السبت 09/نوفمبر/2024 - 11:52 ص 11/9/2024 11:52:58 AM
ونستمر في سرد تفاصيل عن مأساة سيول الصعيد التى وقعت يوم 2 نوفمبر عام 1994، وظل تأثيرها يضرب بالمجتمع المصري لسنوات،سيطر عليها الفساد وتخللها الإرهاب، وأختتم بثورة وحكم جماعة إرهابية.
وتوقفنا في الجزء الأول من هذا المقال عند تجهيز قافلة مساعدات تم تجهيزها بدعم حصلت عليه من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بموقف، وبمساهمات من شركات الأدوية وتجار شارع الأزهر وتم تجهيز القافلة بكميات من البطاطين والأدوية ومبلغ من المال تبقى معنا قبل السفر للأماكن المنكوبة.
قبل الذهاب للصعيد جمعنا معلومات عن القرى الكثر تضررا وحرمت من المساعدات، وكانت أعدادها بالمئات وكلها تقع على جانبي الهضبتين الشرقية والغربية، عدد منها على مساعدات سريعة قامت بها القوات المسلحة والشرطة بإمكاناتهم الكبيرة، كما حدث لقرية درنكة التى اشتعلت بها النيران نتيجة انفجار خزانات البترول.
فكانت وجهتنا أنا ومعي زملائي من جريدة الاحرار اليومية الزميلة ماجدة إبراهيم والزميل بهاء الجرف إبن محافظة اسيوط، وكانت وجهتنا منزلنا في مدينة أبوتيج حيث إتخذناه مقرا للقافلة ننطلق منه الى حيث القرى المنكوبة التابعة للمدينة أو القريبة منها في محافظة سوهاج، وسبق هذه الرحلة علاقة صداقة أسرية جمعت بينى وبين الزميل الكاتب الصحفي خالد صلاح سمحت بإستقبال شقيقتي لزوجته ماجدة ابراهيم في منزلها ضيفة خلال أيام الجولة التي إستمر ثلاث أيام، لتبدأ الجولة يوميا بشراء كميات من العيش المدعم من أفران مدينة أبوتيج فكان أصحاب المخابز أكثر سخائا في توفيره الى جانب شراء كميات من الأغذية الجافة من تجار الاغذية بالجملة وجميعهم اتسم بالشهامة وقدموا خصومات كبيرة لصالح المنكوبين .
وكانت وجهتنا يوميا لإحدى القرى المنكوبة بعد إستئجار سيارة ربع نقل وإختيار منزل لم تجرفة السيول، فالقليل منها بقى سليما وهى المنازل البعيدة عن مجري السيل أو ممن تم بنائها بالمسلح والطوب الأحمر فقاومت قوة السيل وبقيت، بينما ضاعت معالم معظم القرى بعد جرف مياة السيل للمنازل المبنية بالطوب اللبن أو التي كانت تقع على مجري السيول وأسفل الجبال.
في الغالب حافظت بيوت الأعيان والعمد على بقاءها فكان إختيارنا لإحداها والكل كان يرحب القافلة ، وفي معظم الزيارات كان يصادفنا تواجد أطباء متطوعين كانوا يساعدونا في صرف الأدوية المناسبة للمرضى الى جانب الإستعانة بشباب القرية كمتطوعين لتنظيم عمليات التوزيع التي تشمل البطاطين والأغذية والأدوية .
كانت عملية التوزيع شاقة وخطرة مع تكالب الأهالي والمنكوبين على القافلة في محاولات للحصول على البطاطين والأغذية لقلة ما لديهم، واحتياجهم للستر وسط برك مياة وسقيع .
وعلى مدى ثلاث أيام زورنا عدد من القرى بين محافظتى سوهاج وأسيوط إنتهت في قرية البلايزة التابعة لمركز ابوتيج ناحية الهضبة الغربية حيث إستقبلنا في منزله قريب لي هو الاستاذ جمال عبد الحافظ، ونظم لنا عمليات التوزيع من داخل شرفة مطله على الشارع وكان اليوم الأكثر تنظيما، حتى جاءنا خبر سقوط حائط على شقيقه ومات في الحال، واصر أهل المنزل على إستكمال اليوم كما هو وكأن شيئا لم يكن، حرصا على عدم حرمان الناس من احتياجاتهم.
الخلاصة إن الحدث بحجمه وضخامته وإرتفاع أعداد المتضررين من قتلى ومشردين بطول محافظتى أسيوط وسوهاج، لم يشفع للأجهزة المحلية وقتها في التخلي عند فسادها، فانتشرت أسواق بيع سلع الإعانات من بطاطين وخيام واغذية برخص التراب على الارصفه، والنتيجة فراغ في الشارع وإستغلال من قوى الشر للشباب والنتيجة الأسوأ إنتشار سريع لأعداد المتطرفين والمنحرفين والارهابين. ومن هنا تبرز قيمة وأهمية ما يتم تنفيذه في الوقت الحالي من مشروعات لتطوير القرى والنهوض بها في مقدمتها مبادرة حياة كريمة وتكافل وكرامة ومشروع تبطين الترع وغيرها من دعم للمشروعات الصغيرة التي تشكل في مجملها دور أساسي للدولة ظل شاغرا لسنوات عجاف.