لا ينحصر الموقف الفعلي لـ "التيار الوطني الحر" من "حزب الله" بالمصلحة والحسابات السياسية، بل يلعب العامل "العاطفي" دوراً نسبياً في الرؤية العامة للعلاقة مع حارة حريك، والحديث هنا، عن البنية الحزبية العميقة في "التيار" أو ما تبقى منها في ظل صعود أسهم أجنحة جديدة، أقله في المجال الاعلامي. بعض القيادات الاساسية في التيار لا تزال "تحنّ" سياسياً لمرحلة "تفاهم مار مخايل" التي رسمت فيه مساراً مشتركاً، فيه من الوجدان الذي لا يمكن ان يمحى خلال أشهر.
Advertisement
لا يرى "التيار" أن "حزب الله" إنتهى بسبب ما حصل خلال الحرب، ولعل ما نُسب لرئيسه جبران باسيل عن قوله في جلسات خاصة أن الحزب سيخسر الحرب، مرتبط بمرحلة ما قبل الحرب الواسعة التي بدأت في 23 أيلول. موقف باسيل وتياره اليوم مختلف جذرياً، وحسابات الخسارة التي كان يقصدها باسيل وقعت بالفعل وفق النظرة العونية، لكن هذا لا يعني نهاية الحزب او ضعفه، او تراجعه سياسيا في الواقع والنظام اللبناني، "بل قد يكون العكس هو الصحيح اذا ما قدم تنازل ما في موضوع السلاح ليحصل مقابله على مكتسبات داخلية" .
هناك رؤية، لها وزنها، داخل قيادة "التيار" تقول أن "حزب الله" سيبقى الحزب الأقوى في لبنان وسيُظّهر ذلك بعد الحرب، وخلال تشييع السيد حسن نصرالله سيرى الجميع أنه سينظّم أكبر تجمع بشري في تاريخ لبنان، من هنا لا ينظر التيار الى الحزب بإعتباره انتهى سياسياً ويمكن قراءة موقفه السياسي الحالي انطلاقاً من هذه الزاوية.
يجد "التيار" نفسه مرتاحاً مع اسلوب عمله الحالي مع القوى السياسية، اذ انه مستعد للتعامل على القطعة مع الجميع، وهذا لا يعني أنه سيصبح خصماً لحارة حريك. يراهن العونيون على الكتل الوسطية التي يمكن ان تتشكل بعد الحرب، منها كتلة الحزب الإشتراكي وكتلة النواب السنّة وبعض التغييريين والمستقلين.
ليس ضرورياً ان يسبق التنسيق بين التيار والقوى المستقلة اي استحقاق مقبل، لان ذلك سيعني أن تحالفاً سياسياً قد اصبح قيد الانشاء، لكن التنسيق سيكون على "القطعة" في لحظة الانتخابات الرئاسية او تشكيل الحكومة او حتى الانتفاق على قانون انتخاب.
المشكلة مع "حزب الله" ليست رئاسة الجمهورية، هذا ما تؤكده مصادر عونية، وان كان الخلاف الرئاسي موجودا، لكن كيفية التعامل مع "التيار" خلال نهاية عهد الرئيس ميشال عون في مسألة تشكيل الحكومة والحفاظ على حكومة تصريف الاعمال من دون الإكتراث لدور التيار في ادارة البلد هو الذي احدث وأوصل الى الشرخ الحالي.
في المسألة الرئاسية لن يسير التيار مع "حزب الله" بإنتخاب سليمان فرنجية حتى لو كان قائد الجيش سيصل الى قصر بعبدا، لكن هذا لا يعني عدم الاتفاق على مرشح مشترك بشرط ألا يكون الحزب قد عقد تسوية مع الاميركيين على الاستحقاق الرئاسي، هذا يفتح ابواب الاتفاق على امور أخرى أيضاً من دون ان يعود التحالف الى سابق عهده لناحية الاتفاق الشامل على كل التفاصيل.
الأصل لدى القيادة العميقة في التيار هو عدم "التآمر" على الحزب، وعدم خوض اي معركة اعلامية ضده مرتبطة بالحرب المندلعة جنوباً حتى لو كان الخلاف كبيرا على جبهة الإسناد. لن يكون التيار اليوم خصماً للحزب في ظل المعارك الحالية التي قد لن يكون سهلاً معرفة نتيجتها وتداعياتها..