توقع خبراء وسياسيون أمريكيون أن يتبع الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، سياسة جديدة فى الشرق الأوسط لإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، فى ظل كلفتها العالية واستنزافها الموارد الأمريكية.
وخلال حواراتهم مع «الدستور»، رأى فرانك مسمار، الخبير فى سياسة الشرق الأوسط، وأدريان كالاميل، الباحث فى قضايا الإرهاب، والدكتور إحسان الخطيب، عضو الحزب الجمهورى أستاذ العلوم السياسية بجامعة «مورى ستايت»- أن «ترامب» قد يمارس ضغوطًا على رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لوقف حرب غزة.
وأرجعوا ذلك إلى أن «ترامب» رجل صفقات فى المقام الأول ولا يفضل تدخل واشنطن فى الشأن الداخلى لأى دولة، كما أنه سيرغب بشدة فى إيقاف استنزاف موارد بلاده للإنفاق على تلك الحرب، كما أنه سيحاول تنفيذ وعوده التى طرحها فى برنامجه الانتخابى بإيقاف الحروب الجارية بما فيها الحرب الروسية الأوكرانية.
خبير فى سياسة الشرق الأوسط.. فرانك مسمار: «الرئيس المنتخب» يرعى خطة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين
■ هل توقعت فوز «ترامب» بهذا الفارق على «هاريس»؟
- كنت أتوقع ذلك لأن الاقتصاد هو تقليديًا القضية الأكثر أهمية التى تحدد تفضيلات الناخبين فى الولايات المتحدة، خاصة فى الانتخابات الرئاسية.
علاوة على ذلك، واجهت نائبة الرئيس كامالا هاريس تشكيكًا جديًا حول قدرتها على الفوز بالرئاسة بنفسها أو على أداء المنصب بشكل جيد، بالإضافة إلى ذلك، كان العديد من الديمقراطيين متشككين فى طبيعة دورها المحتمل فى المستقبل كرئيسة، ونتيجة لذلك وجدنا العديد من الديمقراطيين يغيرون ولاءهم التاريخى للحزب وينضمون إلى الحزب الجمهورى.
■ ما الأسباب التى أدت إلى فوز «ترامب»؟
- يهتم معظم الأمريكيين بالعوامل الداخلية التى كان أداء المنافس فيها سيئًا، من أول الحدود إلى الاقتصاد ثم التضخم، علاوة على ذلك ارتكب الديمقراطيون، منذ حملة «بايدن»، خطأ كبيرًا بالتركيز على شخصية الرئيس ترامب بدلًا من القضايا الحقيقية المثيرة للقلق. وبعد أن شعروا بالتوتر، ألقوا بثقلهم على موضوع الإجهاض؛ ولم يكن هذا فى حد ذاته كافيًا للفوز بالانتخابات، فالحرب المطولة بين روسيا وأوكرانيا والحرب بين إسرائيل و«حماس»، إلى جانب الانكماش الاقتصادى المستمر فى الولايات المتحدة، كلها قضايا كان يتفوق فيها «ترامب».
وكانت النقطة الحاسمة الأخرى هى أن الولايات التى تمثل ساحة المعركة فى الانتخابات الرئاسية قد عززت اللوائح المتعلقة بعمليات تحديد الهوية والتصويت عبر البريد.
على سبيل المثال، قررت ولاية جورجيا، وهى ولاية متأرجحة فى الانتخابات الرئاسية، عدم السماح بالتصويت عبر البريد، الذى يعالج جميع الإجراءات إلكترونيًا.
■ «ترامب» قال إنه لن يخوض الحروب لكنه سينهيها.. هل من الممكن أن يضغط على إسرائيل وينهى حرب غزة؟
- أحد الجوانب المهمة التى يجب وضعها فى الاعتبار هو أن «ترامب» يتجنب عادة التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى. ولفهم سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، يجب أن نتذكر كيف ترك «ترامب» منصبه فى يناير ٢٠٢١، ونتذكر التطورات التى حدثت خلال إدارته. فقد نجحت إدارته فى التوسط فى واحدة من أكثر الاتفاقيات صعوبة منذ اتفاقيات أوسلو فى التسعينيات، والتى سهلت تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين إسرائيل و٤ دول عربية. لكن لم يتبن هذا التطبيع إقامة الدولة الفلسطينية.
