تبرز الشائعات كأحد أبرز أسلحة حروب الجيلين الرابع والخامس، فى ظل تأثيراتها السلبية على المجتمعات، خاصة من حيث كونها مصدرًا للفوضى والاضطراب وبث اليأس بين الشعوب، لذا لم يكن غريبًا أن تلجأ إليها الجماعات الإرهابية التى تستهدف تفتيت الأوطان.
وأصبحت هذه الجماعات تستخدم تقنيات حديثة لنشر الشائعات الموجهة، ما يجعل تعقب مصادرها معقدًا للغاية، خاصة عند الاعتماد على منصات متخصصة، تمنحها القدرة على نشر محتوى «مُشفر» يصعب تتبعه، ما يزيد من تحديات مواجهة الشائعات.
وامتدت التقنيات الحديثة فى نشر الشائعات لتشمل استخدام الذكاء الاصطناعى فى «تصنيع» أخبار كاذبة، على شكل تقارير صحفية، أو معلومات قانونية تبدو موثوقة، بالتعاون مع شركات إعلامية متخصصة، ما يسهم فى خداع الجمهور وجعل الشائعات أكثر قبولًا.
ووسط هذه التحديات الصعبة، تتعاظم مسئولية الإعلام الوطنى، من خلال فحص المعلومات بدقة، ونشر الحقائق، بما يسهم فى تعزيز الوعى المجتمعى، والحد من تأثير الشائعات على الأمن الاجتماعى والسياسى.
فى السطور التالية، يتحدث عدد من الخبراء لـ«الدستور» عن أبرز التقنيات التى تستخدمها الجماعات الإرهابية فى نشر الشائعات، بما يمنع تعقبها أو الوصول لمروجيها، وكيفية مواجهة ذلك بفاعلية
هجمات إلكترونية تستهدف المجتمع والجيش والشرطة
البداية مع العقيد حاتم صابر، الخبير الأمنى فى حرب المعلومات، الذى حذر من خطورة التقنيات الحديثة التى تستخدمها الجماعات الإرهابية لنشر الشائعات، من خلال هجمات إلكترونية منظمة، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات تنقسم إلى نوعين رئيسيين: الأول يستهدف المجتمع المدنى، والثانى معنى بالجيش والشرطة.
وأضاف «صابر»: «هذه الجماعات تستخدم تقنيات مثل (الدارك ويب)، وهى شبكات يصعب تعقبها بسبب استخدامها تشفيرًا معقدًا. كما أن الأجهزة الأمنية المصرية رصدت استخدام الجماعات الإرهابية العملات الرقمية مثل (البيتكوين) فى تمويل العمليات الإرهابية»، مؤكدًا أن «مصر تمكنت من إيقاف هذه الأنشطة رغم صعوبتها».
وواصل: «الأجهزة الأمنية تراقب جميع الحسابات التى تُستخدم لنشر هذه الشائعات، وتتتبعها بشكل دقيق لتحديد مصدرها، ومعظم هذه الحسابات تأتى من دول معادية لمصر».
وأكمل: «الأجهزة تراقب كل الأخبار المتعلقة بالشأن الداخلى، سواء المرتبطة بالعمليات النفسية التى تستهدف المجتمع المدنى، أو الحرب النفسية التى تستهدف الجيش والشرطة، وتحاول بشكل مستمر وقف نشاط المواقع وصفحات التواصل الاجتماعى داخل مصر، التى تحاول بث نشر الشائعات، سواء بغلق أو حجب هذه الصفحات والمواقع». وتابع: «الأجهزة الأمنية تعمل على عدة مستويات لمواجهة هذه الحرب النفسية، لكن العبء الأكبر هو مسئولية الإعلام»، مشيرًا إلى أن هناك عدة خطوات أساسية للمواجهة، هى السبق والإحباط والتفنيد، وعلى الإعلام أن يكون فى طليعة المواجهة، عبر نشر الحقائق وتفنيد الشائعات، سواء عبر الإعلام المرئى أو المسموع أو «السوشيال ميديا».
