الأحد 03/نوفمبر/2024 - 12:41 م 11/3/2024 12:41:42 PM
في ظل انتقال سكان العالم، باستمرار وبسرعة، إلى المدن، أكثر من أي وقت مضى.. كيف يمكننا ضمان أن تكون البيئات الحضرية مستدامة وآمنة لمواطنيها؟.
هذا السؤال وغيره، سيكون محور النقاش في النسخة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي WUF12، التي تستضيفه مصر في الفترة من الرابع إلى الثامن من نوفمبر الجاري، أحد أهم الفعاليات العالمية التي تعد القاهرة، العاصمة الأولي في القارة الإفريقية التي تستضيف هذا الحدث العالمي، انعكاسًا لمكانتها في الساحة الدولية والتزامها بملف التنمية المستدامة، وخصوصًا في مجال التنمية الحضرية المستدامة.. ومن المقرر أن يشهد المنتدى تنظيم خمسمائة وستين فعالية، ومعرض يشارك فيه أكثر من مائة منظمة دولية ومحلية من تسعة وأربعين دولة، على مساحة أكثر من ستة آلاف متر مربع.. ووفق برنامج الأمم المتحدة (الهابيتات)، من المتوقع أن يشارك أكثر من عشرين ألف شخص في المنتدى الذي تستمر فعالياته أربعة أيام.
وقبل أن نغوص في تفاصيل هذه الدورة، لابد من تعريف ماهية المنتدى الحضري العالمي، ولماذا هو مهم؟.
أُنشئ المنتدى الحضري العالمي WUF، وهو مؤتمر رئيسي للأمم المتحدة معَّني بالتنمية الحضرية المستدامة، في عام 2001، لمعالجة قضية التحضر العالمي، بوصفه أحد أكثر القضايا إلحاحًا التي تواجه العالم اليوم.. ومنذ ذلك الحين، يُعقد المنتدى دورته كل عامين، إلى أن وصل هذا العام إلى القاهرة.. ومنذ بدايته، ساعد المنتدى موئل الأمم المتحدة (وكالة الأمم المتحدة للبلدات والمدن المستدامة) على جمع المعلومات عن الحالات والاتجاهات، وبناء الشراكات والتحالفات من أجل دعم عمله، وإيجاد حلول لأزمة الإسكان العالمية، والأزمات الكبرى، مثل تغير المناخ والصراعات والفقر.. أما لماذا هو مهم؟.. فلأن حوالي 50% من سكان العالم يعيشون اليوم في المدن، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70% بحلول عام 2050.. ومعروف أن الانتقال إلى المراكز الحضرية، له تأثير كبير على المجتمعات والمدن والاقتصادات وتغير المناخ والسياسات.
وستشهد القارة الإفريقية أكبر معدل في النمو السكاني، حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة تقريبًا، خلال السنوات الثلاثين القادمة.. ومن المرجح أن تصبح القاهرة، إلى جانب العديد من المدن الإفريقية، واحدة من أكبر المراكز الحضرية في العالم، حيث تضم أكثر من عشرة ملايين شخص بحلول عام 2035.. وقد أكدت أناكلوديا روسباخ، المديرة التنفيذية لموئل الأمم المتحدة، أن (المنتدى الحضري العالمي، بوصفه تحالفًا كبيرًا لدعم التغيير التحويلي، هدفه تعزيز التعاون والتآزر بين المشاركين فيه، على النهوض بالتنمية الحضرية المستدامة وتنفيذها).
شعار الدورة الجديدة من المنتدى لهذا العام، هو أن (كل شئ يبدأ في المنزل: إجراءات محلية من أجل مدن ومجتمعات محلية مستدامة).. وهو يؤكد أن الحلول يجب أن تبدأ حيث يعيش الناس ويعملون ويبنون حياتهم.. وسيكون هناك تركيز على الإجراءات المحلية لمعالجة أزمة الإسكان العالمية، والتي تتفاقم بسبب تغير المُناخ وتزايد عدم المساواة.. وهنا تقول السيدة روسباخ، (من خلال تقريب المناقشة من الوطن، والتركيز على الإجراءات المحلية، نهدف إلى ترجمة الأهداف العالمية إلى تحسينات ملموسة في حياة الناس.. وسيكون المنتدى بمثابة منصة لمناقشة المبادرات المحلية الناجحة والتعلم منها، مما يضمن أن التقدم المُحرز في مدينة واحدة، يمكن أن يُلهم ويوجه الجهود المماثلة في أماكن أخرى).. وسيتعرف المندوبون أيضًا على الطرق العديدة التي يعمل بها المخططون والسلطات الحضرية، على جعل المدن أكثر استدامة من خلال ـ على سبيل ـ تطوير المساحات الخضراء والحدائق والغابات الحضرية، والتي تساعد على التخفيف من تأثير الجُزر الحرارية، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز التنوع البيولوجي.
