اتفق محللون ومراقبون للشأن الأمريكي على صعوبة توقع تصرفات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، خصوصًا أن الرجل اكتفى بالتصريحات الإعلامية خلال حملته الانتخابية حول اتجاهه لوقف الحروب والانكفاء على بلاده لتحقيق الرفاهية للشعب الأمريكية عبر استخدام شعار أمريكا أولا.
واختلفت رؤى الخبراء والمحللين حول السياسة التي سينتهجها الرئيس الأمريكي المنتخب تجاه قضايا الشرق الأوسط وملف النووي الإيراني، وكذلك الصراع الروسي الأوكراني الذي قارب على إتمام عامه الثالث.
وقال د.طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن ترامب سيتعامل وفق مقاربة العرض والطلب، وحسابات المكسب والخسارة، والنفقة والتكلفة والعائد، وليس لديه تصور أو رؤية حتى الآن للتعامل مع أزمات وملفات الشرق الأوسط.
أضاف فهمي لـ"الدستور": "علينا أن نميز بين التصريحات التي أطقلها ترامب خلال الحملة الانتخابية وبين ما سيقره بعد ذلك، ولا يوجد تحت أيدينا وثيقة أو ورقة أو تصور للتعامل باستثناء التصريحات بوقف إطلاق النار أو غيره، دون أصول لما يمكن أن يطرح أو يتم بصورة أو بأخرى.
الحرب الروسية الأوكرانية
تابع "الحرب الروسية الأوكرانية معقدة للغاية وهناك تفاصيل كثيرة متعلقة بحلف الناتو وكذلك روسيا والصين، وعديد الدول التي دخلت على الخط بمبادرات، لكن وقف إطلاق النار سواء في أوكرانيا أو غزة لن يخدم أحدا بقدر ما يخدم تكريس استراتيجية الاحتلال سواء بالنسبة لروسيا أو لإسرائيل.
وفيما يتعلق الملف النووي الإيراني، يرى فهمي أن ترامب ربما سيتفاوض على أرضية جديدة في هذا الإطار، وعلى أساس المستجدات، وسط مخاوف الأمريكان والإسرائيليين من فكرة وصول إيران للعتبة النووية، لذلك يفضل أن يكون لكل حادث حديث في هذا السياق.
واستبعد فهمي احتمالية نشوب حرب كبرى بين الصين والولايات المتحدة في هذا التوقيت، قائلا إن الحرب تجارية، وهناك تكامل في الاقتصاد الصيني والأمريكي، واتفاق في أشياء كثيرة جدا، لكن إيران وروسيا مع الصين يشكلون محورا مزعجا لواشنطن.
واختتم تصريحاته بالقول: لا أتوقع سيناريو المواجهات، ولكن تصويب مسار لبعض الاتفاقيات ومراجعة السياسيات المالية والنقدية والضرائب وأنظمة الحماية مع الصين التي تترقب المشهد بصورة أو بأخرى.
أصدقاء وأعداء ترامب
من ناحيته، قال الأستاذ بكلية الدفاع الوطني بالإمارات د.البدر الشاطري إن ترامب استطاع أن ينتزع فوز ثمينا في الانتخابات الأخيرة. ولا يخص هذا الانتخابات الرئاسية فحسب، بل أيضا الانتخابات التشريعية حيث يبدو أن حزبه سيسطر على المجلسين التشريعين. كما أن المحكمة العليا في يد القضاة المحافظين والمنحازين لتوجه بشكل عام. وبذلك يصبح الرئيس المنتخب أقرب لرئيس مطلق له صلاحيات كبيرة.
أضاف الشاطري لـ"الدستور"، أنه بالنسبة للشرق الأوسط وبسبب هذه الصلاحيات الكبيرة ستعكس سياسات ترامب نظرته للمنطقة؛ فالرجل يقسم المنطقة إلى أعداء وأصدقاء.
وأوضح الشاطري أن ترامب يعتبر الأعداء هم دول مثل سوريا وإيران وبعض القوى مثل حزب الله وحماس. وقوى صديقة مثل دول الخليج ومصر والمغرب وإسرائيل. والأخيرة لها ما تريد حتى ترضى وما بعد الرضاء.