تقنيات معقدة لتشفير ومنع تعقب مصدر الأكاذيب
كشف المهندس إسلام غانم، خبير أمن المعلومات، عن أبرز الوسائل التى تستخدمها الجماعات الإرهابية لـ«تشفير» ومنع تعقب مصادر الشائعات والمعلومات المضللة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى، واصفًا إياها بأنها تقنيات معقدة للغاية. وأوضح «غانم»: «واحدة من أبرز هذه الوسائل هى رفع المحتوى على منصات خارجية، قبل نشره على شبكات التواصل الاجتماعى، وهو أمر يجعل من الصعب جدًا تتبع مصدره الأصلى، فضلًا عن استفادة هذه الجماعات بشكل كبير من تقنيات الـ(دارك ويب)، التى تتيح لها إرسال وتبادل المعلومات بشكل مشفر يصعب تتبعه، ما يزيد من تعقيد عملية مكافحة الشائعات». وأضاف خبير أمن المعلومات: «أحد الأساليب الحديثة الأخرى التى تعتمد عليها الجماعات الإرهابية استخدام الذكاء الاصطناعى لصناعة أخبار وهمية، ونشرها بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعى».
وواصل: «تعمل الخوارزميات على زيادة التفاعل مع هذه الأخبار بشكل غير طبيعى، ما يسهم فى انتشار الشائعات، خاصة مع استخدام أدوات معينة لزيادة انتشارها بين المستهدفين، مثل عدد المشاركات والإعجابات بشكل سريع بمنشور معين، ما يساعد فى جعل الخبر يتصدر منصات السوشيال ميديا».
وأكد أن هذه الأساليب ليست محصورة فى المنطقة العربية فقط، بل تتبناها الجماعات الإرهابية فى جميع أنحاء العالم، داعيًا الجمهور إلى ضرورة التأكد من مصدر المعلومة قبل إعادة نشرها، والحصول على الأخبار من مصادر موثوقة مثل وسائل الإعلام الرسمية أو الجهات المعترف بها.
واختتم خبير أمن المعلومات بقوله: «يجب على الأفراد التأكد من صحة المعلومات، عبر التحقق منها باستخدام مصادر متعددة، وعدم الانجراف وراء الأخبار المغلوطة التى قد تسهم فى نشر المعلومات غير الدقيقة».
تعاون مع شركات إعلامية متخصصة لـ«صناعة شائعات موثوقة»
شرح طارق أبوالسعد، المنشق عن جماعة «الإخوان» الإرهابية، كيف تعتمد الجماعة على الشائعات كأداة فعالة للهجوم على خصومها، وتحقيق مصالحها الشخصية، وزعزعة الثقة فى المجتمعات، وتقويض اللُحمة الداخلية، سواء على الصعيد السياسى أو الاجتماعى، منذ تأسيسها على يد حسن البنا عام ١٩٢٨.
وأضاف «أبوالسعد»: «جماعة الإخوان طورت تقنيات جديدة لتسويق الشائعات منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، من بينها استخدام الذكاء الاصطناعى وتقنيات متقدمة أخرى فى ذلك، بجانب التعاون مع شركات إعلامية متخصصة لتعليم أعضائها كيفية صناعة الشائعات بطريقة تجعلها تبدو كمعلومات موثوقة من مصادر قانونية، مثل التقارير التى تصدر عن مؤسسات تدعى أنها دولية تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان».
وواصل: «نشر الشائعات بهذه الطريقة يجعلها أكثر قبولًا لدى بعض المتلقين، الذين يظنون أن المصدر هى مؤسسة موثوقة»، معتبرًا أن «الأخطر من نشر الشائعات هو استخدام بعض الشخصيات من النخب السياسية والثقافية لترويج هذه المعلومات المغلوطة، إذ أصبح بعضهم يتبنى هذه الشائعات، ما يساعد فى نشرها بين الجمهور العادى».
ونبه إلى أن «الشائعات أصبحت أداة سياسية تستخدمها النخب لتصفية حسابات مع الدولة، وبعض هؤلاء الأشخاص يستخدمون معلومات الجماعة الإرهابية دون التأكد من صحتها، ما يؤدى إلى تدمير الروابط الداخلية فى المجتمع».