●●●
لقد وضعت القاهرة اللمسات النهائية على الاستعدادات الجارية بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية لبدء انطلاق المنتدى غدًا، والذي يُعد ثاني أكبر حدث على أجندة الأمم المتحدة، بعد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المُناخي والذي سبق واستضافته مصر في مدينة شرم الشيخ، ولاقى إشادة إقليمية وعالمية.. وقد تأكد حضور عدد من رؤساء الدول والمسئولين الدوليين وحوالي مائة وثلاثة وزراء، وستة وثلاثين نواب وزراء، زثلاثمائة محافظ، كما سيتواجد نحو مائة وخمسة عشر عارضًا، في المعرض الذي يُقام خلال المنتدى، بالإضافة إلى حوالي تسعمائة متطوع يشاركون في التنظيم.. وقد قام أكثر من ثلاثين ألف شخص من مائة وثمانين دولة قموا بالتسجيل، للحضور والمشاركة في المنتدى.
ووفق المنظمين للدورة الجديدة، فإن المنتدى يشهد 6ستة جلسات حوارية رفيعة المستوى، وتسعة جلسات خاصة بمناقشة التحديات الحضرية العالمية، وتبادل الخبرات حول التنمية الحضرية المستدامة، والتي من أهمها، الجلسة الخاصة بمصر، والتي ستمثل فرصة لتسليط الضوء على التجربة التنموية والحضرية والعمرانية، التي قامت بها مصر خلال العشر سنوات الماضية، فيما يخص التحضر السريع، التنمية المستدامة، الإسكان، البنية التحتية الحضرية، كما سيناقش المنتدى تحديات التكيف مع التغيرات المناخية وتأثيراتها على المدن، إضافة إلى القضايا الاجتماعية مثل الحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وسيتناول المنتدى، قصص نجاح محلية وقومية، تكون ملهمة للدول المشاركة فى دورته الجديدة.
وتطبيقًا لمُخرجات الدورة، فإن إعادة إحياء حي الأسمرات فوق هضبة المقطم، ستكون إحدى النتائج الملموسة لمؤتمرالقاهرة، وهو حي منخفض الدخل.. وتعد هذه المبادرة، التي يتم تنفيذها بالتعاون مع محافظ القاهرة، جزءًا من خطة لتحويل المدينة إلى معرض حي للعمران المستدام.. وكما توضح روسباخ، فإن (هذه المبادرة هي دليل على إيماننا، بأن كل مدينة وكل مجتمع وكل مقيم، له دور يلعبه في بناء مستقبل أفضل).. وبالنسبة لموئل الأمم المتحدة، ستشمل النتيجة الناجحة للمنتدى الحضري العالمي WUF12، إنشاء شراكات وتحالفات جديدة للنهوض بالتنمية الحضرية المستدامة، وتعزيز كل من الخطة الحضرية الجديدة للوكالة الأممية وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وكلاهما يقترحان رؤية لمستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع.. كما ستواصل الوكالة العمل عن كثب، مع السلطات المحلية والناشطين الملهمين في المشاريع الحضرية، التي تغير الحياة في المدن في جميع أنحاء العالم.. فعلى سبيل المثال، في كيبيرا، وهو حي شعبي في نيروبي، بكينيا، يعمل موئل الأمم المتحدة مع منظمة شعبية لتجديد نهر نجونج وتحسين بيئة المجتمع المحلي.. وفي يانجون، بميانمار، تعمل الوكالة بشكل وثيق مع الجماعات المحلية، لإدخال خزانات كبيرة لتجميع مياه الأمطار، وتوفير مياه آمنة وبأسعار معقولة، لبعض الأشخاص الأكثر ضعفًا في المدينة.. وفي بوليفيا، دعم موئل الأمم المتحدة البلاد، لوضع خطة وطنية ذات أهداف واضحة لتحسين حياة سكان المدن.
●●●
أما السؤال الأهم هنا، فهو: لماذا مصر، مقرًا للدورة الثانية عشر من المنتدى؟.
