يعتبر الفنان الراحل صلاح قابيل واحدًا من أبرز نجوم الفن في مصر والعالم العربي، حيث استطاع أن يترك بصمة واضحة في كلا من السينما والمسرح، تميزت مسيرته الفنية بتنوع الأدوار التي لعبها وبإبداعه في تجسيد الشخصيات المختلفة، فكان يعشق التعددية والتجديد في الأدوار التي يقدمها منها: المعلم، والضابط، والمجرم، والرجل الطيب، والفلاح، والسياسي، ورجل الأعمال، والنصاب، والشرير، وحتى الكوميديا لم تخل من أعماله، فقدم لها العديد من الأفلام التي لاقت رواجًا جماهيريًا كبيرًا طوال فترات حياته الفنية، مما جعله محط إعجاب وتقدير من قبل الجمهور والنقاد على حد سواء.
و من خلال هذا التقرير، سنستعرض رحلة صلاح قابيل بين السينما والمسرح، إلى جانب رأي الكاتب الصحفي مصطفى أمين فيه:
البداية الفنية لصلاح قابيل
ولد صلاح قابيل في 24 ديسمبر 1931، في قرية "نوسا الغيط" إحدى قرى مركز أجا محافظة الدقهلية، وبدأ مشواره الفني في فترة الخمسينات، كانت البداية على خشبة المسرح، حيث تعلم أصول الفن وفنون التمثيل، ثم انتقل إلى السينما ليصبح أحد نجومها البارزين، لكن رغم النجومية التي حققها في السينما، لم يبتعد عن المسرح الذي كان له مكانة خاصة في قلبه.
صلاح قابيل في السينما
عُرف صلاح قابيل بقدرته الفائقة على تقديم أدوار متنوعة، ولقد قدم قابيل أكثر من 72 فيلما خلال مسيرة امتدت 35 عامًا، فقد تألق في مختلف الأنماط السينمائية بين الدراما والكوميديا والتراجيديا، بدأت مشاركته السينمائية منذ منتصف الستينات عام 1963، حيث قدم العديد من الأفلام التي أصبحت علامات فارقة في تاريخ السينما المصرية، من أبرز أفلامه "زقاق المدق" الذي يعد أول أعماله السينمائية، ومن أشهر أفلامه بعد ذلك: “الخرساء”، “الرصاصة لا تزال في جيبي”، و”الكرنك”، و"بين القصرين" عام 1964، و"نحن لا نزرع الشوك" عام 1970، و"دائرة الانتقام" عام 1976، و"ليلة القبض على فاطمة" عام 1984، و"غرام الأفاعي" عام 1988، و"العقرب" عام 1990 وقدم في نفس العام فيلم "الراقصة والسياسي" كما شارك في الهلفوت، ومذكرات الآنسة منال، وشهيرة، والحرافيش وغيرها من الأعمال المؤثرة في تاريخ السينما المصرية.
ولكن ما يميز صلاح قابيل في السينما هو قدرته على التكيف مع الشخصيات المختلفة، فنجح في تقديم الأدوار المركبة والصعبة مثل شخصية “جلال” في فيلم “الكرنك”، التي عكست عمق تراجيدي لشخصية تحمل في طياتها الكثير من المعاناة النفسية والسياسية.
صلاح قابيل في المسرح
في المسرح، كانت له إسهامات كبيرة أيضًا، حيث تعاون مع العديد من كبار المخرجين وشارك في عدد من العروض المسرحية التي لاقت صدى واسعًا، مثل مسرحية “أنت اللي قتلت جارى” و”أولادنا في لندن”، ومسرحية "قولوا لعين الشمس" لنجيب سرور، ومسرحية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم"، و"حراس الحياة"، و"دائرة الطباشير القوقازية"، حيث كانت شخصياته على خشبة المسرح تظهر بعدًا آخر لتمثيله، حيث كان قادرًا على تقديم كوميديا راقية بجانب التراجيديا المؤثرة.
لم يكن صلاح قابيل مجرد ممثل على خشبة المسرح، بل كان أيضًا جزءًا من التجربة المسرحية بأسرها، مما جعله أحد الأسماء البارزة في مسرح الستينات والسبعينات، جمع بين التمثيل الجاد والمغامرة الفنية التي منحته القدرة على التأثير في الجمهور وخلق حالة من التواصل العميق.
