يمثل التصوف المصري أحد أهم روافد القوة الناعمة في المجتمع، لما يحمله من قيم روحية وأخلاقية كان لها دور بارز عبر التاريخ في ترسيخ التسامح ومواجهة الغلو والتطرف، وفي هذا السياق، تبرز الطريقة الجازولية كنموذج جدير بالدراسة، لما حققته من نجاح ملحوظ في أداء رسالتها الروحية والدعوية.
ويرجع هذا النجاح، في المقام الأول، إلى حالة التماسك والمحبة الصادقة التي تجمع أبناء الطريقة الجازولية، وهى محبة لم تظل مجرد شعارات أو خطابات، بل تحولت إلى سلوك يومي انعكس على طريقة تعاملهم مع بعضهم البعض، ومع المجتمع المحيط بهم، كما أن العلاقة القائمة على الإحترام والتقدير بين المريدين وشيخ الطريقة لعبت دورًا محوريًا في ترسيخ الاستقرار الفكري والروحي داخل الكيان الجازولي.
وخلال سنوات العمل والاطلاع على ملف التصوف في مصر، تتضح الفوارق بين الطرق التي اكتفت بالحضور الشكلي، وتلك التي سعت إلى بناء الإنسان روحيًا وأخلاقيًا، ومن باب الموضوعية والإنصاف، يمكن القول إن الطريقة الجازولية نجحت في تقديم نموذج متوازن يجمع بين الالتزام بالمنهج الصوفي الأصيل، والانفتاح الواعي على قضايا العصر.
ويُحسب للطريقة الجازولية حفاظها على منهج قطبها الإمام جابر الجازولي، ليس باعتباره تراثًا جامدًا، بل كمنهج حيّ قابل للتفاعل مع الواقع، يقوم على نشر القيم الإنسانية، وتعميق مفاهيم الوسطية، والتصدي للأفكار المتطرفة التي تحاول استغلال الدين لأهداف هدامة.
ورغم أن هذا الطرح قد يثير ردود فعل متباينة، بين مؤيد ومعارض، إلا أن الهدف منه لا يتمثل في تفضيل طريقة على أخرى، بقدر ما هو دعوة صادقة لتجديد الخطاب الصوفي، والاستفادة من التجارب الناجحة داخل البيت الصوفي نفسه فالتصوف المصري في حاجة إلى نماذج عملية تُعيد له بريقه، وتؤكد دوره في بناء الوعي الجمعي.
إن ما تحتاجه الطرق الصوفية اليوم هو الانتقال من الخلافات الشكلية إلى العمل المشترك، ومن التركيز على الطقوس وحدها إلى الاهتمام بجوهر التصوف القائم على تزكية النفس وخدمة الإنسان، وهو ما نجحت الطريقة الجازولية في الاقتراب منه، عبر خطاب متزن، وأداء منضبط، وحضور إيجابي داخل المجتمع.
وفي ظل التحديات الفكرية الراهنة، تبقى الحاجة ملحّة إلى دعم كل تجربة صوفية جادة تسعى إلى نشر المحبة والسلام، وتعمل على تحصين الشباب من خطاب التطرف والكراهية، ومن هنا، فإن تعميم الدروس المستفادة من تجربة الجازولية قد يسهم في إعادة صياغة دور التصوف كأحد أهم خطوط الدفاع عن الاعتدال في المجتمع المصري.












0 تعليق