ملامح تنسيق روسي تركي في ليبيا.. هل بدأ تحميل النموذج السوري؟ (تحليل)

مصر العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

استدعت الخطوات الأخيرة لروسيا في ليبيا استنفارا أمريكيا وأوروبيا، حيث يمثل الثقل الروسي المتوقع هناك أزمة استراتيجية كبرى لدى أوروبا تحديدا، باعتبار جنوب المتوسط فناء خلفيا استراتيجيا لها، لكن من تحركت بفعالية لمواجهة الأمر كانت الولايات المتحدة.

 

وفي نفس الوقت، هناك عنصر آخر يستدعي تضاعف القلق لدى الأوروبيين والأمريكيين، وهو التواجد التركي في ليبيا، وبدايات الحديث عن احتمالية وجود تنسيق ثنائي في المستقبل القريب بين أنقرة وموسكو في الميدان الليبي، مما ينذر بتحويل ليبيا إلى نموذج لسوريا جديدة، وهو ما حذرت منه عدة أطراف أوروبية مؤخرا، وكشرت فرنسا – تحديدا – عن بعض أنيابها حياله.

 

وإزاء هذه الخطوات بدأت تونس الاتفاق مع الولايات المتحدة على التعاون لضمان الأمن الإقليمي ومواجهة التصعيد على الأرض ردا على النشاط العسكري المكثف لموسكو.

 

وقال الجنرال "ستيفين ج. تاونسند"، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، لوزير الدفاع التونسي "عماد الحزقي" خلال مكالمة هاتفية في 28 مايو الماضي، إنه مستعد لنشر قوات أمريكية في تونس، مشيرًا إلى مخاوف بشأن أنشطة روسيا في ليبيا.

 

وفي 26 مايو، أفادت "أفريكوم" أن روسيا أرسلت طائرات مقاتلة إلى قواعد جوية تسيطر عليها القوات الجوية لـ"حفتر".

 

وقال ممثلو "أفريكوم" إن روسيا أرسلت ما يصل إلى 14 مقاتلة من طراز "ميج-29" و"سو-24" إلى ليبيا.

 

طائرات روسية

 

وبالرغم من أن روسيا كان لها علاقة بالإمدادات لليبيا بلا شك، لكنه لم يعد من الممكن اعتبار الطائرات المعنية روسية، حيث تم تسليمها إلى قوات "حفتر" الجوية وهي الآن تابعة لها.

 

لذلك، يمكن أن يكون الأمر مقتصرًا على مجرد انتهاك روسيا لحظر الأسلحة وليس نشرًا عسكريًا في ليبيا، ونتيجة لذلك، يمكن لأنظمة الدفاع الجوي التركية المنتشرة في ليبيا أن تدمر هذه المقاتلات دون التسبب في مواجهة مباشرة مع روسيا، ولهذا تقلل أنظمة الصواريخ "هوك" التركية في القواعد العسكرية الليبية والفرقاطات من الفئة G (فئة أوليفر هازارد بيري سابقًا) المزودة بصواريخ قياسية مضادة للطائرات قبالة الساحل الليبي بشكل كبير من إمكانية استخدام هذه الطائرات.

 

يجب أن نضع في الاعتبار أن "ميج-29" هي أولاً وقبل كل شيء مقاتلة اعتراضية بقدرات قتالية محدودة للغاية يمكن فقط أن تهدد الطائرات المسيرة التركية التي تحلق فوق مواقع قوات "حفتر".

 

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن استبعاد أن الطائرات أرسلت إلى ليبيا من ترسانات القوات الجوية لرئيس النظام السوري "بشار الأسد" وليس من روسيا.

 

فقد أفادت الأنباء أنه جرى التفاوض على إرسال دفعة من طائرات "ميج-29" إلى سوريا في أبريل الماضي، وسلمت روسيا مجموعة من طائرات "ميج-29" المتطورة إلى القوات الجوية السورية في 30 مايو الماضي، في قاعدة "حميميم" الجوية الروسية.

 

ربما استقبلت سوريا هذه المجموعة من المقاتلات مقابل التي أرسلتها لـ"حفتر"، وهكذا تحاول روسيا استخدام سوريا لحماية نفسها من العقوبات المحتملة لتعاملها مع "حفتر".

 

مزيد من المرتزقة

 

أوردت بعض التقارير أن السوريين والفلسطينيين المقيمين في سوريا أصبحوا يُجنَّدون بشكل متزايد للمشاركة في العمليات العسكرية في ليبيا إلى جانب الجيش الوطني الليبي.

 

وعلى وجه التحديد، فإن ميليشيا "لواء القدس" الفلسطينية الموالية لـ"الأسد" مستعدة للانتشار في ليبيا، ويبدو أن المقاتلين سيكونون قادرين على استبدال المرتزقة الروس.