نوه بأن ترامب ينظر لبقية الدول الصديقة على أن صداقتها مرهونة بقدر ما تقدم له من منافع يستطيع أن يتباهى بها عند قواعده الانتخابية. حيث يرى ترامب كما أشار أكثر من مرة أن الدول الغنية بالنفط عليها أن تدفع ثمن الدعم الأمني التي تقدمه الولايات المتحدة، ما يمكن وصفه بأن السياسة الخارجية بالنسبة للرئيس ترامب هي مقايضة.
وحول تصريحات ترامب حول قدرته على وقف الحرب الروسية الأوكرانية في 24 ساعة، قال الشاطري، إن الرئيس الجمهوري يجنح إلى المبالغة، وعلينا ألا نأخذ تصريحاته حرفيا. والمقصود من أول يوم هو صيغة مبالغة تعني بصفة عاجلة.
واستطرد: أعتقد أن الرئيس بوتين سيكون متقبلا أكثر لمقترحات ترامب لإيجاد صيغة سلمية. لأنه في مازق ويبحث عن مخرج من هذه الحرب المكلفة اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا لروسيا. وقد ضاق الروس ذرعا باستمرار الحرب حتى أن هناك إشاعات باستيراد جنود محاربين من كوريا الشمالية.
إنجازات الميدان
وقال أستاذ علم الاجتماع بالجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي، إن معظم التحليلات من أوساط مختلفة لا تستطيع حتى الآن التنبؤ بسلوك ترامب وتحديد استراتيجيته تجاه الشرق الأوسط، وأهم حدثين يشغلان منطقة الشرق الأوسط ما يجري في غزة وما يجري في لبنان.
أضاف عتريسي لـ"الدستور": "غير واضح إذا كان ترامب سيلجأ إلى فرض وقف إطلاق النار في غزة ولبنان فإذا حصل ذلك، فهل سيقبل بخسارة إسرائيل في الجبهتين؟ لأن وقف إطلاق النار بدون إعلان انتصار يعتبر هزيمة لإسرائيل ونتنياهو، أم أنه سيبحث عن تفاهم إقليمي مع إيران وروسيا ووضع أسس لسلام دائم في المنطقة.
ونوه عتريسي بأن ترامب في فترته الأولى كان من التطرف بحيث ضم الجولان لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس، لكن في ولايته النهائية ليس مضطرا إلى مراعاة إسرائيل أو يهود الداخل، خصوصا أنه صاحب نظرية أمريكا أولا والاقتصاد أولا، وأنه لا يريد التورط في الحروب ودفع الأموال لدعم أي سلطة خارج الولايات المتحدة.
وأشار الأكاديمي اللبناني إلى أن الذي سيرغم ترامب على سياسات معينة ليس قراره فقط، لكن ما يجري في الميدان... بايدن قدم كل شيء لإسرائيل لكن نتنياهو لم يتمكن من إعلان الانتصار في لبنان أو غزة، ولم يتمكن من احتلال أي قرية في جنوب لبنان، وإذا ذهب ترامب للتسوية فإن إنجازات الميدان هي التي ستكون قد فرضت عليه سلوك هذا الاتجاه.
الانشغال بالداخل الأمريكي
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا، د.محمد خليفة صديق، إن ترامب أطلق الكثير من الوعود الانتخابية حول سياسته الخارجية، ومن المتوقع أن يحاول تحقيق بعضها، لكن الأولوية ستكون للداخل الأمريكي، ولن ينشغل كثيرا بقضايا العالم إلا ربما ما يتعلق بأوروبا والحرب والأوكرانية، لكن بالنسبة للشرق الأوسط ربما نسمع عن صفقة القرن من جديد بشكل مختلف.
واستبعد صديق حديثه لـ"الدستور"، أن ترامب سوف يخوض حربا مع الصين، لكنه سيكتفي بمواصلة الضغوط عليها عبر الضرائب وغيرها، وحينما فرضها في السابق حصد مليارات الدولارات، ومن المتوقع أن يواصل في نفس السياسة لأن الانخراط في حروب جديدة مستبعد تماما في ولايته الثانية.
وشدد الأكاديمي السوداني على أن ترامب سيعود قويا، وربما يواصل الضغط على القارة الأوروبية لتحمي نفسها، ولن يتورط في موضوع حل سريع للإشكال في أوكرانيا، فالرجل لا يريد التورط في أي صراع أو إشكال أو احتكاك مع روسيا التي تربطه برئيسها علاقات طيبة.