رأى الدكتور محمد عبدالدايم الجندى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أنه لا يوجد ارتباط بين الإلحاد ورفض المؤسسات الدينية، معتبرًا أن الفكرة الأساسية للإلحاد قائمة على رفض الدين وأحكامه جملة وتفصيلًا.
وحذر «الجندى»، فى حواره مع «الدستور»، من أن شبابنا مُستهدفون من مواطن كثيرة، لذا تعمل المؤسسات الدينية بالتعاون مع عدة جهات أخرى على حمايتهم عبر تعزيز الإيمان، وتقديم إجابات عقلانية لهم، اعتمادًا على دراية عميقة بالعلوم الإنسانية.
واستعرض الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الخطوات التى اتخذتها المؤسسات الدينية على أرض الواقع لمواجهة انتشار الإلحاد والتطرف بين الشباب، سواء على منصات التواصل الاجتماعى، أو فى المدارس والجامعات والمساجد والكنائس وغيرها من تجمعات الشباب.
■ هل توجد أسباب رئيسية تدفع بعض الأفراد إلى الإلحاد فى المجتمعات الحديثة؟
- الإلحاد ليس انحرافًا فكريًا حادثًا فحسب، وإنما هو فكرة ضالة وُجدت فى الأزمنة المختلفة، وله العديد من الأسباب المؤدية له، مثل الانبهار بالحضارة المادية الغربية فى المجالات المختلفة، ما جعل بعض الشباب ينبهرون بما حلّ بها من تطور بكل إيجابياته وسلبياته، إلى جانب السطحية الفكرية وغياب الهدف لدى بعض الشباب.
من الأسباب أيضًا ظهور الحركات الاستشراقية التى تعتبر المصنع الرئيسى للشبهات والتشكيك بثوابت الدين الإسلامى، فضلًا عن غياب القدوة الصالحة فى الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، وغياب الوازع الإيمانى والمعرفة بالحلال والحرام.
غياب الوازع الدينى يتسبب فى وجود الانحراف والإلحاد وتغلب الشهوات للتخلص من التعاليم والضوابط التى جاءت فى الشريعة الإسلامية، فبعض الشباب يرون أن الدين يمنعهم منها، ويشكل حاجزًا بينهم وبين رغبتهم فى الاستمتاع بالحياة.
■ كيف يؤثر العلم والفلسفة على انتشار الأفكار الإلحادية؟
- بعض العلماء والفلاسفة قديمًا وحديثًا تبنوا العداء لكل ما هو دين سماوى، وألفوا كُتبًا فى الإلحاد ونقد الدين، مثل ریتشارد دوكینز وغيره الكثير من دعاة العلم والإلحاد فى آن واحد، لكن العلم الحقيقى هو الذى يصل بصاحبه لوجود الله عز وجل.
اعترف هؤلاء العلماء أنفسهم بوجود الله عز وجل، فمثلًا «دوكينز» نفسه، صاحب كتاب «وهم الإله»، هو رجل ملحد، لكن فى سياقاته التعبيرية أثبت وجود الله. وستيفن هوكينج قال بدقة الكون، ودقة الكون معناها أن هناك خالقًا وصانعًا لهذا الكون، هو الله سبحانه وتعالى، وغيرهما الكثير من المفكرين عندما طرحوا نظرياتهم، وأمعنوا الفكر وصلوا إلى الحقيقة.
■ هل هناك ارتباط بين الإلحاد ورفض المؤسسات الدينية أو أن الإلحاد ظاهرة فكرية بحتة؟
- ليس هناك ارتباط بين الإلحاد ورفض المؤسسات الدينية، لأن فكرته تقوم على رفض الدين وأحكامه جملة وتفصيلًا. لذا نتعاون مع الكنيسة و«بيت العائلة المصرية» للوصول إلى الشباب ومحاورتهم فى جميع محافظات الجمهورية، من خلال المبادرة التى أطلقناها «بالإنسان نبدأ».
■ كيف يمكن للمجتمع التعامل مع موجات الإلحاد دون مواجهات عنيفة؟
- نحتاج إلى العلاج والتحصين والوقاية من خطر الإلحاد، خاصة فى عالم الفضاء الإلكترونى الذى يتعامل بالعقل التقنى، لذا علينا أن نضع للعقل التقنى جُدرًا وحماية، مثل برامج الحماية من الفيروسات، فنحمى العقل البشرى من الفيروسات الفكرية
■ ما الدور الذى يمكن أن تلعبه المؤسسات الدينية فى تعزيز الإيمان؟
- ندرك أن شبابنا مستهدفون من مواطن كثيرة، ونحن مسئولون أمام الله عن هؤلاء الشباب. لذا نعمل على تعزيز الإيمان، وتقديم إجابات عقلانية للشباب، من خلال الدراية العميقة بالعلوم الإنسانية ومناهجها الحديثة كعلمى النفس والاجتماع والمناهج الجديدة، من أجل توظيفها فى صياغة خطاب دينى يصل بسهولة إلى الشباب.
نعمل كذلك على التحلى بروح متسامحة وعقل منفتح بعيدًا عن الجمود، وتشجيع النظر والتفكير والإبداع، والبُعد عن التعصب والجمود، ما يجعلنا قادرين على الثبات أمام موجات التشكيك المتوالية، والرد على الشبهات من خلال الحجة والبرهان.
■ كيف يمكن للمؤمنين والملحدين الوصول إلى نقاط تفاهم مشتركة فى قضايا مثل الأخلاق والمعانى الإنسانية؟
- غير ممكن، لأن الإلحاد يقوم على هدم أعلى قيمة ومثل فى حياة الإنسان، وهو الدين الذى يستمد من الإنسان قيمه فى قضايا الأخلاق والمعانى الإنسانية المختلفة القائمة على الرحمة والمودة والتعاون والتسامح والعيش المشترك. أما بالنسبة للملحد فليس هناك ما يستمد منه تلك المعانى والقيم.
