«طهران- تل أبيب».. على شفا حرب جديدة؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يغلف الشرق الأوسط اليوم هدوء مشوب بالترقب بعد انتهاء حرب الإثنى عشر يومًا بين إيران وإسرائيل، هدوء يشبه السطح الهادئ لمياه عاصفة تكاد تشتعل فى أى لحظة. فبينما يعلن كل طرف انتصاره الجزئى، تشير الوقائع الميدانية والسياسية إلى أن لا مكسب حقيقيًا تحقق، وأن ما شهده العالم لم يكن سوى محطة مؤقتة فى صراع ممتد لا يُعرف له نهاية. هذه الوقفة ليست سوى هدنة هشة، تحمل فى طياتها مؤشرات على احتمالية انهيارها سريعًا وسط تصعيد مستمر فى التصريحات والمواقف العسكرية.

فى هذا السياق، يبدو الصدام مسألة وقت فقط؛ فإسرائيل تعيد ترتيب صفوفها استعدادًا لأى مواجهة، فيما تقدس إيران ترسانتها الصاروخية، مستفيدة من غياب التزاماتها بعد انسحابها من الاتفاق النووى وعودة العقوبات الأوروبية، ما يمهّد لسيناريوهات أكثر تعقيدًا، بما فى ذلك إمكانية تسريع برنامجها النووى مرة أخرى.

دعا وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى الأمم المتحدة إلى اتخاذ «إجراءات مناسبة» بحق الولايات المتحدة وإسرائيل على خلفية الضربات التى استهدفت مواقع نووية إيرانية فى يونيو الماضى. وأكد عراقجى فى خطابه أن هذه الهجمات تمثل اعتداءً وانتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة، محمّلًا المسئولية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومسئولين أمريكيين آخرين، مستندًا إلى تصريحات ترامب التى أقر فيها بأنه كان مطلعًا ومشاركًا فى التخطيط للضربات الإسرائيلية على مواقع نووية فى إيران.

فى خطوة غير مسبوقة نشرت وكالة تسنيم الإيرانية أول فيلم وثائقى باللغة العبرية بعنوان الصواريخ فوق بازان، يوثق صراع البنى التحتية للطاقة خلال المواجهة، ويعتمد على مواد استخباراتية وروايات قالت الوكالة إنها حُجبت عن الجمهور الإسرائيلى، ويهدف الوثائقى إلى مخاطبة الرأى العام الإسرائيلى من موقع القوة وإظهار صورة مغايرة لسرديات الإعلام الإسرائيلى والغربى.

صحيفة كيهان الإيرانية ذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى احتمال مرجّح جدًا، ويضيف على ويز مدير مشروع إيران فى مجموعة الأزمات الدولية أن طهران تعمل على رفع احتياطاتها الصاروخية، إذ قد تخطط لإطلاق نحو 2000 صاروخ فى هجوم محتمل مقارنة بـ500 صاروخ خلال حرب يونيو.

فيما أشارت شبكة CNN إلى استئناف إيران إنتاج الصواريخ الباليستية بعد استلام شحنات من الصين تحتوى على مواد أساسية لتصنيع الوقود الصلب بما يكفى لإنتاج مئات الصواريخ، وتشير بعض التقديرات الاستخباراتية إلى أن إيران استعادت نحو نصف ترسانتها السابقة التى كانت تُقدّر بـ2700 صاروخ مع مواصلة توسيع قدراتها استعدادًا لجولة عسكرية جديدة.

تشير التغطية الأمريكية، بحسب نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال، إلى أن الهجوم الإسرائيلى الأخير لم يُنهِ القدرات النووية الإيرانية ما يجعل اندلاع جولة جديدة من الصراع مسألة وقت، إذ أعاد ميزان القوى الإقليمى وجعل القيادة الإيرانية فى موقف دفاعى رغم محدودية قدرتها على مواجهة طويلة الأمد نتيجة قيود عسكرية واقتصادية.
فيما أكدت التقديرات الاستخباراتية الأمريكية أن واشنطن توقعت التصعيد وحاولت ثنى إسرائيل عنه، وكشفت الهجمات الإيرانية عن حدود القدرات الصاروخية لطهران، وتركز هذه الصحف على التحليل العسكرى والاستخباراتى والسيناريوهات المحتملة.

بينما تميل الصحافة الأوروبية مثل لوموند وفاينانشيال تايمز ودير شبيغل إلى تسليط الضوء على البعد الإنسانى والسياسى للحرب، مع التركيز على الخسائر المدنية واستقرار المنطقة وانعكاسات الصراع على أوروبا.

على الجانب الإسرائيلى ذكرت صحيفة معاريف أن الأجهزة الأمنية تراقب عن كثب جهود إيران لإعادة تأهيل منشآتها النووية والبنى التحتية الصاروخية، مع استبعاد استئناف نشاطها العسكرى بالكامل فورًا، وفى مؤشر على حجم القلق فى تل أبيب أصدر المدير العام لوزارة الصحة موشيه بار سيمان طوف تعليمات برفع جاهزية المستشفيات تحسبًا لقصف صاروخى محتمل مع تعزيز منظومات الدفاع الصاروخى رغم استمرار نقص فى منظومتى حيتس وثاد.

وبشكل عام تتجاوز المواجهة تبادل الضربات المباشر وتشكل تحوّلًا استراتيجيًا فى المنطقة، إذ تستخدم إسرائيل القوة المباشرة لردع التقدم النووى الإيرانى، بينما تسعى إيران لإظهار قدرتها على الرد رغم الضغوط الداخلية والخارجية.

تبدو المنطقة اليوم واقفة على حافة مواجهة جديدة وسط غياب هدنة مستقرة أو حلول سياسية قريبة، فإعادة بناء القدرات العسكرية من قبل الطرفين وتصعيد الخطاب السياسى والإعلامى يجعل جولة جديدة من الصراع أكثر احتمالًا وربما أكثر خطورة من سابقاتها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق