تعتبر سرقة الكهرباء من المشكلات التي تؤثر على الاقتصاد المصري بشكل كبير، حيث تضر بالقطاع الكهربائي وتؤدي إلى خسائر مالية ضخمة، ومنذ سنوات، عُرفت طرق عديدة لسرقة الكهرباء، بعضها كان بسيطًا وكان يتم باستخدام أدوات منزلية تقليدية، بينما ظهرت أساليب متطورة تستفيد من التكنولوجيا الحديثة.
نستعرض في هذا التقرير كيف تطورت حيل سرقة الكهرباء في مصر، ابتداءً من أساليب بدائية مثل "كيس الملح" وصولًا إلى استخدام التقنيات الحديثة مثل "الريموت كنترول"، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمواجهة هذه الظاهرة.
حيلة “كيس الملح”: بداية السرقة الكهربائية التقليدية
في الماضي، كانت أساليب سرقة الكهرباء تعتمد بشكل رئيسي على طرق بسيطة وسهلة التنفيذ، أحد أشهر هذه الأساليب كان ما يُعرف بحيلة "كيس الملح"، حيث كان يتم وضع كيس من الملح أعلى العداد الكهربائي، مما يؤدي إلى الضغط على العداد وتقليل عدد الدورات التي يسجلها، وبالتالي يخفض من الاستهلاك المسجل، واعتقد المتلاعبون أن هذه الطريقة تساهم في تقليل قيمة الفاتورة الشهرية، ولكن في الواقع، فهذه الحيلة لم تؤثر على استهلاك الكهرباء الفعلي، بل كانت تلاعبًا في قراءات العداد فقط.
ومع مرور الوقت، تطورت أساليب سرقة الكهرباء بشكل ملحوظ، حيث ظهرت طرق أكثر تعقيدًا باستخدام الأجهزة الإلكترونية والدوائر المتقدمة، بين أبرز هذه الأساليب كان التلاعب بالعدادات مسبقة الدفع، تلك العدادات التي تمثل الحل التقني الأحدث في مجال استهلاك الكهرباء حيث أصبحت هدفًا رئيسيًا للتلاعب.
إذ لجأ استطاع بعض المتسللين اختراق هذه العدادات باستخدام تقنيات متطورة تمكنهم من قطع الكهرباء عن العداد دون انقطاع التيار عن المنزل، مما يتيح لهم الاستفادة من الكهرباء دون أن يتم احتساب استهلاكهم بشكل صحيح، وفي بعض الحالات، يتم تركيب دوائر إلكترونية تسمح بفصل الجهد عن العداد من خلال جهاز "ريموت كنترول" بحيث لا تظهر أي قراءة صحيحة للاستهلاك.
"الريموت كنترول" بداية الأساليب المتطورة
بات استخدام "الريموت كنترول" للتحكم في العداد الكهربائي، تقنية جديدة للسرقة، ولكنها تحتاج إلى تركيب جهاز إلكتروني في العداد مسبق الدفع يسمح بقطع الاتصال مع شبكة الكهرباء باستخدام جهاز تحكم عن بُعد، ومن خلال هذه الطريقة، يستطيع السارق فصل التيار عن العداد أو إعادة توصيله دون أن يُسجل العداد أي استهلاك، مما يُمكنه من التلاعب في قراءات الاستهلاك ويجعل من الصعب اكتشاف السرقة.
وقد أظهرت التقارير أن هذه الطريقة أصبحت شائعة بشكل خاص في المناطق الحضرية، حيث يتم تركيب الدوائر الإلكترونية المعقدة في العدادات لتسهيل عمليات التلاعب.
