قتال مستمر رغم إعلان وقف إطلاق النار
تجددت الاشتباكات الحدودية العنيفة بين تايلاند وكمبوديا منذ بداية ديسمبر 2025، مع تبادل اتهامات متصاعد بين الطرفين حول المسؤولية عن اندلاع القتال، رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن البلدين اتفقا على وقف إطلاق النار في 12 ديسمبر بعد مكالمات هاتفية معه ومع رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم.
تصريحات ترامب تتعارض مع الواقع على الأرض
أعلن ترامب عبر منصته “تروث سوشال” أن تايلاند وكمبوديا “اتفقا على وقف جميع إطلاق النار والعودة لاتفاق السلام الأصلي”، مشيرًا إلى جهود الوساطة الأميركية والماليزية.
لكن الحكومتين على الأرض نفيا بشكل صريح التوصل إلى وقف دائم للقتال: رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت قال إن البلدين لم يتوصلا لاتفاق لوقف النار، مع استعداد بلاده للتعاون، فيما أكد رئيس الوزراء التايلاندي أنوتين تشارنفيراكول استمرار العمليات العسكرية لحماية سيادة بلاده.
استمرار الضربات وتبادل القصف
وفي ذات السياق أفادت وزارة الدفاع الكمبودية بأن القوات التايلاندية استخدمت طائرات مقاتلة من طراز إف‑16 لإسقاط قنابل على أهداف داخل أراضي كمبوديا، وأن القصف لم يتوقف بعد إعلان الهدنة المزعومة.
وردت تايلاند باتهامات متكررة لكمبوديا بانتهاك الاتفاقات، غير أن القتال استمر في كلا الجانبين، مع استخدام أسلحة ثقيلة وقذائف مدفعية.
حجم الخسائر والنازحين
تشير تقارير عدة إلى أن النزاع أسفر عن مقتل عشرات المدنيين والعسكريين من الجانبين، بما في ذلك قتلى من الجنود التايلانديين، إلى جانب نزوح مئات الآلاف من السكان المدنيين من مناطقهم قرب الحدود، ما أدى لخلق أزمة إنسانية متفاقمة في المنطقة.
فشل الهدن والاتفاقات السابقة
وسبق أن تم التوصل إلى وقف إطلاق نار وقتي في يوليو 2025 بوساطة أميركية‑مالييزية، وبعدها تم توسيع الاتفاق في أكتوبر، بحضور ترامب، لكن هذه الهدنة انهارت بعد أسابيع من التوتر وتصاعد القتال.
ويقول محللون إن النزاع يعكس هشاشة الاتفاقات الدولية المؤقتة في ظل غياب آليات تنفيذ فعّالة، خاصة عندما تتداخل النزاعات المحلية مع مصالح أمنية وسياسية أوسع.
تصريحات وتحليلات دولية بارزة
وصرح محلل في “رويترز” ووصف الموقف بأنه اختبار لقدرة الدبلوماسية الأميركية على تحقيق وقف دائم للصراع بعد أن تعثرت اتفاقات الهدنة السابقة، مشيرًا إلى أن استخدام الضغوط الاقتصادية أو السياسية لا يكفي لإرساء السلام دون التزام حقيقي من الأطراف المحلية.
ومن جانبة أكدت تصريحات وزير الخارجية التايلاندي أنه لا يمكن استخدام التعريفات الجمركية أو الوساطات الخارجية لفرض السلام وأن مسؤولية التهدئة تقع على كمبوديا أولاً، مما يوضح عمق الخلافات السياسية بين الأطراف.
ويعكس تجدد القتال بين تايلاند وكمبوديا رغم إعلان “هدنة ترامب” أحد أبرز تحديات مواجهة النزاعات الحدودية في القرن الـ21: فهو يبرهن على أن الوساطات الدولية، حتى عندما يقودها زعماء عالميون، غالبًا ما تفشل إذا لم تُستند إلى التزامات واضحة وموثوقة من الأطراف المتحاربة.
التناقض بين تصريح الزعماء بشأن وقف إطلاق النار وواقع الدبابات والمدافع على الأرض يُظهر أن السلام المؤقت وحده ليس كافيًا لإرساء الاستقرار ما لم يصاحبه حوار سياسي شامل، وإجراءات بناء الثقة، وآليات مراقبة دولية قابلة للتنفيذ.
وفي السياق الإقليمي، فإن استمرار النزاع لا يؤثر فقط على الأمن المحلي، بل يُعد مؤشرًا على ضعف آليات حل النزاعات داخل “آسيان” وعجز المجتمع الدولي عن حماية المدنيين وإلزام الدول بالاتفاقات التي تُبرم تحت ضغط خارجي، مما يطرح تساؤلات أوسع حول دور الوساطة الدولية في نزاعات ذات خلفيات تاريخية وجغرافية عميقة.














0 تعليق