ذكرت صحيفة "The Telegraph" أن "الهجوم الخاطف الذي شنه المتمردون السوريون والذي جعلهم يسيطرون على حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، هو حالة كلاسيكية لكيفية تسبب قانون العواقب غير المقصودة في تغييرات دراماتيكية في المشهد العالمي. مع كل هذه الاضطرابات التي تحدث في الشرق الأوسط، أصبحت الحرب الأهلية السورية التي طال أمدها، والتي بدأت في عام 2011، بمثابة عرض جانبي".
Advertisement
وبحسب الصحيفة، "في حين تستحق سوريا أن تتم الإضاءة عليها من حين إلى آخر في السياق الأوسع للحملة العسكرية الشرسة التي تشنها إسرائيل ضد الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في غزة ولبنان، إلا أن ذلك لم يحدث إلا بعد أن وجدت البلاد نفسها ضحية الأضرار الجانبية، وكانت إحدى الحالات قصف إسرائيل في نيسان للقنصلية الإيرانية في دمشق. أما بالنسبة للنظام نفسه، فقد كان شغله الشاغل الرئيسي هو منع الرئيس السوري بشار الأسد من الانجرار إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله في جنوب لبنان. وهذه ليست مهمة سهلة نظراً لأن معظم أسلحة الحزب يتم شحنها من إيران عبر مطار دمشق".
وتابعت الصحيفة، "إن يأس الأسد من عدم الانخراط في صراع عسكري مباشر مع إسرائيل يعني أن نظامه كان مترددا في التصرف عندما هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية أهدافا على الأراضي السورية. حتى أن إصرار الأسد على البقاء على الحياد في حرب إسرائيل مع حزب الله دفع إدارة الرئيس الأميركي جوبايدن إلى التفكير بجدية في استعادة العلاقات مع النظام مقابل إنهاء دمشق لتحالفها الطويل الأمد مع إيران. الآن أصبح من الضروري تأجيل مثل هذه الاعتبارات الدبلوماسية إلى وقت لاحق في أعقاب استيلاء المعارضة السورية غير المتوقع على حلب، فضلاً عن مناطق أخرى في شمال سوريا. فقد أدى هذا التطور إلى دفع نظام الأسد إلى الأزمة مرة أخرى".
وأضافت الصحيفة، "قبل عقد من الزمان أو نحو ذلك، عندما واجه الأسد احتمالاً حقيقياً للإطاحة به، ساهم الدعم الذي تلقاه من حلفائه في طهران وموسكو بإنقاذ حكومته. وكانت إيران تعتبر إبقاء الأسد في السلطة أمراً حيوياً لدعم جهودها لنشر فصائلها في كل انحاء العالم العربي. وفي الوقت نفسه، كان الكرملين، الذي تعود علاقاته الوثيقة بدمشق إلى الحقبة السوفييتية، حريصاً على الحفاظ على قواعده في سوريا، وخاصة المنشأة البحرية في طرطوس، القاعدة العملياتية الوحيدة للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. وساعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتخذه بناءً على طلب إيران، بالتدخل عسكرياً في سوريا في تحويل مجرى الصراع لصالح الأسد. فقد دمرت القاذفات الروسية معاقل المتمردين في مدن مثل حلب، في حين قادت القوات الإيرانية، بما في ذلك وكلاؤها حزب الله من لبنان المجاور، الهجوم البري".
وبحسب الصحيفة، "لسوء حظ الأسد، من غير المرجح أن يأتي هؤلاء الحلفاء لإنقاذ نظامه مرة أخرى على نطاق مماثل، وخاصة بسبب التغييرات التي طرأت على المشهد الجيوسياسي العالمي على مدى العام الماضي أو نحو ذلك. إن الخسائر المدمرة التي تكبدها الجيش الروسي في أوكرانيا منذ غزو بوتين في شباط 2022 تعني أن موسكو ليست في وضع يسمح لها بتحويل الموارد الثمينة لإبقاء الأسد في السلطة. وقد تم تقليص القوات العسكرية الروسية في سوريا بشكل كبير عن مستويات عام 2015، حيث أعيد نشر القوات على الجبهة الأوكرانية. وتجد إيران نفسها أيضاً تحت ضغط شديد بعد الخسائر الهائلة التي تكبدتها حماس وحزب الله في غزة ولبنان على التوالي. ورغم أن طهران تعهدت بدعم الأسد، فإن إيجاد الوسائل للقيام بذلك سوف يثبت أنه أمر إشكالي نظراً للخسائر البشرية الهائلة التي تكبدها حزب الله في الأشهر الأخيرة".
وتابعت الصحيفة، "لا شك أن المواقف الضعيفة لكل من إيران وروسيا أثرت على توقيت قرار المتمردين بشن هجومهم على حلب، فقد كانوا يدركون أنه في غياب الدعم من طهران وموسكو، سوف تكافح قوات الأسد للدفاع عن نفسها. إن مؤامرات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تتلخص أجندته الإسلامية في إعادة خلق أمجاد الإمبراطورية العثمانية، تشكل اعتباراً مهماً آخر في الدراما المتكشفة في شمال سوريا. ويعارض أردوغان بشدة الجيب الكردي المدعوم من الولايات المتحدة والذي تم إنشاؤه على الحدود السورية. ومن خلال دعم المتمردين، يهدف أردوغان إلى إفشال الهدف النهائي للأكراد المتمثل في إقامة دولتهم الخاصة، في حين يضع نظام الأسد العلماني تحت الضغط".
وأضافت الصحيفة، "إن الكيفية التي ستتكشف بها هذه الأحجية الجيوسياسية المعقدة في نهاية المطاف سوف تعتمد على أجندة المتمردين أنفسهم، بما في ذلك حجم الأراضي السورية التي يسعون إلى غزوها، وقدرة الأسد وحلفائه على إنقاذ النظام من الانهيار. لا شك أن سقوط الأسد سوف يشكل كارثة استراتيجية كبرى لكل من روسيا وإيران. فبالنسبة لبوتين، فإن فقدان القدرة على الوصول إلى القواعد العسكرية الروسية في سوريا لن يؤدي إلا إلى زيادة الإذلال الذي عانت منه قواته بالفعل في أوكرانيا، في حين أن الخسائر الفادحة التي تكبدها حلفاء إيران الإرهابيون بالفعل في غزة ولبنان سوف تتفاقم بسبب الإطاحة بالأسد".
وختمت الصحيفة، "تأمل كل من روسيا وإيران بشدة أن تتمكنا من إنقاذ الأسد مرة أخرى. والفشل في القيام بذلك قد يخلف عواقب وخيمة ليس فقط على الرئيس السوري، بل وأيضاً على الأنظمة غير الديمقراطية في موسكو وطهران".