ومن المرجح أن يعمل الرئيس ترامب مع القيادة السعودية على إقامة الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، ستطرح إدارة ترامب خطة سلام أكثر جوهرية لفلسطين وإسرائيل بناءً على الخطة السابقة «السلام من أجل الرخاء».
■ ماذا عن موقفه من حرب لبنان؟
- سيتم التعامل مع فروع حزب الله وإيران فى الشرق الأوسط على نفس المستوى الذى يعامل به إيران، ومن المرجح أن تستمر إدارة «ترامب» الثانية فى نفس النهج القديم تجاه إيران، مع التركيز على العقوبات الاقتصادية والخطاب القوى والعمليات العسكرية أحيانًا. وأرى أن أى اتفاقات مستقبلية لوقف إطلاق النار ستتطلب من لبنان نزع سلاح جميع الفصائل المسلحة وإكمال السيطرة العسكرية على الحدود.
■ هل يجرى مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا أم يواصل طريق «بايدن»؟
- أعتقد أن هذه الحرب وصلت بالفعل إلى ذروتها، وكنت أتوقع اتفاق سلام برعاية الولايات المتحدة. وقد يعمل الرئيس ترامب على تسريع العملية من خلال خلق معيار للتفاهم واحترام التعقيدات الثقافية لتجنب الصراعات القائمة على الهويات الحضارية. ويتعين على التحالفات الناشئة فى المنطقة، سواء بقيادة الولايات المتحدة أو روسيا، أن تأخذ فى الاعتبار هذه التعقيدات لضمان الفاعلية على المدى الطويل وتجنب السياسات التى قد تثير الصراع بدلًا من حله.
■ ماذا عن الأوضاع الأمنية فى منطقة البحر الأحمر واليمن؟
- سيعمل الرئيس ترامب وفق الظروف التى قد تتطلب وجود الولايات المتحدة الجديدة فى إطار استراتيجى فى البحر الأحمر، وقد يسعى إلى احتواء انتشار صراعات الشرق الأوسط، والتغلب على الروابط البيروقراطية بين مكاتب إفريقيا والشرق الأوسط داخل الولايات المتحدة. وسيواجه الحوثيون نفس المتاعب التى يواجهها حزب الله، حيث سيتم دعم الحكومة اليمنية للتعامل معهم ونزع سلاحهم.
■ هل ينتهج «ترامب» سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط والدول العربية؟
- الرئيس ترامب رجل أعمال وسياسى، وقد شهدنا التزامه بوعوده فى مناسبات عديدة. وتعهد بتعزيز العلاقات الأمريكية وبناء شراكات جديدة سعيًا لتحقيق السلام.
كما وعد بأن أمريكا لن تسعى إلى فرض أسلوب حياتها على الآخرين، بل ستمد يديها بروح التعاون والثقة، وسينصب تركيزها على السلام والأمن والازدهار فى هذه المنطقة وفى العالم.
إحسان الخطيب: إحياء خطة «السلام الإبراهيمى»
قال الدكتور إحسان الخطيب، عضو الحزب الجمهورى أستاذ العلوم السياسية بجامعة «مورى ستايت»، إنه من المتوقع أن يضغط دونالد ترامب على إسرائيل لإنهاء الحرب، كما سيسعى لإنهاء الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ذلك أن هذه الحروب تكلف الاقتصاد الأمريكى مليارات الدولارات.
وأضاف أن أوكرانيا وإسرائيل تريدان الحرب لسنوات عديدة على حساب الشعب الأمريكى، وهو ما لا يريده ترامب، الذى سيضغط بشدة على نتنياهو لإنهاء الحرب. وأشار إلى أن «ترامب لديه خطة للسلام فى الشرق الأوسط وهى خطة السلام الإبراهيمى، والحرب الحالية مناقضة لهذه الرؤية».