 

تشير الخطة إلى نوايا روسيا لإخفاء دورها المؤيد لـ"حفتر" وتوكيل هذه المهمة للنظام السوري، وتجد مثل هذه التكتيكات صدى لدى الإمارات -الراعي الرئيسي لـ"حفتر"- حيث تقوم أيضًا بترميم العلاقات مع سوريا اليائسة اقتصاديًا، وقد تمد أبوظبي يد المساعدة المالية لدمشق.

 

ويرى "كيريل سيمينوف"، المحلل المستقل في الشؤون السياسية والعسكرية الشرق أوسطية والخبير غير المقيم بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أنه بالرغم من تورط روسيا في تجنيد السوريين وتزويد "حفتر" بالطائرات، فإنها لا تسعى لتغيير مسار الحرب.

 

وعلاوة على ذلك، فليس من المفترض أن تسمح الإجراءات المتخذة حديثا لقوات "حفتر" بشن هجوم على طرابلس، وإنما اتخذت لضمان استمرار الفعالية القتالية للجيش وسط الانتكاسات العسكرية، لمنع انهيار الجبهة وكبح تقدم حكومة الوفاق والقوات التركية.

 

ويتسق ذلك مع خطة موسكو لسحب الدعم السياسي لـ"حفتر"، الذي يشكل عائقا رئيسيا لعملية السلام التي انطلقت في مؤتمر برلين بشأن ليبيا.

 

وبغض النظر عن رغبتها في مشاركة طبرق وطرابلس في محادثات مباشرة، تسعى روسيا إلى الترويج لخطة السلام لرئيس مجلس النواب "عقيلة صالح"، والتي أعدها خبراء روس.

 

تركيا تسعى للتنسيق

 

تدرك أنقرة بدورها أنها لن تتمكن من أن تكون اليد العليا على قوات "حفتر" الليبي طالما استمر الدعم الروسي لها.

 

وبالتالي، كان على موسكو وأنقرة أن تتفقا على ضرورة إعادة إحياء عملية السلام في برلين التي بدأت في يناير 2019، ولكن بشروطهما، التي ستضمن دورًا رائدًا لروسيا وتركيا في التسوية الليبية.

 

وفي اتصال هاتفي بين قادة البلدين في 18 مايو الماضي، أبرز كل من "بوتين" و"أردوغان"، الحاجة إلى الاستئناف السريع لهدنة غير محددة المدة والحوار بين الليبيين بناءً على قرارات مؤتمر برلين الدولي.

 

بعد فترة وجيزة من البيان، انسحب المرتزقة الروس من الخط الأمامي القريب من طرابلس، مع مغادرة قوات مجموعة "فاجنر" ترهونة إلى بني وليد والجفرة.

 

يمكن أن تجعل هذه الخطوة "حفتر" أكثر تقبلا لمبادرات السلام، بعد أن جردته من الدعم وأظهرت عدم جدوى محاولات أخرى للاستيلاء على طرابلس، ومع عدم وجود دعم عسكري روسي؛ اضطرت قوات "حفتر" إلى الانسحاب من العديد من النقاط الرئيسية بالقرب من العاصمة.

 

من المحتمل أن موسكو فعلت ذلك جزئيًا لتلبية مطالب رئيس حكومة الوفاق "فايز سراج"، الذي ربط موافقته على وقف إطلاق النار والمحادثات مع الطرف المعارض بعودة قوات "حفتر" إلى خط انطلاقه، وذلك في مفاوضات موسكو في يناير الماضي.

 

وفاق تكتيكي

 

وكما نقلت "المونيتور" عن "جليل حرشاوي"، الزميل الباحث في وحدة أبحاث النزاعات التي يوجد مقرها في لاهاي بمعهد كلينجينديل، فإن "انسحاب المرتزقة الروس يعكس وفاقًا تكتيكيا بين موسكو وأنقرة، حيث سحبت مجموعة فاجنر مساهمتها في هجوم حفتر في جنوب طرابلس، وفي الوقت نفسه، عززت الدفاع عن الجفرة وسرت".

 

لا شك أن الدول الأخرى المشاركة في أزمة ليبيا غير مرتاحة للخطوات التي اتخذتها روسيا وتركيا، فبالإضافة إلى الولايات المتحدة؛ ستحاول الأطراف الأخرى المعنية منع الوصاية الروسية التركية على عملية السلام.

 

ولم تنضم روسيا إلى تحالف مناهض لتركيا أعلنته مصر يضم اليونان وقبرص والإمارات وفرنسا لمواجهة التحركات التركية في ليبيا وشرق المتوسط.

 

قد يكون لروسيا اهتمام مشترك آخر مع تركيا في المنطقة، حيث يمكن أن يعيق تنفيذ الاتفاق التركي - الليبي بشأن الحدود البحرية بناء خطوط أنابيب الغاز بين مصر وقبرص وإسرائيل إلى أوروبا، وهكذا سيكون لدى روسيا عدد أقل من المنافسين في الغاز الذي تزوده إلى الاتحاد الأوروبي عبر تركيا.

0 تعليق