السبت 15/نوفمبر/2025 - 07:15 م 11/15/2025 7:15:11 PM
رغم بساطة حفل افتتاح الدورة رقم 46 لـ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فإن أهم ما جاء في الاحتفال كانت كلمة الفنان خالد النبوي أثناء تكريمه وحصوله على جائزة فاتن حمامة لهذا العام؛ تلك الجائزة التي تُمنح لمن قدّم منجزًا مهمًا وما زالت أمامه رحلة من العطاء، في حين مُنحت جائزة إنجاز العمر للمخرج محمد عبد العزيز.
من مصادر قوة وأهمية كلمة "النبوي" أنها جاءت في توقيت يتزايد فيه الغضب من تصريحات بعض الممثلين والمغنين التي أثارت جدلًا واسعًا حول دور الفنان وقدرته على التأثير الإيجابي، مستندًا إلى جماهير واسعة تتأثر بما يفعل وما يقول.
وقد تعرّض الفنانون لهجوم عنيف بسبب تصريحات بدا من خلالها افتقادهم للثقافة أو الوعي أو الحصافة التي تمكّنهم من تناول القضايا العامة والتصدي لأمور لا يدرون تفاصيلها وحقيقتها، أو حتى لأنها تصطدم بقناعات الغالبية العظمى من المجتمع.
جاءت كلمة "النبوي" لتعيد الثقة لدى الكثيرين في نخبة الوسط الفني، ولتكشف مجددًا عن عقل ناضج وواعٍ، وإنسان مثقف يدرك المحيط الإنساني الذي يعبّر عنه كفنان. ويمثل خالد النبوي نموذجًا موجودًا بالفعل في تاريخنا الفني؛ ذلك الفنان الذي يعمل على نفسه ويتابع الأحداث الجارية ويمتلك رؤية ووجهة نظر في الفن والحياة، وليس مجرد "ممثل" يؤدي ما يُسند إليه من أدوار.
يدرك خالد النبوي أهمية دور الفنان كطليعة في المجتمع ويجب أن يساهم في دفعه نحو التقدم والاستنارة وحب الجمال والخير والانحياز للإنسان ورفض الظلم في أي مكان في العالم.
وينتمي لنوعية من الممثلين مثل محمود ياسين، ونور الشريف، وفاروق الفيشاوي، ومحمود حميدة، وعبد العزيز مخيون، وغيرهم ممن يهتمون دائمًا بالتعلم وتطوير وعيهم في الوقت نفسه الذي يطورون فيه أدواتهم الفنية.
و"خالد" ينتصر دائمًا لمبدعين انشغلوا بواقعهم فعبروا عنه، وبقوا في العقول بآرائهم ومواقفهم في الحياة، ولم يقتصر تأثيرهم على وجدان الناس بما قدموه من أعمال. فالأفكار والمواقف تصنع صورة الإنسان، بينما تؤثر الأعمال الفنية في صياغة رؤية الجمهور لإبداع الممثل.
وجه النبوي في كلمته التحية إلى أساتذة مُلهمين في مسيرته، وذكر المخرج الكبير يوسف شاهين، واصفًا إياه بأسطورة السينما المصرية، ومؤكدًا أنه كان سعيد الحظ بالعمل مع شاهين، الذي فتح له آفاقًا رحبة في الفن والوعي والحياة، وساعده في التواصل مع ثقافات أخرى وسينما مغايرة وجرأة في الموقف والفن.
ولم ينس النبوي القضية الفلسطينية ووجه لها التحية :"لو كانت شغلتنا الحواديت، لازم أتوقف عند أعظم حكايات يكتبها الإنسان الفلسطيني بدمه من 77 سنة علشان يثبت إن على الأرض ما يستحق الحياة"، واختتم ""عاشت مصر وتعيش السينما المصرية".
هذه الكلمة وذلك الحضور القوي لفنان موهوب ومثقف يعي ما يدور حوله… فنان لم يتوقف يومًا عن القراءة في كل شيء حتى تشكلت رؤيته، التي تمثل حصنًا قويًا يحميه من الاستسهال أو السقوط في مثالب الإسفاف أو تسليع الفن، ويحفظ دائمًا للفنان المصري بريقه وصورته الناصعة.
صورة يأمل الجمهور دائمًا أن تتصدر المشهد الإعلامي الذي تسيطر عليه ثقافة "الترند"، وتدفعه السوشيال ميديا نحو سيادة المحتوى القصير الشائك والمثير، بينما يتراجع الجاد والأصيل إلا في حالات قليلة يمثل النبوي أحد أهم عناوينها.
يتحدث الكثيرون عن الفن باعتباره أحد مكونات قوتنا الناعمة، وهو كذلك بالفعل؛ فالفن وصنّاعه قادرون — كما كانوا دائمًا — على خلق نفوذ معنوي وتأثير عظيم في المنطقة العربية وربما يتجاوز حدودها. وعلينا الحفاظ على هذا التأثير وذلك النفوذ، وألا نستسلم لنماذج ضارة قد تضعف قوتنا أو تسيء إلى صورتنا الراسخة التي صنعها آباء مؤسسون منذ سيد درويش ونجيب الريحاني، مرورًا بأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وصلاح جاهين وفاتن حمامة وعمر الشريف وفريد شوقي، حتى نور الشريف وعادل إمام، ثم محمد منير وعمار الشريعي والأبنودي وغيرهم الكثير والكثير.
تكمن أهمية كلمة خالد النبوي أنها جاءت في لحظة ارتباك وتراجع في الثقافة لدى بعض عناصر قوتنا الناعمة.
شكرًا خالد النبوي… شكرًا مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.


















0 تعليق