في عالم تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، حيث أضحت الثورة الصناعية الرابعة (4IR) بفضل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة تحديًا وفرصة في آن واحد، تسعى الجامعات العربية إلى النهوض بمنظوماتها التعليمية لمواكبة هذا التحول، وفي المؤتمر التاسع عشر (19) لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي، الذي انعقد في أبوظبي في الفترة من 27-28 نوفمبر 2024، قدم الدكتور أسامة إمام، عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة حلوان، رفقة منال عبدالقادر، وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، رؤية شاملة لتحسين جودة التعليم العالي في المنطقة، تعتمد على تكامل الذكاء الاصطناعي مع التعليم المرن.
التحديات الكبرى في التعليم العالي العربي
من خلال حديثه، أشار الدكتور أسامة إمام إلى أن التعليم العالي في الدول العربية قد شهد تقدمًا ملحوظًا في جوانب البنية التحتية وزيادة الوعي بأهمية التعليم، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى حلول مبتكرة. أهم هذه التحديات تتمثل في ضعف جودة التعليم، نقص البحث العلمي، وعدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل. بالإضافة إلى هذه المشكلات، هناك تحدٍ آخر يهدد الجامعات العربية وهو المنافسة العالمية الشديدة من الجامعات الكبرى التي تعتمد تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في العملية التعليمية، ما يضع الجامعات العربية في موقف صعب على المستوى الأكاديمي والبحثي.
في هذا السياق؛ أضافت منال عبدالقادر أن دراسة مستفيضة تم إجراؤها لفحص تطور الأنظمة التعليمية والبحثية في الدول العربية في ضوء الأهداف الأممية للتعليم العالي، بهدف الوقوف على الفرص التي يمكن استثمارها لتحسين التعليم العالي. وأكدت أن أهم هذه الفرص تكمن في الشراكات الدولية التي تتيح تحديث المناهج، تبادل الخبرات الأكاديمية، وتعزيز البحث العلمي من خلال تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي.
التعليم المرن.. الحل الأمثل للمستقبل
وتناول الدكتور إمام خلال كلمته الدور الكبير للذكاء الاصطناعي في تعزيز جودة التعليم وتطوير الأبحاث. وقال إن الثورة الصناعية الرابعة التي يعيشها العالم تفتح آفاقًا واسعة لتحسين التعليم من خلال أتمتة بعض الجوانب التعليمية والإدارية. إن دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، مثل تعليم التعلم الآلي وتحليل البيانات، يُعد من الخطوات الأساسية التي تساهم في رفع كفاءة التعليم العالي. كما أن تكامل الذكاء الاصطناعي يساهم في تخصيص المحتوى التعليمي وتقديم تجارب تعلم مخصصة بناءً على احتياجات كل طالب، وهو ما يحقق فائدة مزدوجة: تعزيز التجربة التعليمية للطلاب وتقليل العبء على الأساتذة.
من جهتها؛ أكدت منال عبدالقادر أن التعليم المرن المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي يمثل ركيزة أساسية لتطوير التعليم العالي. قالت عبدالقادر: "نحن في مرحلة فارقة؛ فالتعليم المرن الذي يدمج بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني يقدم مرونة كبيرة للطلاب، ويسمح لهم بالتحصيل العلمي وفقًا لاحتياجاتهم الشخصية وظروفهم الخاصة." كما أشارت إلى أن هذا النموذج من التعليم، والذي يتوقع أن 70% من الجامعات العالمية ستتبناه بحلول عام 2030، يوفر فرصًا متساوية لجميع الطلاب، ويتيح لهم التعلم في أي وقت وفي أي مكان.
الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة
وأشار أسامة إمام إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي يمتد إلى العديد من المجالات. أبرز هذه المجالات هو "أنظمة التدريس الذكية" التي توفر ممارسات تعليمية مبتكرة، إضافة إلى استخدام "الواقع المعزز" في التدريس لتعزيز التجربة التعليمية وجعلها أكثر تفاعلية. كما أن الذكاء الاصطناعي يساهم بشكل كبير في "تحليل بيانات الطلاب"، مما يسمح بمتابعة تقدمهم وتقديم الدعم الفوري لهم من خلال الإجابة على استفساراتهم وتقديم توصيات مخصصة.
التحديات والمستقبل.. البنية التحتية والمهارات التقنية
ولكن رغم هذه الفرص الواعدة، أكدت منال عبدالقادر أن هناك العديد من التحديات التي تواجهها الجامعات العربية في هذا المجال، ومنها نقص البنية التحتية المناسبة والمهارات التقنية المتخصصة.
وأضافت أن هناك حاجة ملحة لتطوير هذه البنية التحتية من خلال توفير تجهيزات حاسوبية متقدمة وأدوات برمجية قوية، مثل مكتبات التعلم الآلي، لتمكين التعليم من الاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأعرب أسامة إمام عن أمله في رؤية تحول حقيقي في الجامعات العربية لتصبح "جامعات ذكية" تتمكن من تحسين خدماتها التعليمية والإدارية.
وقال: "نحن بحاجة إلى دعم الأبحاث وتشجيع الابتكار عبر برامج تدريبية متخصصة للكوادر البشرية، مع وضع أطر قانونية وأخلاقية واضحة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، مع التركيز على حماية البيانات وشفافية الأنظمة".
التعاون الدولي.. أساس لتحقيق النجاح
وأكد كل من إمام وعبدالقادر على أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات العربية، المؤسسات الخاصة، والمنظمات الدولية، لتبادل المعرفة والأفكار حول كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، "هذا التعاون سيتيح لنا فرصة للاستفادة من أحدث التقنيات التعليمية وتطبيقها في بيئتنا الأكاديمية، مما يعزز من قدرة طلابنا على المنافسة في سوق العمل العالمي"، قالت منال عبدالقادر.
مرحلة جديدة في التعليم العالي العربي
بينما تسعى الجامعات العربية إلى مواكبة التطور التكنولوجي، يبقى السؤال: هل سيكون الذكاء الاصطناعي والتعليم المرن هما الحل لمواجهة التحديات التي تواجهها؟ الإجابة تكمن في التجربة والتطبيق، وعلى العالم العربي أن يكون مستعدًا للاستثمار في هذه التقنيات الحديثة التي تفتح أبوابًا جديدة للابتكار وتحقيق النجاح الأكاديمي.
وتعد نظرة أسامة إمام ومنال عبدالقادر تقدم لنا إشراقة أمل لمستقبل التعليم العالي في الوطن العربي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح جزءًا من الحلول التي تعيد تشكيل هذا القطاع الحيوي بما يتماشى مع التحديات العالمية.