شهدت كوريا الجنوبية تطورات خطير بعد إعلان الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في البلاد، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا. إلا أن البرلمان الكوري، الذي يتمتع بأغلبية معارضة، رفض القرار سريعًا من خلال تصويت بأغلبية كبيرة، مما أجبر الرئيس على الامتثال لقرار البرلمان، في مشهد يعكس قوة المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
من جانبه قال الدكتور كمال دفع الله بخيت المتخصص في الشؤون الكورية، إن إعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول حالة الطوارئ وفرض الأحكام العرفية في وقت متأخر من ليلة 3 ديسمبر 2024، يمثل خطوة غير مسبوقة منذ عام 1979، حين شهدت البلاد اغتيال الرئيس بارك تشونغ هي، موضحًا أن هذا القرار المفاجئ جاء وسط تصاعد التوترات السياسية بين الحكومة والمعارضة، ما يعكس أزمة سياسية عميقة تهدد استقرار البلاد وديمقراطيتها.
أضاف بخيت في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن خلفية هذا القرار تعود إلى سلسلة من الأزمات التي تفاقمت مؤخرًا، منها الضغوط السياسية على الرئيس يون، ومحاكمة زعيم الحزب الديمقراطي المعارض لي جيه ميونغ بتهم فساد، والتي اعتبرتها المعارضة محاولة لتصفية الحسابات السياسية، كما شكلت الاتهامات الموجهة إلى زوجة الرئيس بالتدخل في شؤون الدولة واستلام هدايا فاخرة، ذريعة للمعارضة لتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وهو ما رفضه الرئيس مستخدمًا حق النقض الدستوري.
أكمل حديثه قائلا:" أن التوترات بين الطرفين تصاعدت أيضًا بسبب خلافات حول الميزانية الحكومية، حيث اعتبرت الحكومة أن تقليص الميزانية المقترح من المعارضة يهدد وظائف الدولة الأساسية، ما دفع الرئيس إلى اتخاذ قرار فرض الأحكام العرفية بدعوى حماية النظام السياسي".
وأوضح بخيت أن البرلمان الكوري، الذي تسيطر عليه المعارضة، عقد جلسة طارئة فجر اليوم، حيث صوت بالأغلبية لرفع الأحكام العرفية. وفي تطور لافت، انضم رئيس حزب سلطة الشعب الحاكم إلى المعارضة وطالب الرئيس بتوضيح ملابسات القرار، داعيًا إلى إقالة وزير الدفاع الذي اتُهم بأنه المحرك الرئيسي وراء هذه الخطوة المثيرة للجدل.
وعلى الصعيد الشعبي، أشار بخيت إلى أن اتحاد العمال الكوري أعلن الدخول في إضراب عام مفتوح حتى إقالة الرئيس وحكومته، ما يزيد من احتمال تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات في الشوارع خلال الأيام المقبلة.
كما حذر من أن الأزمة قد تؤدي إلى استقطاب اجتماعي وسياسي عميق، مع احتمالية تدهور الأداء الاقتصادي والمالي للبلاد، حيث من المتوقع انسحاب مستثمرين وتراجع قيمة الوون الكوري أمام العملات الأجنبية.
على الصعيد الدولي، اعتبر بخيت أن هذا التطور قد يؤثر على علاقات كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة، حيث وصف مجلس الأمن القومي الأمريكي قرار الرئيس بأنه "مفاجئ ومثير للقلق"، مشددًا على أن الديمقراطية تمثل الأساس لتحالف البلدين.
أكد المتخصص في الشؤون الكورية، أن الوضع في كوريا الجنوبية يدعو إلى القلق، ليس فقط على المستوى الداخلي بل الإقليمي أيضًا، حيث تتابع دول مثل كوريا الشمالية واليابان هذه الأزمة عن كثب لما قد تسببه من تأثيرات على الأمن والاستقرار الإقليمي.
وفي نفس السياق أوضح الباحث محمد صلاح، المتخصص في الشؤون الكورية، بأن المشهد السياسي في كوريا الجنوبية يشهد حاليًا تصعيدًا ملحوظًا مع تقدّم ستة أحزاب معارضة داخل البرلمان بطلب رسمي لمسائلة الرئيس وعزله من منصبه، مشيرًا إلى أن هذه الأحزاب، بما في ذلك رئيس البرلمان، تمتلك مجموعًا قدره 192 عضوًا.
أضاف صلاح في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن تمرير مشروع طرح العزل للتصويت يحتاج إلى أغلبية بسيطة، وهو ما يُتوقع حدوثه، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تأمين أغلبية الثلثين لاعتماد القرار من قبل البرلمان، وهذا يتطلب تصويت ثمانية أعضاء على الأقل من الحزب الحاكم لصالح القرار، وهو ما قد يتحقق من خلال التصويت السري المرتقب.
وأكد الباحث أن هناك موجة من المظاهرات التي تشهدها البلاد، مع توقعات بزيادة الزخم السياسي خلال الأيام المقبلة، مضيفًا أن المظاهرات كانت موجودة سابقًا لكنها كانت محدودة، أما الآن فهي مرشحة للتوسع بسبب الجدل الكبير حول قرارات الرئيس الأخيرة.
وفيما يتعلق بالإجراءات اللاحقة، لفت صلاح إلى أن حال التصويت لصالح عزل الرئيس، سيتم إحالة القضية إلى المحكمة الدستورية للفصل النهائي فيها.
كما توقع أن يُطرح مشروع القانون للتصويت خلال يومي 6 أو 7 ديسمبر الجاري من أجل إقالة الرئيس.
واختتم المتخصص في الشؤون الكورية قائلًا: "حتى رئيس الحزب الحاكم يرى أن الخطوة التي اتخذها الرئيس كانت خاطئة، مما يعزز من احتمالية التصويت لصالح العزل، لكن الفصل النهائي يبقى بيد المحكمة الدستورية".