كشفت صحيفة هآرتس العبرية، في تقرير لها نُشر مساء الأحد، عن نشاط جمعية غامضة تعمل على تهجير مئات الفلسطينيين من قطاع غزة، عبر رحلات جوية مستأجرة انطلقت خلال الأشهر الأخيرة من مطار رامون قرب إيلات، باتجاه وجهات متعدّدة حول العالم.
ووفقًا للصحيفة، فإن هذه الجمعية استفادت من الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه سكان قطاع غزة، وقدمت وعودًا بالغ الخداع، بينما تعرض كثير من المسافرين لرحلات قاسية، وحرمان من الطعام والماء لساعات طويلة، دون أن يدرك عدد منهم وجهته النهائية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مديرية الهجرة الطوعية في وزارة الأمن الإسرائيلية، التي أُنشئت في مارس 2024 لتسهيل تهجير الغزيين، كلّفت هذه الجمعية بتنسيق عمليات المغادرة مع منسق أعمال حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وبذلك أصبحت الجمعية بوابة شبه رسمية لخروج مجموعات من السكان، فيما فشلت منظمات أخرى حاولت تنظيم عمليات مماثلة في تجاوز التنسيق الأمني الإسرائيلي.
جمعية مجهولة تُدعى المجد.. بلا تاريخ ولا وجود قانوني
وتُقدم الجمعية التي قادت عمليات الإجلاء نفسها عبر موقع إلكتروني باسم "المجد"، وتدّعي أنها منظمة إنسانية تعمل على إغاثة المجتمعات المسلمة المتضررة من الحروب، إلا أن تحقيق هآرتس كشف أن هذه المنظمة غير مسجلة لا في ألمانيا كما تزعم ولا في القدس المحتلة، وأن موقعها الإلكتروني أُنشئ فقط في فبراير 2025، دون أي نشاط ظاهر قبل ذلك.
كما أن روابط صفحات التواصل الاجتماعي على الموقع وهمية ولا تقود إلى أي محتوى، بينما تُظهر نسخة قديمة من الموقع شعار شركة استونية تُدعى تالنت جلوبس، ما عزز الشبهات حول كون الجمعية واجهة لجهات غير معلومة.
وتوضح صفحة في الموقع شروط ما يسمى الهجرة الطوعية من قطاع غزة، وتحدد مبالغ مالية يتوجب على كل مرشح دفعها، على أن يتم ضمّه لاحقًا إلى مجموعة على تطبيق واتساب يجري من خلالها إرسال التعليمات.
وتبين أن التواصل مع طالبي الخروج يتم عبر رقم هاتفي يبدو أنه إسرائيلي، ما يزيد الشكوك حول طبيعة الجهة التي تدير الملف فعليًا.
من يقف خلف الجمعية؟
ووفقًا لصحيفة هآرتس العبرية، فإن الشخص الذي يقف وراء المنظمة هو رجل يُدعى تومر جانار ليند، إسرائيلي – إستوني يحمل جنسية مزدوجة، ومسجل في السجلات التجارية في إستونيا وإنجلترا، حيث أسس عدة شركات خلال السنوات الأخيرة، أغلبها غير نشط حاليًا.
ويقدم ليند نفسه عبر لينكد إن كشخص يعمل في مساعدة سكان غزة، بينما يدعي أنه أسس أخيرًا شركة استشارية في دبي، غير أن أرقام الهواتف الواردة على مواقع هذه الشركات جميعها غير صحيحة.
ولم ينكر ليند في اتصال مع هآرتس تورطه في تنظيم الرحلات، لكنه رفض الإفصاح عن الجهة التي تقف وراء المشروع، مكتفيًا بالقول: "لا أرغب في التعليق في هذه المرحلة".
