الثلاثاء 12/نوفمبر/2024 - 03:57 م 11/12/2024 3:57:11 PM
أكدت الدراسات العلمية التي قدمها المتخصصين في علم الاجتماع على مدار الـ٥٠ عاما الماضية أن البشرية دائما تحتاج إلي التحول من النزعة الفردية إلي التواجد في مجتمعات بها خصائص اجتماعية متنوعة بهدف الوصول إلي الأندماج، وبرغم صعوبة تحقيق هذا الأمر وقلة فرص نجاحه نتيجة الاختلافات الكبيرة في المجتمعات سواء كانت على مستوى الدين أو اللون أو العرق أو الانتماء السياسي أو ضعف منظومة التعليم والثقافة والقيم والمبادئ إلا أن البشر خاصة في المجتمعات العربية لا يتوقفوا عن محاولة الأندماج والدخول في الدوائر الاجتماعية المتاحة، ولكن نتيجة للتدهور الواضح في القيم الإنسانية والأخلاقية التي شهدت تراجع واضح أصبح حالة الاندماج المجتمعي صعبة الحدوث خصوصا وأن هذا الأندماج دائما ما يكون مبني على رؤية خاصة بالفرد ومصلحته الشخصية هي الأساس في الإندماج الاجتماعي وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي الفشل في تكوين مجتمعات تجمع الفئات المختلفة في المجتمع تحت مظلة اجتماعية واحدة الهدف منها هو تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية وتكون النتيجة هي خلافات مستمرة بين الأفراد نتيجة لضعف القيم والمبادئ والفردية بالبراجماتية التي تميز الأفراد الذين يحاولون الاندماج في المجتمع ولكن من خلال رؤيتهم ومصلحتهم الشخصية ودون الألتزام بالمعايير والضوابط الأخلاقية التي تحكم هذه النوعية من العلاقات الإنسانية وتكون الفشل بطبيعة الحال هو النتيجة وهو الأمر الذي يعد في منتهي الخطورة لأنه يحوّل المجتمع إلي مجتمع فردي أحادي كل فرد يضع فيه قيمه الشخصية الخاصة به ولا يراعي القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية التي يجب أن تكون الحاكم في مثل هذه النوعية وإلا سوف يكون الفشل الاجتماعي هي النتيجة الوحيدة .
للنجاح في بناء حياة اجتماعية مميزة ومستقرة يستمد الفرد القيم والمبادئ من عدة مصادر مختلفة أهمها الدين والمناهج التاريخية كالفلسفة ويعد الدين هو أول مصدر تشريعي للقيم الإنسانية والاجتماعية النبيلة والهدف الرئيسي هو تحديد العلاقة بين الأفراد في المجتمع وتكون مبنية على قيم التسامح والتعايش واحترام الآخر والبعد عن العنصرية والتعصب هو مجموعة من المبادئ أقرها الدين وهي تعد رؤية واضحة وخارطة طريق لكيفية حدوث الإندماج المجتمعي وبدون هذه الضوابط لا يمكن أبدا نجاح فكرة الإندماج في المجتمعات العربية وكنتيجة واضحة لعدم اعتماد هذه القيم الإنسانية في بناء العلاقات الاجتماعية أصبحنا نشهد فشل كبير في بناء علاقات اجتماعية ناجحة أساسها هو التقارب الاجتماعي والتحول من مجتمع الفرد إلي مجتمع الجماعة وهو الأمر الذى حول الكثير من المجتمعات إلي مجتمعات تتميز بالفردية والأحادية والتنافسية والتنازع بين أفراده .
هناك عدة صفات هامة جدا يجب أن يتحلي بها الفرد حتي يصبح قادر على الاندماج في المجتمع أهمها التواضع والتسامح وإعلاء مصلحة الجماعة على الفرد مع أهمية عدم وجود أهداف خاصة للدخول في تجمعات لأن هذا الأمر يعد في منتهي الخطورة وهو سائد جدا في هذا التوقيت ويعد أحد أهم اسباب فشل الاندماج المجتمعي لأنه ينتهي مع زوال السبب كما يجب أن تشمل هذا التجمعات على أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية تفيد الأفراد وتجعل من هذه التجمعات قيمة يستفد منها الفرد وتقوي وترفع من المستوى الاجتماعي للفرد.
وجهة نظري من خلال متابعتي للعلاقات الاجتماعية والإنسانية في العديد من المجتمعات العربية أنه هناك تدهور واضح في منظومة القيم الإنسانية والأخلاقية أنعكست بالسلب على القيم المجتمعية نتيجة لإعلاء المصلحة الفردية، ونحتاج في هذا التوقيت التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية التي تعزز من قيمة الإندماج الاجتماعي حتي لا نصل إلي مرحلة خطيرة تتحول هذه المجتمعات إلي مجتمعات أحادية الغالب فيها هي المصلحة الفردية ويتحول في النهاية إلي مجتمع أحادي منقسم على نفسه يغلب عليه الطابع الفردي وهو الأمر الذي يعد في منتهي الخطورة على الأجيال القادمة التي سوف تتوارث ثقافة الانشقاق المجتمعي، أجيال سوف تفترسها التكنولوجيا المتقدمة ووسائل التواصل الإجتماعي والألعاب الإلكترونية لنصل في النهاية إلي مجموعة من الأفراد يعيشون في نطاق جغرافي واحد لا يربط بينهم أي قيم ورابط اجتماعية الأمر الذي سوف يؤدي إلي مزيد من عدم الاستقرار في المجتمع وبالتالي تقل أحترام فئاته بعضها لبعض مما يفتح الطريق أمام مجتمع عنيف يتميز بالفردية المطلقة.