من القوى الغربية، التي لا تزال حتى يومنا هذا لا تفوّت فرصة من دون "التنديد" بعملية "طوفان الأقصى"...
الازدواجية الغربية "الفاقعة"
هي باختصار الازدواجية الغربية "الفاقعة" التي "فضحتها" ربما أحداث المنطقة الملتهبة منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي، لكنّها سابقة لها بسنواتٍ طويلة، بل إنّ عمرها من عمر القضية الفلسطينية، ومن عمر الحروب التي نشبت على اسمها، منذ نشوء ما سُمّيت بـ"دولة إسرائيل"، برعاية غربية قلّ نظيرها، أقرب إلى التواطؤ في مكانٍ ما، تحوّل معها الجلاد إلى الضحية، وفق معادلاتٍ غير مفهومة.
وعلى امتداد العام الماضي، منذ هجوم السابع من أكتوبر، تكرّر الأمر بشكل بدا نافرًا لكثيرين، فالعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في مواجهة حكومة يمينية وُصِفت بالأكثر تطرّفًا في تاريخ إسرائيل، اصطدمت بتنديدٍ عالميّ، لم تحصده الحرب الإسرائيلية الدموية الطويلة على غزة، على الرغم من الفاتورة البشرية "الثقيلة" التي نتجت عنها، والتي تُعَدّ غير مسبوقة في تاريخ الصراعات والحروب، والتي لا تُقارَن بما جرى في "طوفان الأقصى".
وفي لبنان، تكرّر الأمر نفسه، فبذريعة "جبهة الإسناد" التي فُتِحت من أجل منع الاستفراد بالشعب الفلسطيني، وتحت عنوان إعادة مستوطني الشمال "بأمان" إلى بيوتهم، اختار العدو الإسرائيلي أن يهجّر ويقتل مئات الآلاف في أيامٍ قليلة، في حربٍ زعم أنّها ضدّ "حزب الله"، وليست ضدّ الشعب اللبناني، فإذا بالمجازر المروّعة التي ارتُكِبت فيها تفضح "بنك الأهداف" القائم على النساء والأطفال، وكلّ ذلك على مرأى ومسمع العالم أيضًا وأيضًا.
من يضع حدًا للوحشيّة الإسرائيلية؟
في غزة كما في لبنان، بقي "أقصى" ما قدّمته الدول الغربية التعبير عن "القلق"، مع ثابتة الحديث المتكرّر عن "حقّ" إسرائيل المعتدية، في "الدفاع عن نفسها"، معطوفًا على دعواتٍ لا تنفع لـ"تحييد المدنيين"، وضغوطٍ لا تبدو جدّية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولا سيما أنّها تصدر عن دولٍ لا تزال حتى يومنا هذا تموّل الحرب الإسرائيلية، بل تزوّد تل أبيب بالأسلحة الفتّاكة التي تستخدمها، فضلاً عن المعلومات الاستخبارية والتكنولوجيا.
يكفي أنّ الدول الغربية التي تقول إنّها تضغط لوقف إطلاق النار، من غزة إلى لبنان، بالتنسيق مع بعض الدول العربية النشطة على هذا الخط على غرار دولة قطر وجمهورية مصر، تبدو "عاجزة" عن إلزام إسرائيل بشيء، لا على مستوى هدنة إنسانية حُكي الكثير عنها، ولم تدخل حيّز التنفيذ، بل تحوّلت في مكانٍ ما إلى "خديعة" كان الإسرائيليون يتسلّلون منها لارتكاب المزيد من الجرائم الغادرة، ولا حتى على مستوى السماح بإدخال المساعدات بالحدّ الأدنى.
إزاء كلّ ما تقدّم، يصبح السؤال أكثر من مشروع عمّن يمكن أن يضع حدًا للوحشية الإسرائيلية، طالما أنّ الدول الغربية لا تزال توفّر لتل أبيب، من حيث تقصد أو لا تقصد، الغطاء الكامل لمواصلة الدرب نفسه، وذلك على الرغم من أنّ هذه الدول باتت بحكم "المتواطئة" حتى في أعين شرائح واسعة من الرأي العام في داخلها، وهو ما تجلّى مثلاً في انتفاضة الجامعات، التي تبنّت للمرة الأولى السردية الفلسطينية، وأدخلت إسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة.
يقول البعض إنّ كلّ ذلك لا ينفع، فإسرائيل ماضية في حروبها بلا حسيب ولا رقيب، طالما أنّ لا رادع أمامها، وطالما أنّ الغرب معها ضمنًا، ولو قال في العلن إنه يريد وقفًا لإطلاق النار. ولعلّ ما جرى بعد الهجوم الإيراني خير دليل على ذلك، فالدول التي سارعت لإدانته، والتحذير من عواقبه المحتملة، لا تشعر بالحاجة إلى الضغط على إسرائيل بالحدّ الأدنى، لوقف حروبها المتنقّلة، أو لمنع الذهاب إلى حرب أوسع، يدرك الجميع أنّ نتنياهو هو من يجرّ العالم إليها!