التلاعب بالعدادات التقليدية باستخدام الأدوات الإلكترونية
وإلى جانب "الريموت كنترول"، ظهرت بعض الأساليب الأخرى التي تتضمن فتح العداد من الداخل وتعديل مكوناته الإلكترونية، مثل إضافة مقاومات لتقليل الاستهلاك الظاهري أو إتلاف بعض الأجزاء داخل العداد، وفي بعض الحالات، يقوم السارقون بتركيب سكينة كهرباء داخل المنزل لمد وصلات غير قانونية بين العداد والشبكة، وبالتالي توفير الكهرباء دون حساب الاستهلاك الفعلي.
تأثير سرقة الكهرباء على الاقتصاد المصري
في تقرير صادر عن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر، تم الإشارة إلى أن خسائر القطاع بسبب سرقة الكهرباء تتراوح بين 2 إلى 4 مليارات جنيه سنويًا، وتعتبر هذه الأرقام مؤشرا على حجم المشكلة، حيث تؤدي سرقة الكهرباء إلى تقليل الإيرادات المقررة لشركات الكهرباء، وبالتالي تتضرر الدولة بشكل مباشر من هذه الأنشطة غير المشروعة.
كما تؤدي سرقة الكهرباء إلى تفاقم أزمة الطاقة في البلاد، حيث تتزايد حاجة مصر إلى توفير الكهرباء بشكل مستمر، وذلك في ظل الطلب المرتفع على الكهرباء، لتأتي سرقة التيار الكهربائي مزيدة من الأعباء على الحكومة التي تضطر إلى مواجهة هذه الخسائر الكبيرة.
الإجراءات القانونية والتدابير الحكومية لمكافحة سرقة الكهرباء
وفي ظل ذلك تسعى الحكومة المصرية إلى الحد من ظاهرة سرقة الكهرباء من خلال تشديد العقوبات على السارقين وتطوير أنظمة المراقبة والتحكم في العدادات، ويشمل ذلك:
- تعديل قانون الكهرباء
إذ أنه في إطار جهود الحكومة لمكافحة سرقة الكهرباء، تم تعديل قانون الكهرباء المصري في عام 2015، حيث نصت المادة 71 على معاقبة كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، بالإضافة إلى غرامة تتراوح من 10 آلاف جنيه إلى 100 ألف جنيه، وفي حالة العودة، تُضاعف العقوبة لتصل إلى الحبس لمدة سنة وغرامة تتراوح من 20 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه.
- تعزيز الرقابة والتكنولوجيا
يتم الآن استخدام تقنيات متقدمة مثل العدادات الرقمية والمسبقة الدفع التي يصعب التلاعب بها، والتي تسمح بتسجيل استهلاك الطاقة بدقة أكبر، كما تقوم شركات توزيع الكهرباء بتركيب أنظمة مراقبة دقيقة للكشف عن أي محاولات لسرقة الكهرباء من خلال تحركات غير قانونية.
- حملات التوعية
تشرف وزارة الكهرباء على حملات توعية تهدف إلى توعية المواطنين بخطورة سرقة الكهرباء وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، فضلًا عن تبعاتها القانونية، وتستهدف هذه الحملات رفع الوعي العام حول أهمية الاستخدام الآمن والمشروع للطاقة.
- الاستراتيجيات المستقبلية لمكافحة السرقة
تتضمن الاستراتيجيات المستقبلية لمكافحة سرقة الكهرباء عدة محاور، أبرزها:
تحسين أنظمة العدادات: التحول إلى العدادات الذكية التي يمكنها مراقبة استهلاك الكهرباء في الوقت الفعلي وإرسال تقارير لحظية، مما يسهل اكتشاف أي تلاعب.
تقوية الرقابة الأمنية: تفعيل التعاون بين إدارة شرطة الكهرباء والشركات الموزعة للكهرباء للكشف السريع عن أي محاولات سرقة في المناطق المختلفة.
التشجيع على دفع فواتير الكهرباء: تقديم حوافز للمواطنين الذين يلتزمون بسداد فواتيرهم في الوقت المحدد لتشجيع استخدام الكهرباء بشكل قانوني ومنظم.