فى ظل الأزمات المتزايدة والتوترات المستمرة فى المنطقة، تتصدر مصر المشهد الإقليمى، باعتبارها حائط الصد أمام المخطط الإسرائيلى لتصفية القضية الفلسطينية، مع العمل بكل قوة لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطينى، فى ظل كونها الداعم الأساسى للقضية الفلسطينية.
وتصدت مصر طيلة الأشهر الماضية للمخطط الذى حاولت إسرائيل، ومعها القوى الدولية الداعمة لها، فرضه على أرض الواقع، الذى يتضمن تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، سواء من قطاع غزة باتجاه سيناء، أو من الضفة الغربية باتجاه الأردن، وهو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى تصفية القضية الفلسطينية ككل.
وأعلنت مصر عن رفضها الرسمى والعلنى أى خطوة إسرائيلية باتجاه تنفيذ ذلك المخطط، ما أفشل مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، مع اعتماد موقف حازم تجاهه، والتأكيد على أنه أمر «غير قابل للتنفيذ».
وحول ذلك، قال مسئولون أمريكيون وإسرائيليون إن القاهرة حذرت من أن تهجير الفلسطينيين نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلى فى جنوب غزة يمكن أن يؤدى إلى قطيعة فى العلاقات بين مصر وإسرائيل.
ونشر موقع «والا» الإسرائيلى، تقريرًا فى ديسمبر الماضى، قال فيه إن ٤ مسئولين إسرائيليين وأمريكيين كبار أوضحوا أن مسئولين مصريين حذروا من العواقب المحتملة للعملية العسكرية الإسرائيلية فى جنوب القطاع، وأعربوا عن قلقهم العميق إزاء الأزمة، التى من شأنها أن تؤدى لاختراق السياج الحدودى وتدفق آلاف الفلسطينيين للأراضى المصرية فى محاولة للعثور على مأوى من ويلات الحرب.
وأفاد بأن الجانب المصرى أبلغ إسرائيل بأن تلك الخطوة حال السير نحو تحقيقها فستؤدى لأزمة خطيرة فى العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، قد تصل إلى حد قطع العلاقات.
وبعد التحذيرات المصرية، أكدت إسرائيل بشكل علنى أنها ليست لديها هذه النية، وقدمت ضمانات تسمح للفلسطينيين الجرحى الذين غادروا غزة لتلقى العلاج الطبى بالعودة إلى القطاع مرة أخرى.
ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلنت مصر عن إرسال عدد كبير من شاحنات المساعدات الإنسانية والغذائية، التى تتضمن الغذاء والدواء والخيام، وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية.
ولم تكتفِ مصر بتلك الخطوة فقط، لكنها دعت دول العالم إلى اتخاذ مواقف مماثلة لتوفير احتياجات المدنيين الفلسطينيين فى القطاع، المقدر عددهم بنحو ٢.٢ مليون نسمة، الذين يعانون حصارًا إسرائيليًا مُحكمًا، مع استمرار العمليات العسكرية الغاشمة ضدهم.
وخصصت مصر مطار العريش لاستقبال الطائرات التى تحمل المساعدات الإغاثية والإنسانية من أى دولة تريد إرسال تلك المساعدات لتمريرها إلى قطاع غزة، سواء عبر معبر رفح المخصص للأفراد، أو عبر معبر كرم أبوسالم المخصص للبضائع.
وشهد مطار العريش حركة طيران واسعة خلال الفترة الأولى من الحرب الإسرائيلية ضد غزة بالفعل، وعملت مصر على الضغط من أجل السماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى القطاع، رغم تعنت السلطات الإسرائيلية فى إجراءات التفتيش.
وتصدرت مصر حجم المساعدات التى دخلت إلى قطاع غزة، حتى الآن، حيث قدمت نحو ٧٥٪ من المساعدات التى دخلت إلى الفلسطينيين، مع الحرص على إيصال المساعدات الإغاثية إلى مناطق شمال غزة، بما فى ذلك شاحنات الوقود اللازم لمحطات الكهرباء، والمستشفيات، والمخابز.
