أزمة الخطاب الديني المتشدد وفتاوي التحريض

أزمة الخطاب الديني المتشدد وفتاوي التحريض
أزمة
      الخطاب
      الديني
      المتشدد
      وفتاوي
      التحريض

تميزت العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر على مدار التاريخ بأنها علاقة  تاريخية متينة وقوية حتى وصل الأمر إلى حد القول بأن المسيحيين في مصر خاصة الأرثوذكس منهم ليسوا أقلية بل جزء لا يتجزأ من النسيج المصري ويرجع ذلك لعدة أسباب منها التاريخي ويعود إلي فترة الحكم الروماني حين دخل الحكم الإسلامي وحرر المسيحيين من الاضطهاد الروماني وحافظ على حرية العبادة وبناء الكنائس في هذا التوقيت كما يتشارك المسلمين والمسيحيين في ثقافة مشتركة وعادات وتقاليد واحدة ترسخت في المجتمع المصري على مدار سنوات طويلة أصبحت بمثابة بوصلة مجتمعية يحترما الطرفين.

هذه العلاقة برغم قوتها وصلابتها إلا إنها شهدت صعود وهبوط متكرر بدأ في سبعينيات القرن الماضي مع تكرار أحداث الفتنة الطائفية بدءًا من أحداث الخانكة عام ١٩٧٢ مرورا بحادث الزاوية الحمراء ١٩٨١ وأنتهت هذه الفترة بحادث الأسكندرية ٢٠٠٦ الذي قام فيه شخص يدعي محمود صلاح الدين بمهاجمة ثلاث كنائس الواحدة تلو الأخرى مما أدى إلي مصرع شخص وجرح ٦ آخرين وقد ثبت أن هذا الشخص مصاب بخلل عقلي وفي تحليل لما حدث نجد أن هذه الأزمة كان يمكن أن تمر بهدوء لولا وجود مناخ طائفي واحتقان متبادل بين الطرفان وهو الأمر الذي أدي إلى تطور الأمر في اتجاه التصعيد والذي استخدمه بعض الأطراف الخارجية لتشويه سمعة مصر أمام المجتمع الدولي لإثبات وجود اضطهاد يمارس ضد المسيحيين المصريين ولكن هذا الأمر انتهى سريعا بعد أن تدارك الطرفين أن هناك مؤامرة تحاك ضد الدولة المصرية ويجب على الجميع توحيد الجهود لمواجهة هذا التشويه والتحريض وبالفعل نجحت جهود القيادات الدينية بالتعاون مع الحكومة في إنهاء حالة الاحتقان واتمام مصالحة شعبية وعودة العلاقات إلي مسارها الصحيح، وإذا أردنا تحليل هذا الموقف نجد وجود طرفين في هذا الخلاف الطائفي الطرف الأول هو من يرغب في تأجيج الصراع والخلاف ويمثله التيار الديني المتشدد  من الطرفين الذي يرفض فكرة العيش المشترك والتسامح وبالتالي كان يحاول إشعال نار الفتنة عن طريق تبني حوادث فردية وتضخيمها بهدف توسيع دائرة العنف والاحتقان الطائفي، أما الطرف الثاني فكان يتمثل في التيار الديني الوسطي الذي يتبنى لغة الحوار ونبذ العنف والتعصب للحفاظ على وحدة الوطن الواحد وبرغم محدودية قوة هذا الطرف إلا أن تأثيره كان قويا لأنه كان مدعوما بقوة من أغلبية الشعب من الطرفين والذي كان يصر على عدم تمزيق نسيج الوطن الواحد.

في حقيقة الأمر أن تكرار مثل هذه النوعية من الحوادث على مدار عقود فائتة لأن المعالجة في بعض الأوقات كانت تتم بشكل سطحي أما عن الطريق الحوار المؤقت  بين الطرفين بهدف احتواء الأزمة أو من خلال الحلول الأمنية والتي لم تنجح بل ساهمت في بعض الأوقات في ترسيخ وتعميق الخلافات الطائفية وعدم القدرة على علاج المشكلة بشكل جذري بهدوء وإغلاق الجرح على ما فيه من صديد.

في فترة حكم جماعة الإخوان في مصر عام ٢٠١٣ وصل التحريض ضد المسيحيين والفتنة الطائفية إلى معدل غير مسبوق ظهر بشكل واضح خاصة في صعيد مصر وأرتفعت وتيرة أحداث العنف وحرق الكنائس بشكل غير كبير جدا وصل إلى حرق ٧٧ كنيسة وهو رقم قياسي لما يحدث في تاريخ مصر، ومع قيام ثورة يونيو كان من أهم أهدافها هو القضاء على الطائفية ونبذ العنف والتعصب والذي كان قد وصل بالفعل إلى مستوى غير مسبوق ساهم فيه الخطاب الديني المتشدد وارتفاع مستوى الجهل والبطالة في هذا التوقيت الأمر الذي أحدث انقساما واضحا في الشارع المصري انعكس  بالسلب على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين اجتماعيا واقتصاديا وصدر صورة سيئة عن الدولة  المصرية وهنا تحركت الدولة وعلى رأسها الإدارة السياسية من وضع استراتيجية طويلة المدي لا تعتمد فقط الحلول الأمنية للقضاء على هذا الظاهرة السلبية من جذورها وليس من خلال المسكنات كما يحدث في الماضي واشتملت هذه الاستراتيجية على عدة محاور أهمها التصدي للخطاب الديني المتشدد وفتاوي التحريض مع وضع خطة طويلة المدي لإجراء حوار مشترك مستمر خاصة على مستوي الشباب، والتوعية والتثقيف بقيمة وأهمية العيش المشترك بالتعاون مع المجتمع المدني لنشر ثقافة التسامح والتعايش خاصة في الصعيد والريف وهو الأمر الذي ساهم بشكل كبير جدا في القضاء على الفتنة الطائفية وأحداث العنف التي كانت تحدث على فترات متقاربة جدا وأصبحت قليلة جدا مقارنة بفترة ما قبل ثورة يونيو.