وأكمل: «المتلقى البسيط، خاصة من الشباب، قد يصدق هذه الشائعات، بسبب الثقة فى هؤلاء الأشخاص الذين يتحدثون عن القضايا من منظور معارض، رغم أنهم فى الحقيقة قد يكونون قد تأثروا بأيديولوجيات الجماعة».
كما أشار إلى استخدام جماعة «الإخوان» الذكاء الاصطناعى، وعلاقاتها مع شركات إعلامية عالمية، لنشر الشائعة بين المصريين، من خلال نشرها كتقرير صحفى أو خبر موثوق، لافتًا إلى أن منصات معروفة مثل «مكملين» و«الشرق» تروج هذه الشائعات على أنها أخبار حقيقية، ما يجعل المتلقى يتلقاها على أنها معلومة صادرة عن مصدر موثوق، حتى وإن كانت فى الواقع جزءًا من حملة تضليل منظمة.
وشدد على ضرورة تكثيف الوعى بين أفراد المجتمع بكيفية التمييز بين الأخبار الصحيحة والشائعات، مشيرًا إلى أهمية دور الإعلام فى مواجهة هذه الظاهرة، من خلال كشف الأكاذيب المروجة، مع ضرورة تضمين هذه المهارات فى المناهج التعليمية، لتعزيز قدرة الشباب على التفكير النقدى، وفهم خطورة الشائعات على الأمن الاجتماعى والسياسى.
السجن 5 سنوات عقوبة مروجى الشائعات
تنص مواد قانون العقوبات على عقوبات مشددة ضد نشر الشائعات والأخبار الكاذبة التى تضر بالمجتمع. ووفقًا للمادة ٨٠ «د» يعاقب بالحبس من ٦ أشهر إلى ٥ سنوات، وبغرامة تتراوح بين ١٠٠ و٥٠٠ جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من نشر عمدًا شائعات كاذبة تؤثر على سمعة الدولة أو مصالحها القومية. وتزداد العقوبة فى زمن الحرب لتصل إلى السجن.
وتنص المادة ١٠٢ مكرر على معاقبة كل من نشر أخبارًا كاذبة تضر بالأمن العام أو تثير الرعب بين الناس بالحبس، وغرامة تتراوح بين ٥٠ و٢٠٠ جنيه، على أن تزيد العقوبة إلى السجن وغرامة من ١٠٠ إلى ٥٠٠ جنيه فى زمن الحرب.
وتعاقب المادة ١٨٨ ناشرى الأخبار الكاذبة أو المزورة بغرامة تتراوح بين ٥ آلاف و٢٠ ألف جنيه، أو الحبس لمدة لا تتجاوز سنة، إذا كان من شأن ذلك تكدير السِلم العام أو إثارة الفزع.
الحكومة: زادت أكثر
زيادة انتشار الشائعات أكثر من ضعفين، خلال الفترة من ٢٠٢٠ إلى ٢٠٢٣، مقارنة بالفترة من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٩. وأوضح المركز الإعلامى، أن غالبية هذه الشائعات تعلقت بالأزمة الاقتصادية، من خلال تداول معلومات مغلوطة حول قطاعات اقتصادية مختلفة، من بينها «اعتزام الحكومة استقطاع جزء من تحويلات المصريين فى الخارج»، و«حظر استيراد بعض السلع»، إضافة إلى مزاعم حول «بيع شركة مصر للطيران»، و«تعثر سداد مدفوعات واردات القمح». وفى قطاع التموين، تم تداول شائعات حول «عجز منظومة توريد القمح المحلى»، و«الإفراج عن منتجات غذائية منتهية الصلاحية»، و«رفع سعر رغيف الخبز المدعم»، فضلًا عن أخبار بشأن «إلغاء الدعم العينى».
وفيما يخص الحماية الاجتماعية، انتشرت شائعات عن «تقليص مخصصات المعاشات»، و«تخفيض مستحقات برنامجى تكافل وكرامة»، و«استحداث شروط جديدة للبرنامج» و«تحديث بيانات العمالة غير المنتظمة لصرف منحة جديدة»، و«مد فترة توفيق أوضاع الجمعيات الأهلية».