رحلات جوية غامضة ومسافرون لا يعرفون وجهتهم
وفقًا للتقرير، أقلعت آخر دفعة من الغزيين الأسبوع الماضي، وضمت 153 شخصًا، على متن طائرة تابعة لشركة "فلاي يو" الرومانية المستأجرة، ولم يكن الركاب يعلمون إلى أين يتجهون، قبل أن يتضح لاحقًا أنهم نُقلوا بداية إلى نيروبي، ومنها إلى جوهانسبورج على متن طائرة تابعة لشركة ليفت.
وعند وصولهم جنوب إفريقيا، مُنع الركاب من النزول لمدة تزيد على 12 ساعة، بحجة عدم امتلاكهم وثائق سفر مناسبة وعدم وجود تذاكر عودة، إضافة إلى أن جوازاتهم لم تُختم عند مغادرتهم إسرائيل، ومع ذلك، وبعد تفتيش مطوّل، رضخت السلطات في جوهانسبورغ وسمحت بدخولهم.
خلال ساعات الانتظار الطويلة، أكد الركاب، وبينهم عائلات وأطفال، أنهم لم يحصلوا على الطعام أو الماء، وأن الظروف على متن الطائرة كانت قاسية للغاية.
تحذيرات فلسطينية: استغلال مأساوي لأهل غزة
من جانبها، أصدرت السفارة الفلسطينية في جنوب إفريقيا بيانًا أوضحت فيه أن الرحلة تمت عبر منظمة غير مسجلة ومضللة، استغلت الوضع الإنساني المتدهور للعائلات الفلسطينية، وسرقت أموالهم، ثم تخلّت عن مسؤوليتها عند ظهور التعقيدات القانونية.
وأصدرت وزارة الخارجية الفلسطينية تحذيرًا عامًا لأهالي غزة قالت فيه: "لا تقعوا في فخاخ تجار الدم ووكلاء الترحيل".
ومنذ قرار الكابينيت الإسرائيلي في مارس الماضي، تبنّت حكومة الاحتلال خطة ترامب، التي تشجع ضمنيًا أو صراحة على تهجير سكان غزة إلى دول خارجية.
وبرغم أن أعداد المغادرين تبقى محدودة نسبيًا، إلا أن تقارير عديدة تشير إلى أن جهات في اليمين الإسرائيلي تبذل جهودًا كبيرة لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة القطاع بشكل دائم.
وأكدت الصحيفة أن جهاز الشاباك كان قد رفض في فترات سابقة السماح بمغادرة عدد كبير من الغزيين، لكنه خفف تدريجيًا من معايير الرفض، خصوصًا مع توسع المبادرات الخاصة التي تعمل تحت غطاء الجمعيات الإنسانية.
كيف بدأت العملية؟
أول مجموعة غادرت غزة في 27 مايو الماضي، وضمت 57 شخصًا، وتلقّى المسافرون رسالة عبر واتساب تحدد نقطة تجمع سرية، ومن ثم نُقلوا بحافلة إلى معبر كرم أبو سالم بإشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد التفتيش، اتجهوا إلى مطار رامون، حيث استقلوا طائرة تابعة لشركة فلاي ليلي الرومانية إلى بودابست، ثم إلى وجهات مثل إندونيسيا وماليزيا.
أما المجموعة الثانية، التي سافرت في 27 أكتوبر، فقد نقلت عبر ثلاث حافلات وسط القطاع إلى نفس المطار، ثم إلى نيروبي ومنها إلى جنوب إفريقيا.
وكشف مالك شركة "فلاي يو" الرومانية زيف مايبرج لـ هآرتس أن الشركة حجزت رحلات نقل الغزيين بناءً على طلب وكيل سفر إسرائيلي، مؤكدًا حصوله على جميع التصاريح اللازمة من السلطات الكينية.
كما أوضحت شركة جلوبال إيروايز، المالكة لشركة ليفت الجنوب إفريقية، أن وكيلًا خارجيًا حجز الرحلات مدّعيًا أن الركاب سيزورون جنوب إفريقيا لمدة 90 يومًا.
وأكدت أنها لم تتعاون في أي وقت مع جمعية "المجد".
















0 تعليق