وفيما يخص سياسته المتوقعة تجاه إيران، أكد أن «طهران» هى مفتاح الحل فى البحر الأحمر واليمن، وهى لا تحب «ترامب» لكن تحترمه، إذ أنه ردد من قبل أنه لا يريد حربًا مع إيران أو تغيير النظام، وهذا مهم لنظام الملالى.
وتابع: «لهذا سيتبع ترامب سياسة جديدة فى الشرق الأوسط، وهو شخصية قوية لا تقبل أن تعامل كشخصية هامشية مثل بايدن».
الباحث فى قضايا الإرهاب.. أدريان كالاميل: إزالة الحوثيين من رقعة الشطرنج بالقوة
■ كيف ترى فوز ترامب فى هذا السباق؟
- تمكن الرئيس دونالد ترامب وحزبه الجمهورى من حشد الناخبين، وكان الإقبال رائعًا، ورأينا مشاركة قوية من بعض التركيبات السكانية، بشكل غير متوقع.
فى المقابل، كان أداء كامالا هاريس أقل من المتوقع فى المقاطعات مقارنة بأرقام جو بايدن لعام ٢٠٢٠.
■ لماذا فاز ترامب بهذه السرعة؟
- تمكن «ترامب» من الفوز بسرعة كبيرة من خلال تأمين ولايات «حزام الصدأ»، مثل بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن، وهى مجتمعات تأثرت بالاقتصاد الضعيف والتضخم المرتفع.
كان التصويت المبكر أيضًا من أسباب تفوق «ترامب» السريع، فقد دفع الحزب الجمهورى مناصريه للتصويت مبكرًا هذا العام، ما جعل النتائج تتشكل بشكل أسرع لصالح الجمهوريين. فى نهاية المطاف، فاز «ترامب» لأنه شرح بوضوح سياساته الاقتصادية للناخبين، كما تحدث عن ملفات الهجرة ومعدلات الجريمة والسياسة الخارجية.
لا يتحقق الفوز فى الانتخابات الأمريكية من خلال شيطنة الخصم فقط.. وهذا خطأ كامالا هاريس، كانت بحاجة إلى توضيح رؤيتها أو الترشح على سجل «بايدن»، وهى لم تفعل أيًا من الأمرين.
■ هل سينجح «ترامب» فى إنهاء الحروب كما وعد؟
- من المهم أن ندرك أن «ترامب» لن يتولى منصبه قبل شهرين، لذا لا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يبدو عليه الوضع فى غزة أو لبنان بحلول ٢٠ يناير ٢٠٢٤.
عندما ننظر إلى غزة ولبنان وإسرائيل؛ يجب أن تكون جمهورية إيران الإسلامية فى المحادثة، خاصة فى ظل رئاسة «ترامب».
نحن نعلم أن الجمهورية الإسلامية هى التى تحرك الخيوط فى غزة ولبنان والعراق وسوريا واليمن، وقد شنت مؤخرًا هجومين جويين ضخمين ضد إسرائيل من الأراضى الإيرانية، وهو أمر لم يحدث قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
ولن يسمح ترامب للوكلاء الذين توجههم طهران بإطلاق النار على القوات الأمريكية دون عقاب.
■ كيف سيكون موقف ترامب بشأن حرب روسيا وأوكرانيا؟
- مسار «بايدن» غير واضح فى أوكرانيا، لأن الأهداف العسكرية الواضحة والتى يمكن تحقيقها لم يجر الإعلان عنها.
وعلى الرغم من أن الحديث كان يدور حول دعم «بايدن» الثابت لأوكرانيا، إلا أنه لم يكن كافيًا، وغالبًا ما كان ذلك بعد إصرار مستمر من الشركاء الأوروبيين وزيلينسكى.