ومع استمرار تعنت السلطات الإسرائيلية فى عملية إدخال المساعدات إلى غزة، عملت مصر على إيصال المساعدات عبر عمليات الإسقاط الجوى لها فى جميع أنحاء القطاع، لا سيما مناطق الشمال، الذى يعانى مجاعة غير مسبوقة.
وتنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، استمرت المساعدات الإنسانية العاجلة عبر الجسر الجوى للأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة، وأقلعت عدة طائرات نقل عسكرى مصرية محملة بعشرات الأطنان من المساعدات الغذائية ومواد الإغاثة العاجلة لتنفيذ أعمال الإسقاط الجوى على شمال قطاع غزة، وذلك فى ظل الأزمة التى يعانى منها الأشقاء الفلسطينيون مع النقص فى كل الاحتياجات الإنسانية.
ومنذ بداية الحرب، قصف الجيش الإسرائيلى معبر رفح من الجانب الفلسطينى ٣ مرات، من أجل تعطيل عمله، فيما عملت مصر على إعادة إصلاحه لاستمرار دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وتصدت مصر لكل الضغوط التى تعرضت لها، خاصة خلال أول أسبوعين من اندلاع الحرب، بهدف إعادة فتح المعبر أمام عبور الأجانب وحملة الجنسيات الأجنبية الموجودين فى غزة إلى دول ثالثة، واشترطت أن ذلك لن يتم إلا بالتنسيق لإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين داخل القطاع، وأيضًا استقبال المصابين الفلسطينيين وذويهم لعلاجهم داخل المستشفيات المصرية.
ورفضت مصر السماح لحملة الجنسيات الثالثة بالمرور من رفح إلا بعد تحقيق شرط تسهيل دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وهو ما حدث فى نهاية المطاف، بعد أن ضغطت القوى الدولية على إسرائيل وجعلتها تقبل بالشروط المصرية من أجل إجلاء رعاياهم.
أيضا لم تتوقف مصر عن جهودها لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وفق بنود تضمن للفلسطينيين عودتهم إلى منازلهم التى هجروا منها، خاصة فى شمال ووسط القطاع المحاصر.
ونجحت مصر، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، بالفعل فى إقرار هدنة مؤقتة فى غزة خلال شهر نوفمبر ٢٠٢٣، أى بعد نحو أقل من شهرين على بدء الحرب.
وحينها، نجحت الجهود فى إحلال هدنة مؤقتة استمرت لنحو ١٠ أيام، مع زيادة معدل دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية، بالإضافة إلى إطلاق سراح ٣ أسرى فلسطينيين مقابل كل محتجز تطلق «حماس» سراحه.
ورغم كسر الهدنة المؤقتة فى غزة حينها، فإن الجهود المصرية لم تتوقف على مدار الأشهر الماضية عن محاولة للتوصل إلى صيغة توافقية بين كل الأطراف تقضى بوقف الحرب نهائيًا فى غزة.
وتعمل مصر على تقديم مقترحات جديدة، تتضمن عقد اتفاقات مرحلية تضمن انسحاب إسرائيل من القطاع وعودة الفلسطينيين إلى منازلهم فى الشمال، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية، مع استئناف عمل معبر رفح تحت إدارة فلسطينية.
واستقبلت مصر، على مدار الأيام القليلة الماضية، وفودًا أمنية من إسرائيل، وأيضًا وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA»، لبحث صيغة التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب داخل القطاع فى أقرب وقت.
ووضعت مصر تصورًا واقعيًا للمضى قدمًا فى مراحل وقف إطلاق النار داخل غزة، فى محاولة قوية لتحريك مسار المفاوضات، بعد المستجدات التى شهدتها المنطقة فى الآونة الأخيرة.
وأيضًا، تستضيف القاهرة فى الوقت الحالى، وفودًا من الفصائل الفلسطينية، خاصة من حركتى «حماس» و«فتح»، من أجل مناقشة تصور وقف إطلاق النار فى غزة، وشكل الإدارة الفلسطينية للقطاع بعد انتهاء الحرب.