■ هل هناك عوامل مجتمعية تسهم فى ظهور الفكر المتطرف؟
- العوامل التى تسهم فى تطور الفكر المتطرف بشقيه المتشدد والمتساهل كثيرة، منها الحالة الاقتصادية فى المجتمع، فتلك الأفكار قد تنتشر بسبب الفقر الذى يعانى منه بعض المجتمعات. كذلك حالة الرخاء الشديد فى بعض المجتمعات قد تنتج فكرًا متطرفًا أيضًا.
■ لماذا يجذب الفكر الدينى المتشدد الشباب بشكل خاص؟
- الفكر الدينى المتشدد يستهدف فى المقام الأول الشباب، لأنهم عصب الحياة وفيهم القوة والمستقبل. كما أن المعرفة لديهم غير مكتملة، فيلجأ هذا الفكر إلى مخاطبة الشباب، سواء من خلال الغيرة على الدين أو قضايا «الولاء والبراء» وغيرها من تلك الكلمات التى تعمل على استهداف مشاعر هؤلاء الشباب.
■ وما العلاقة بين الفهم الخاطئ للنصوص الدينية والتطرف؟
- هناك علاقة وثيقة بين الفهم الخاطئ للنصوص وبين التطرف، لأن الفكر المتطرف نشأ أصلًا من فهم خاطئ للنصوص الدينية، فبداية فكرة التطرف وظهور بدعة «الخوارج» كانت بسبب أن شخصًا ما لم يفهم الحكمة من فعل النبى، صلى الله عليه وسلم.
كما أن البداية الفعلية لهذا الفكر المتطرف فى عهد الإمام على، رضى الله عنه، كانت بسبب عدم فهم هؤلاء للنصوص والتوجيهات الدينية، وكذلك باقى الأفكار التى أسهمت فى استمرارهم عصرًا بعد عصر، كلها نشأت من عدم الفهم الصحيح للنصوص الدينية.
■ ما الخطوات التى يمكن أن تتخذها المؤسسات الدينية والتعليمية لتصحيح هذا الفهم ومكافحة الفكر المتطرف بصفة عامة؟
- تصحيح هذا الفهم يكون بالرجوع لأولى العلم والمعرفة، وعدم الخلط بين أمور الاعتقاد والعبادات والمعاملات، بالتأكيد يحتاج كل عصر إلى خطاب يناسبه، ومن واقع دور وأهمية الأزهر الشريف، فإنه يركز على كل القضايا التى تمس المجتمع بشكل مباشر، وذلك بلغة سهلة مبسطة تصل إلى الجميع.
لعل من أبرز هذه القضايا فى هذه الفترة الحالية القضايا الفكرية والمجتمعية، باعتبارها تهدد المجتمع من مختلف الاتجاهات، لذا فإنها فى حاجة إلى مزيد من المعالجات البحثية، والخروج برؤى ونتائج تسهم فى بيان الحقائق، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ومواجهة الفكر المنحرف والمضلل، وحماية الشباب من كل ما من شأنه أن يلوث عقولهم ويأخذهم بعيدًا عن الطريق الأمثل لهم الذى يحقق آمالهم ويلبى احتياجاتهم.
■ كيف يمكن تعزيز ثقافة التسامح والتعددية الدينية فى المجتمعات المتنوعة؟
- يعمل الأزهر الشريف، بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، على تعزيز ثقافة التسامح والتعددية الدينية فى المجتمع، من خلال عدة خطوات جادة منها «بيت العائلة المصرية»، و«وثيقة الأخوة الإنسانيَّة»، وقوافل السلام الخارجية، والجولات الخارجية للإمام الأكبر، وغيرها من اللقاءات والندوات والمؤتمرات العالمية التى تسهم فى نشر ثقافة التسامح والتعددية الدينية والتعايش السلمى المشترك واحترام الأديان.
■ هل ترى أن هناك فجوة بين الجيل الشاب والقيادات الدينية التقليدية؟
- نعم، حدثت فجوة فى فترة من الفترات، لكن تم التغلب على هذه الفجوة بنسبة كبيرة، خاصة بعدما أصبح التواصل أكثر من السابق، بسبب أن القيادات الدينية أصبحت أكثر تفاعلًا على «السوشيال ميديا» وتكنولوجيا المعلومات للوصول إلى الشباب، وأصبحت لغة التواصل لغة معاصرة وبأسلوب سهل بسيط يتناسب مع الشباب عقليًا وحسيًا وعاطفيًا.
وتزامن ذلك مع التواصل الميدانى فى المدارس والمعاهد والجامعات وتجمعات الشباب المختلفة، علاوة على تدريب شباب الباحثين فى المجال الدينى على التكنولوجيا والوسائل الحديثة، ما جعل الفجوة تتلاشى بنسبة كبيرة بين الشباب والمتخصصين فى المجال الدينى.
ماذا عن دور وسائل الإعلام فى تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الدين؟
- بكل تأكيد، وسائل الإعلام عليها دور كبير فى مواجهة المفاهيم المغلوطة حول الدين، سواء كانت تلك المفاهيم الخاطئة متعلقة بالتطرف الدينى، أم متعلقة بالإلحاد والتساهل فى أمور الدين، فالإعلام المرئى أو المسموع أو الإلكترونى فى العصر الحاضر يصل إلى الجميع، وخاصة الشباب الفئة المهمة التى يستهدفها الفكر المتطرف.