في عالم تصميم الحُلي، يظل الجمع بين الهوية والابتكار مهمة ليست سهلة، بينما ينجح فيها القليلون فقط، ومن بين هؤلاء تأتي المصممة المصرية هاجر نبيل، التي استطاعت أن تخلق لنفسها بصمة خاصة تمزج ما بين الفن، والبحث الأكاديمي، وجذورها النوبية الممتدة في عمق التاريخ المصري.
ومع إصدار مجموعتها الجديدة “نَفَر”، التي تزامن إطلاقها مع افتتاح المتحف المصري الكبير، كان لنا معها هذا الحوار الذي تكشف فيه أسرار التصميم، ورحلة الإبداع، ودور دراسة تاريخ الفن المصري القديم في تشكيل أسلوبها، إلى جانب رؤيتها للاستدامة وحقوق الملكية الفكرية.



في البداية.. كلمينا عن أحدث أعمالك: مجموعتك الجديدة “نَفَر”
فكرة مجموعة نَفَر جاءت من رغبة صادقة في تقديم شيء يليق بالحدث الأكبر في تاريخ المتاحف، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير، لذلك قررت تأجيل إطلاق الكوليكشن حتى يتزامن مع اللحظة المناسبة التي تحتفل بالحضارة الأم، حضارتنا المصرية القديمة
في هذه المجموعة لم ألجأ للنوبة أو للتراث القبطي أو الشعبي كما فعلت في أعمال سابقة؛ هذه المرة أردت العودة إلى المصري القديم الصرف، من دون أي إضافات أو تأثيرات أخرى، هدفي كان الاحتفال بأرض مصر، وبالرموز التي تخصّنا نحن وحدنا، والتي صنعت تاريخًا لا يشبه أي حضارة أخرى.
اسم المجموعة “نَفَر” يعني الجميلة في اللغة المصرية القديمة، وهذا الاسم يلخص فلسفتها: كل قطعة فيها تمتلك جمالًا يعبر عن روح مصر وعظمتها".
ما أقرب القطع إلى قلبك من هذه المجموعة؟ ولماذا؟
الحقيقة أن كل قطعة هي جزء مني، أنا لا أقدّم تصميمًا لمجرد التصميم، ولا أسعى في الأساس إلى هدف تجاري بحت، كل قطعة أعمل عليها كأنها عمل فني له روح ومعنى. لو لم أشعر بها لا أستطيع حتى إكمالها.
وربما من القطع الأقرب لقلبي قلادة نخبت المستوحاة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون، هذه القطعة تحمل روح الملك بشكل لا يوصف، حين تراها تشعرين بالرهبة الملكية وبالعظمة التي تخرج من تفاصيلها.
في التصميم جمعت بين زهرة اللوتس والبردي، رمزي الوجهين البحري والقبلي، تمامًا كما حمل الملك في توحيد القطرين التاج المزدوج، و"نخبت" بالنسبة لي ليست مجرد رمز، بل طائر العقاب الذي ارتبط لونه الأبيض بحماية الملك، كل هذه التفاصيل جعلت القطعة واحدة من أحب أعمالي.

كيف تبدأ رحلة تصميم قطعة واحدة من الفكرة وحتى التنفيذ؟ وما أبرز التحديات؟
قبل أن أمسّ أي خامة، أحتاج إلى رؤية واضحة وخط عريض أعمل عليه الفكرة لا تولد فجأة، بل تأتي من رسالة أريد إيصالها، أو حالة فنية أعيشها.
المجموعة الأخيرة مثلًا جاءت من وحي توت عنخ آمون، جلست طويلًا أمام صوره، مقتنياته، تفاصيل حياته القصيرة، وأعدت قراءة الرموز التي استخدمها المصري القديم، وهنا تظهر ميزة معرفتي الأكاديمية؛ فأنا باحثة في تاريخ الفن المصري القديم، وأعرف أن الهيروغليفية ليست نقوشًا للزينة، بل نصوص تُقرأ، اللون له معنى، ووضعية الجسم لها معنى، والرمز لا يستخدم عبثًا.
لذلك لن أضع زهرة لوتس بجوار جعران إلا لو كان السياق التاريخي صحيحًا، ولن أستخدم حجرًا معيّنًا فقط لأنه “تريند”، بل لأن له دلالة لدى المصري القديم.
التحدي الأكبر في التصميم اليدوي هو الصبر، كل قطعة تحتاج وقتًا، ومهارة، وإحساسًا عاليًا أحيانًا أتوقف أيامًا لأني لا أشعر بصدق القطعة، ثم أعود لها حين تنضج رؤيتي.