عندما تحاول أوكرانيا شن هجوم مضاد لاستعادة الأراضى التى فقدتها قبل عقد من الزمن، كانت القوة النارية غائبة، وأعد الروس ساحة المعركة لتحقيق المكاسب.. هناك رواية عن الصداقة بين «ترامب» و«بوتين»، لكننى أعتقد أن هذه قراءة خاطئة تمامًا للوضع، وآمل أن أكون على صواب.
وسوف يسعى «ترامب» لكسب نفوذ هائل على «بوتين»، ويحتاج إلى هذا للحصول على نتيجة إيجابية لأوكرانيا فى حين يبعث برسالة إلى الزعيم الروسى.
منذ تفكك الاتحاد السوفيتى، واجه الجيش الروسى دائمًا مشكلة فى القوى البشرية، والتى أصبحت أكثر حدة بعد الخسائر الفادحة فى أوكرانيا مع دخول الجنود الكوريين الشماليين حاليًا إلى ساحة المعركة.
لقد خلقت ثلاث سنوات من الحرب والاشتباكات فى الشرق الأوسط مشكلة غير مسبوقة فى قوة النيران بالنسبة لروسيا، ويجب ممارسة الضغط باستخدام هاتين النقطتين المؤلمتين بالنسبة لـ«بوتين».
روسيا نفذت عمليات شراء واسعة النطاق للصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار الإيرانية، وتتحمل الأمم المتحدة مسئولية تطبيق القرار ١٧٤٧ الذى يغلق بشكل فعّال سوق الأسلحة فى طهران، ويجب على «ترامب» الضغط على المنظمة للامتثال للأحكام الدولية.
■ هناك أزمة فى البحر الأحمر.. كيف سيديرها «ترامب»؟
- ستلعب الولايات المتحدة دورًا نشطًا من خلال الإجراءات الحركية ضد الحوثيين فى اليمن، حتى لا يهددوا البحر الأحمر أو يغلقوا مضيق باب المندب.
وتتمتع البحرية الأمريكية بقوة نيران هائلة متمركزة فى المنطقة، لكنها ظلت تلعب دور الدفاع لأكثر من عام عندما اعترضت السفن الحربية الأمريكية صواريخ الحوثيين المتجهة إلى إسرائيل.
سيتخذ «ترامب» موقفًا عسكريًا عدوانيًا، وبدلًا من الدفاع سيهاجم الحوثيين فى اليمن. ولقد كان الحوثيون محظوظين حتى الآن فى هذا الصراع، فهم لا يشكلون التهديد المباشر لإسرائيل وقد نجوا إلى حد كبير من نار الجحيم، ولكن مع تدهور حماس وحزب الله، سيكونون القطعة التالية التى ستزال من رقعة الشطرنج.
■ هل ينتهج ترامب سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط والدول العربية؟
- «ترامب» سيعود لتطبيق رؤيته للشرق الأوسط، وهو أمر جيد للمنطقة، وسوف يحاول بناء تحالفات لعزل الجمهورية الإسلامية.
إن أحد أكبر الإخفاقات وأكثرها سذاجة فى دوائر السياسة الخارجية هو الاعتقاد بأن طهران ستنظم سلوكها إذا سمح لها «بالطريق السلمى» لتصبح قوة نووية مقترنة بإمكانية الوصول إلى مليارات الدولارات.
وبدلًا من ذلك، يقترب النظام من استخدام اليورانيوم عالى التخصيب كسلاح لصنع قنبلة، واستخدم الثروة النفطية من النفط غير الخاضع للعقوبات على مدى السنوات الأربع الماضية لشن حرب على إسرائيل.
إن إثراء طهران يؤدى مباشرة إلى تمويل وكلائها الذين تستخدمهم لشن الحرب وخلق عدم الاستقرار لغرض وحيد هو خلق الانقسام.
أخيرًا، حتى مع الحرب الناجمة عن هجمات ٧ أكتوبر الإرهابية، ما زلت أتوقع بذل جهد متجدد لإحياء المناقشات حول الاتفاقات الإبراهيمية.