في قلب محافظة المنيا تقف سمالوط كمدينة أنهكها الضغط وتراكم فوق ملامحها الكثير من الإهمال حتى أصبحت التفاصيل اليومية فيها أكبر من قدرة اللغة على الوصف. فمن يدخل شوارعها يشعر كأنه يعبر مساحة اختلط فيها الضجيج بالانكسار، وصار صوت التوكتوك الذي يهيمن على كل زاوية هو العنوان الأول للفوضى، حتى فقدت الطرق هيبتها، وفقد الناس إحساسهم بالأمان.
المدينة أصبحت ساحة صراع يومي؛ طرق محطمة لا تصلح للسير، أكوام قمامة تتجاور مع البيوت كأنها جزء ثابت من المشهد، أرصفة متهالكة، وشوارع مشققة تجعل الحركة مهمة مستحيلة. وفوق كل هذا، يقف المواطن محاصرًا ببطالة خانقة وانهيار في الخدمات، وتعليم لا يحمي مستقبلًا، وصحة لا تستطيع حماية حياة، وشباب يخرجون كل صباح بلا أفق ولا فرصة ولا خطوة واحدة تُشعرهم أن الحياة قد تقدّم لهم شيئًا.
من بين هذا الوجع أرفع صوتي، وأتوجه بنداء مباشر لفخامة الرئيس، الرجل الذي طالما امتدت يده في اللحظة الفاصلة لإنقاذ مدن وأقاليم وملايين من المصريين. إن ما يجري في سمالوط لا يمكن احتماله أكثر، وهذه الكلمات ليست نقدًا بقدر ما هي واجب إنساني ورسالة استغاثة صادقة من مدينة تُترك كل يوم على حافة السقوط.
سمالوط تحتاج إلى قرار يعيد لها النظام والحياة. فظاهرة التوكتوك لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل؛ تحتاج إلى ضبط شامل عبر تقنين الأعداد وربط كل منطقة بلون محدد ومنع سيرها في الشوارع العامة، إضافة إلى إلزام قائديها برخص قيادة مهنية. تنظيم التوكتوك ليس رفاهية، بل ضرورة لإنقاذ الأرواح وضبط الأمن وتقليل الحوادث التي باتت جزءًا يوميًا من المشهد.
كما تحتاج المدينة إلى مركز تدريب مهني متكامل يفتح أبواب المستقبل أمام شبابها، عبر ربط التدريب بعقود عمل فعلية مع المصانع والشركات. هذا المركز يجب أن يضم ورشًا للتبريد والتكييف، وصيانة السيارات، والطاقة الشمسية، والحدادة والنجارة الحديثة، والحرف التقنية المرتبطة بالمهن الجديدة، ليصبح بوابة إنتاجية تعيد صياغة قدرات الشباب وتمنحهم طريقًا واضحًا للحياة.
ولأن التنمية تحتاج إلى عقل يربط بين الفكرة والتمويل والتنفيذ، أقترح إنشاء تطبيق رقمي تحت اسم “استثمار سمالوط” يكون منصة تجمع ثلاثة أطراف في مكان واحد:
أصحاب الأفكار والمشروعات، أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب الخبرات الإدارية. التطبيق يعرض مشروعات صناعية وزراعية وسياحية قابلة للتنفيذ، مع دراسات جدوى مختصرة، ويتيح تشكيل شراكات مباشرة بين الأطراف الثلاثة، على أن تتولى الدولة تسهيل الإجراءات وإزالة التعقيدات. هذا التطبيق يمكن أن يحوّل سمالوط من مدينة خانقة تبحث عن طوق نجاة إلى بيئة جاذبة تحترم العقول وتحتضن الإبداع وتحوّل الأحلام إلى مشروعات حقيقية.
وفي الجانب الاقتصادي، تمتلك سمالوط فرصًا ضخمة يمكن تحويلها إلى محاور إنتاج حقيقية: المحاجر وثروات الجبل، والأراضي الزراعية، والثروة السمكية في مجرى النيل، يمكن أن تصبح قاعدة لإنشاء مصانع للتعبئة والتغليف والصناعات الحجرية ومشروعات الاستزراع السمكي ومزارع الطاقة الشمسية في الظهير الصحراوي.
والواقع البيئي في المدينة أصبح خطرًا عامًا لا يمكن الصمت عنه. القمامة التي تغطي الشوارع لم تعد مجرد مظهر مزعج، بل صارت تهديدًا صحيًا ومعنويًا. ولهذا صار من الضروري إنشاء مصنع متكامل لتدوير المخلفات في الظهير الصحراوي لسمالوط، يعمل بمنظومة علمية حديثة، ويحوّل النفايات إلى مصدر للطاقة والمواد الخام بدلًا من تركها تخنق صدور الناس. هذا المصنع سيوفر مئات فرص العمل ويعيد للمدينة وجهها الحضاري المفقود.
كما أن رصف شوارع المدينة وتأهيلها لم يعد خيارًا مؤجلًا. فإعادة تخطيط الشوارع ورفع كفاءة الطرق الرئيسية والفرعية سيعيد للمدينة القدرة على العمل والتنفس، ويمنح الناس حقهم الطبيعي في الحركة الآمنة، ويعيد النشاط التجاري إلى روحه.
أكتب اليوم بحب للوطن وثقة كاملة في أن صوتي سيصل. فسمالوط ليست مدينة صغيرة أو هامشية، بل هي قلب نابض يستحق أن تعود إليه الحياة. وأهلها يستحقون أن يشعروا بأن الدولة قريبة منهم، وأن يد الرئيس التي لم تتأخر يومًا عن نصرة المحتاج ستصل إليهم قبل أن يصل الانهيار إلى نقطة اللاعودة.
إن هذه الكلمات ليست إلا صرخة إنسانية صادقة، وصوت مدينة تنادي قائدها الأخير قبل أن تُطفئ قدرتها على الاحتمال.













0 تعليق