بصفتك مصممة نوبية الأصل كيف تؤثر جذورك في رموزك وخاماتك؟
النوبة جزء من روحي، نحن في الجنوب ما زلنا نحمل آثار اللغة الهيراطيقية امتدادًا للمصري القديم، ونحمل عشقًا خاصًا للنيل والشمس والأرض الخصبة.
هذه الجذور تظهر تلقائيًا في أعمالي، ليس بالضرورة بشكل مباشر، لكن في الحسّ، في الانتماء، في النزعة الجنوبية التي تميل إلى الرموز العميقة، وهناك دائمًا خيط يربطني بالسؤال “أنا مين وإزاي أقدر أعبّر عن ده في قطعة صغيرة من الحُلي”
لننتقل إلى الجانب الأكاديمي.. احكي لنا عن دراستك ورحلتك مع الفن المصري القديم؟
أنا خريجة كلية الفنون الجميلة، قسم ديكور – عمارة، حصلت على الماجستير في العمارة الداخلية، وعملت فترة كمهندسة ديكور، ثم اتجهت للتدريس الجامعي، وأثناء الدكتوراه شعرت أن قلبي يميل أكثر لدراسة تاريخ الفن، فحوّلت لتخصص الحضارة المصرية القديمة، وكان للدكتور عبد الغفار شديد تأثير كبير عليّ، فقد فتح لي باب فهم عميق للفن المصري القديم، ليس كأشكال أو زخارف، بل كفلسفة حياة.
رسالتي كانت عن فلسفة الفراغ الكوني في الفن المصري، ودرست كيف لم يكن هناك شيء عشوائي؛ كل عنصر في حياتهم كان مرتبطًا بمعنى كوني وروحي، وهذا الفهم انعكس على تصميماتي التي لا يمكن أن تكون مجرد حُلي، بل هي امتداد لحضارة كاملة.
في وقت تتسارع فيه الموضة عالميًا.. كيف تتعاملين مع مفهوم الاستدامة في تصميماتك؟
لا أستطيع أن أقول إنني بعيدة عن الموضة، بالعكس أنا متابعة جيدة لها، لكنني أحاول دائمًا أن أوازن بين المعاصر والقديم، الاستدامة بالنسبة لي ليست فقط اختيار خامات، بل اختيار فكر، أحرص أن تكون القطعة قابلة للارتداء بين جيل وآخر، لا تخصّ عمرًا معينًا.
السلاسل متعددة الطبقات، الأساور العريضة، الدمج بين الخامات كلها اتجاهات مستمرة، لكني أتعامل معها بطريقتي، بما يخدم روح القطعة وليس رغبة اللحظة.

ما البصمة التي تسعين لتركها في عالم الحُلي والديكور؟
نحن امتداد لأجدادنا، كل مصري يحمل في داخله جزءًا من الحضارة القديمة حتى لو لم يشعر بذلك، أطمح أن أكون سفيرة صغيرة لهذا التراث العظيم، كل قطعة أخرجها للعالم أريد أن تكون صادقة، فيها روح، تلمس القلب قبل العين، وهدفي أن يشعر الشخص الذي يرتديها بأنه يرتدي تاريخًا وفلسفة، وليس مجرد زينة.

ما النصيحة التي تقدمينها للشباب المبتدئين في مجال التصميم؟
أهم نصيحة: إياكم والاستسهال، بعض الخريجين أو الهواة يحاولون تقليد أعمال الآخرين أو نسخها من ورش مختلفة، هذا ليس تصميمًا، التصميم فكرة ورؤية وفلسفة، لو نسب شخص مجهود غيره لنفسه، ربما يكبر تجاريًا، لكن فنيًا لن يكون له قيمة، نحتاج أن نحترم الملكية الفكرية، الإبداع فعل إنساني لا يليق سرقته
واختتمت قائلة: "اذهبوا للمتحف، انظروا إلى القطع الأصلية، اقتربوا من التاريخ.. هناك ستشعرون بالإلهام الحقيقي".










0 تعليق