رأي مصطفى أمين عن صلاح قابيل
الكاتب الصحفي مصطفى أمين كان من أبرز المعجبين بموهبة صلاح قابيل،حيث قال عنه: "من أدواره يكرهه المتفرج ويعجب به فى نفس الوقت، وتخرج من أفلامه تتذكره أكثر من البطل حتى لو لم يمثل جملة أو جملتين"، وأشاد مصطفى أمين بقدرة قابيل على تقديم أدوار مركبة ومعقدة، مؤكدًا أن صلاح كان يتمتع بموهبة استثنائية تجمع بين الإبداع والحرفية.
صلاح قابيل: من مسرح التليفزيون إلى قلوب الجماهير
كان الفنان الراحل صلاح قابيل أحد الأسماء اللامعة التي أسهمت في تشكيل ملامح الدراما التليفزيونية المصرية، انطلقت مسيرته الفنية من مسرح التليفزيون، حيث اختاره المخرج الكبير السيد بدير للانضمام إلى فريقه المبدع، هذا الفريق، الذي ضم نخبة من النجوم مثل عزت العلايلي، رشوان توفيق، حمدي أحمد، سهير المرشدي، وأبو بكر عزت، قدم العديد من الأعمال المسرحية المميزة التي حظيت بقبول واسع، مثل “الأرض”، “وثورة القناة”، “الزنزانة”، و”دماء على القنال”، ليضع قابيل بذلك أولى خطواته نحو النجومية.
البداية مع التليفزيون ودوره البارز في الدراما
بعد انضمامه لمسرح التليفزيون، بدأ صلاح قابيل مشواره مع الدراما التليفزيونية من خلال تمثيلية قصيرة مع المخرج حسين كمال، كانت تلك بداية قوية له في عالم التليفزيون، ليظهر بعدها في العديد من الأعمال البارزة التي جعلت منه واحدًا من أهم نجوم الدراما. قدم أول دور له في المسلسل التليفزيوني “الطريق”، تلاه دوره الأول في البطولة في “بنت الحتة”، ليتوالى ظهور صلاح قابيل في العديد من الأعمال المميزة مثل “خماسية الساقية”، “البيت الكبير”، “زينب والعرش”، و”دموع في عيون وقحة”.
مسيرة مليئة بالعطاء
كانت مرحلة الثمانينات والتسعينات هي ذروة التألق في حياة صلاح قابيل الفنية، حيث قدم العديد من الأعمال التي أصبحت جزءًا من ذاكرة الدراما المصرية. من أبرز هذه الأعمال “ضمير أبلة حكمت”، “ليالي الحلمية”، “القاهرة والناس”، و”بيت القاضي”. ولا شك أن أدواره المميزة في تلك الأعمال كانت تُظهر براعته في تجسيد الشخصيات المعقدة والمركبة، مما جعلها محط إعجاب الجميع.
محطة “ذئاب الجبل” وفقدان فني مؤلم
عندما وصل صلاح قابيل إلى قمة عطائه، جاءه الدور الذي كان ينتظره كثيرون: شخصية “علوان أبو البكري” في مسلسل “ذئاب الجبل” للمؤلف محمد صفاء عامر، حيث كان العمل بمثابة تحدٍ كبير له، وكانت الشخصية تتطلب منه أداءً عاليًا ومؤثرًا، لكن القدر لم يمهله إتمام هذا الدور، حيث توفي بعد تصوير نحو ثماني مشاهد فقط من المسلسل.
في خطوة مؤلمة، قرر المخرج مجدي أبو عميرة الاستعانة بالفنان الراحل عبد الله غيث لإكمال الدور، لكن سرعان ما توفى عبد الله غيث أيضًا قبل أن يتمكن من إتمام تصوير المسلسل، في النهاية، قرر فريق العمل إجراء تعديلات على السيناريو، بحيث يتم قتل شخصية “علوان” في سياق الأحداث، لتظل هذه اللحظة واحدة من أقسى الفصول في تاريخ الدراما المصرية.
التأثير والإرث الفني
بعد مسيرة طويلة مليئة بالعطاء الفني، تظل أعمال صلاح قابيل خالدة في ذاكرة الفن المصري، ورغم رحيله عن عالمنا في 21 يوليو 1992، إلا أن إرثه الفني مستمر في التأثير على الأجيال الجديدة من الفنانين والجماهير، استطاع قابيل أن يكون نموذجًا للفنان الذي يجمع بين القوة في الأداء والإحساس العميق بكل دور يؤديه.
الخاتمة
إن رحلة صلاح قابيل بين السينما والمسرح تُعد واحدة من القصص الملهمة في تاريخ الفن المصري، من خلال تنوع أدواره ومشاركته في العديد من الأعمال المتميزة، ترك لنا إرثًا فنيًا من الصعب نسيانه.