Advertisement
ولو لم يوافق "حزب الله" على كل فاصلة وردت فيه لما كان الاتفاق على وقف النار قد أبصر النور، ولكان التراشق الصاروخي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، من حيث ما نجم عنه من دمار وخراب لم يسبق أن شهدت مثيلًا له أي حرب أخرى في الالفية الثانية. وهذه الموافقة لم تكن مشروطة سوى بما يؤمن إلزام إسرائيل بتطبيق كل ما جاء في الاتفاق، علمًا أن الورقة الجانبية بين تل أبيب وواشنطن، والتي لم تنشر، والتي تعطي لإسرائيل الحقّ في التدّخل عسكريًا في لبنان عندما ترى ما يستوجب التدّخل لحماية أمنها، لم تكن سرية بالنسبة إلى الذين كانوا يفاوضون عبر الوسيط الأميركي من الجانب اللبناني.
واستنادًا إلى البنود التسلسلية الواردة في اتفاق وقف النار فإنه لن يحقّ لأيٍ كان باستثناء حتى آخر شرطي بلدي في آخر قرية من لبنان حمل "عويسية"، مع الإشارة إلى أن القانون اللبناني يوم كان له حضور فاعل كان يجرّم كل من يحمل "عويسية سبع طقات". وقد تأخذ جدلية ما في هذا الاتفاق من بنود الكثير من الأخذ والردّ، باعتبار أن منطق الأشياء بطبيعتها السطحية تبدو لغير صالح "حزب الله"، الذي لم يكن ليوافق عليه لو لم يكن مضطرًّا بعدما تخطّت خسائره غير المقدّرة قدرة الاحتمال عندما قرّر فتح جبهة المساندة لغزة منفردًا.
في المقابل فإن إسرائيل لا تزال تتعامل مع اتفاق وقف النار على أساس أنه قد حقّق لها ما لم تكن قادرة على تحقيقه في الحرب على رغم حجم الاعتداءات، التي فاقت كل تصوّر. ومن هنا يمكن تفسير تماديها في خرقه بما يعادل المئتي خرق حتى الآن منذ أن أُعلن عنه رسميًا وأصبح نافذًا. فتل أبيب تعتبر أن الورقة الجانبية بينها وبين واشنطن هي من صلب بنود الاتفاق، وهي تتصرّف كأن لها الحقّ المطلق في التدّخل في لبنان في كل مرّة تدّعي فيها أن أمنها مهدّد.
فهذه الخروقات الإسرائيلية الموثقة ستوضع على طاولة الجلسة الأولى للجنة الخماسية المنوطة بها مهمة مراقبة تنفيذ الاتفاق الموافق عليه من الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وسيكون لها على الأرجح موقف حاسم وجازم، وفق الآلية المتفق عليها، بحيث يتم تبليغها بأي خرق من كلا طرفي الصراع، ليصار بعد المناقشة إلى رفع خلاصة بهذه الخروقات وتبلغ إلى كل من الحكومة اللبنانية وإلى حكومة الحرب في تل أبيب، فيتم تكليف الجيش للحؤول دون خرق الاتفاق من الجهة اللبنانية ("حزب الله")، على أن تكفّل قوات الأمم المتحدة بلجم إسرائيل ومنعها من أي خرق بذرائع واهية.
من هنا تأتي أهمية عقد جلسة للحكومة في ثكنة بنوا بركات في صور غدًا، والتي هي بمثابة رسالة قوية إلى الجنوبيين العائدين، والتي تتزامن مع مباشرة لجنة المراقبة عملها، خصوصًا أن لرمزية عقد الجلسة في ثكنة عسكرية دلالات مهمة بعدما أعطي الجيش الضوء الأخضر لتوسيع انتشاره في الجنوب كما على الحدود الشمالية والشرقية.