لا شك فإن انعقاد هذه الدورة في القاهرة، يُعد ملحمة جديدة في محور استضافة المؤتمرات والفعاليات الدولية الكبرى، تسطرها الدولة المصرية، وتُعد استضافة المنتدى برهان على قوة البنية التحتية، وقدرة الدولة المصرية على التنظيم والتأمين وإدارة الأمور اللوجيستية، بجانب مشاركتها الفعالة في الأحداث والفعاليات المؤثرة في ملف التغيرات المناخية والتنمية المستدامة.. كما يعكس إدراك الدولة المصرية وقيادتها السياسية، لدورها الريادي على المستوى الإقليمي والدولي في مختلف الأصعدة، التي يأتي من بينها ملف التنمية المستدامة.. وكما قلنا، فإن هذه المرة الأولى التي يعقد فيها المؤتمر في مصر، الثانية في إفريقيا، منذ انعقاده لأول مرة في العاصمة الكينية نيروبي.. وتندرج هذه الاستضافة في إطار تنفيذ رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وجهود هيئة الأمم المتحدة أيضًا للتنمية المستدامة لعام 2030، حيث ينعقد المنتدى في مصر تحت إشراف رئاسة مجلس الوزراء والوزارات المعنية.
لذلك، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، على ضرورة الاستعداد من جميع النواحي لإقامة هذه الفعاليات الدولية، خصوصًا وأنه سبق لمصر تنظيم فعاليات دولية كبرى مثل هذه من قبل، لعل من بينها استضافتها "(يوم المدن العالمي) في مدينة الأقصر، علاوة على فوز هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بجائزة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-HABITAT للتميز الحضري لعام 2021.. وقال رئيس الوزراء، إن استضافة القاهرة للمنتدى الحضري العالمي، فرصة هائلة لكل الخبراء العالميين لرؤية التجربة المصرية الفريدة، في كل مناحي وبرامج الأمم المتحدة، والتعرف على الجمهورية الجديدة بحق، التي شرعت الدولة المصرية في بنائها على مدار السنوات العشرة الماضية.. مُعربًا عن تمنيه أن تكون نسخة المنتدى ناجحة بكل المقاييس، في ضوء العدد الكبير الذي أكد الحضور.
يوفر المنتدى فرصة لعرض النموذج المصري فى تعزيز التنمية الحضرية المستدامة خلال الفترة الماضية، خصوصًا أن المدن الجديدة تعد بمثابة إنجازات حضرية بارزة، ومنها المشروعات التي تمت في مجال التطوير العمراني والنقل والبنية التحتية، إذ أن جميع هذه المشروعات تتماشى مع مستهدفات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.. وقد وجه رئيس الوزراء باصطحاب المسئولين ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، والمشاركين في المنتدى الحضري العالمي، في جولات ميدانية بعدد من المشروعات التي نفذتها الحكومة المصرية في القطاعات المختلفة، للاطلاع عن قرب على التجربة المصرية لتعزيز التنمية الحضرية.
■■ وبعد..
فإن المنتدي يُعد أحد أهم المنصات العالمية لتبادل المعرفة والخبرات حول التنمية الحضرية المستدامة، ويمثل فرصة قيمة لمصر لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة، وفتح آفاق جديدة للتعاون الدولي، وفرصة قوية للقاهرة لمناقشة استراتيجيات التنمية الحضرية المستدامة، مما يساعد على تحسين جودة الحياة في المدن والاستفادة من الحلول الناجحة، والتحديات التي تواجهه الدول في مجالات التخطيط العمراني والنقل والإسكان.. وتعزز استضافة مصر للمنتدي، من فرص جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في مشاريع البنية التحتية، كما يشكل المنتدى منصة للتفاعل مع ممثلي الحكومات، المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، مما يعزز التعاون في مجالات التنمية الحضرية، ويساهم في تحفيز الابتكار في السياسات والممارسات الحضرية.
لدينا توقعات بمشاركة واسعة النطاق فى المنتدى، لأهمية هذا الحدث العالمى، الذى يتناول العديد من الموضوعات المهمة جدًا، التى تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، من آثار النزاعات، والتحديات المناخية، والتحديات الخاصة بمواجهة الفقر وحق السكن الملائم والقضاء على العشوائيات، وكذلك التنمية العمرانية.. ولدينا توقعات بنجاح كبير لهذه الدورة من المؤتمر بالقاهرة، والتى تقوم على العديد من الشراكات والفعاليات المختلفة، مع مشاركة كل من القطاع الحكومى والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى، والجهات الأكاديمية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.