وأستطيع أن أقول أن الدولة المصرية قدمت كثيرا في هذا الملف وأحرزت تقدما كبيرا يحسب للإدارة السياسية والقيادات الدينية من خلال توفير مناخ مناسب لتعزيز ثقافة التسامح والتعايش ونبذ العنف والتعصب وضعت فيه مسارا واضحا للمجتمع يستطيع أن يستخدمه للوصول إلى مجتمع متوازن فيه اندماج حقيقي وحياة مشتركة حقيقية ولكن من الواضح أن هذا الأمر برغم المجهودات المبذولة لم يتحقق بالشكل المطلوب، فمازلنا نعيش حالة من عدم قبول الآخر بشكل كامل مع وجود حالة انقسام على المستوى الاجتماعي والفردي ويظهر بشكل وجود حالة من الانقسام المجتمعي تمثل في انحسار المسيحيين داخل اسوار الكنيسة فأصبحت تمثل المجتمع البديل بكامل أنشطته الدينية والاجتماعية والثقافية والرياضية نتيجة لعدم قبول الأخر له في المجتمع الطبيعي مما أدي إلى حدوث حالة من الانقسام المجتمعي أنغلق فيه كل طرف على نفسه ورفض قبول الطرف الأخر وهو ما يعد ضربة واضحة للعيش المشترك وسوف يؤدي في المستقبل إلي مزيد من التباعد والانقسام ويصبح الأمر وكأننا نعيش في مجتمعيين في بلد واحد.

لا يمكن بطبيعة الحال إغفال الدور المهم للمؤسسات الدينية في مصر فهو دور إساسي ومحوري في القضاء على هذه الظاهرة بجانب دور الدولة ويتمثل في تفعيل برامج التعايش خاصة بين الشباب والتصدي للفتاوى التحريضية التي تستند على التفسير الخاطئ للعقيدة والتي دائما ما تستهدف الفئات محدودي التعليم والثقافة مع التركيز على برامج التثقيف والتوعية ونشرها في المجتمع المصري بأكمله مع أهمية إطلاق برامج أنشطة ثقافية واجتماعية رياضية يشارك فيها الجميع يتخللها جانب توعوي وتثقيفي.

رسالتي إلى الطرفين أمامنا فرصة ذهبية تقدمها لنا الإدارة السياسية يجب أن نستغلها عن طريق نبذ التعصب وتعزيز ثقافة العيش المشترك بهدف تحقيق الاندماج الاجتماعي في وطن واحد يستطيع أن يحتضن الجميع دون تفرقة أو تمييز سواء كان على أساس الدين أو العرق أو اللون، ونحتاج بشدة في هذه المرحلة البعد كل البعد عن الخطاب الديني المتشدد المستتر ومحاربة تأجيج الخلاف العقائدي وعدم التشبع بالأفكار الناتجة عنه لما لها من تأثير خطير على قبول الأخر خاصة في المراحل السنية الصغيرة لأننا نحتاج أن نبني جيل جديد يحترم الأخر ويعتبره شريكه في الوطن.

عزيزي المواطن شريكي في الوطن، لقد انتهي زمن استخدام الأنظمة للفتنة الطائفية  والتفرقة بين ابناء الوطن الواحد لخدمة مصالحها السياسية أو إلهاء الناس عن مشاكلها الحقيقية، فنحن نعيش في وطن المسئول عن إدارته يسعي بشكل كبير للقضاء على التعصب الديني ليس بالقول فقط بالفعل أيضا بهدف توحيد الصف شعب واحد نسيج واحد قادر على مواجهة تحديات مستقبلية داخلية وخارجية كبيرة تحتاج إلى مجتمع واعي به اندماج حقيقي وليس شكلي وهذا الاندماج يساهم بشكل كبير في تقوية النسيج الوطني.

نحن نعيش في مرحلة نحتاج فيها أن نبدأ بأنفسنا دون النظر إلى الغير من خلال تحسين روابط العيش المشترك بداخلنا  ونسعى إلى نشر ثقافة قبول الأخر في مجتمعنا البسيط وتظهر من خلال تعاملتنا اليومية والتجارية والنتيجة في النهاية ستكون مذهلة وسوف تنعكس بالإيجاب على جودة المجتمع بشكل عام.

وهنا وجب التأكيد أن الفتنة الطائفية ليست أزمة مستدامة كما يحاول البعض تصويرها ولكنها أزمة مؤقتة تنفجر من وقت لاخر نتيجة لأفكار وممارسات مجتمعية مغلوطة من بعض الأفراد والكيانات وهو أمر ترفضه الدولة وتواجهه بشكل حاسم سواء من خلال تفعيل القانون والحوار المشترك وهو ما يجعل دائما الكرة في ملعبنا أخي المواطن.

الدين لله والوطن للجميع

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق محافظ الفيوم يتابع معدلات الأداء ويشدد على تسريع وتيرة العمل لإنهاء ملفات التصالح
التالى حمزة ياسين يتوج بطلا للدورة الوطنية للدراجات الهوائية