انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش".. ورقة للتسويق الخارجي أم فرصة لتحقيق الاستقرار وإعادة البناء؟

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعلن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية انضمام سوريا رسميًا للتحالف لتصبح العضو رقم 90، وهي خطوة أقدمت عليها الإدارة الانتقالية في دمشق لإظهار أن الإدارة الجديدة في سوريا عازمة على الانخراط في المجتمع الدولي، وأن فترة الانعزال الدولي قد انتهت، وهي محاولة أيضا لاكتساب شرعية للحكومة الجديدة. 

ويعمل التحالف الدولي على تحقيق الاستقرار في المناطق التي طردت التنظيم الإرهابي، حيث ركز التحالف على استقرار وإعادة تطوير المناطق التي كانت خاضعة رسميًا لسيطرة داعش، وذلك منذ هزيمة التنظيم على الأرض عام 2019م.

وبحسب تقرير للمركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب فإن المشاركة في التحالف الدولي تمثل فرصة لسوريا لإعادة تأكيد دورها الإقليمي والدولي. فبعد سنوات من النزاع الداخلي والحرب الأهلية، تسعى دمشق لاستعادة الشرعية السياسية على الساحة الدولية، وتجاوز صورة الدولة المنعزلة. من خلال الانخراط في جهود مكافحة الإرهاب، يمكن لسوريا تحسين علاقاتها مع بعض الدول الغربية والعربية، وربما الحصول على دعم دبلوماسي واقتصادي يخفف من آثار العقوبات المفروضة عليها.

وتدور الأسئلة حول حقيقة الخطوة السورية، هل هي ورقة للتسويق الخارجي لوجه الإدارة الانتقالية الجديدة؟ أم هي فرصة تاريخية نحو تحقيق الاستقرار وإعادة البناء؟ وبين التفاؤل بالخطوة والإحباط من الإدارة الجديدة تبقى الإجابة متعلقة بالخطوات الفعلية المستقبلية.

22 عملية أمنية ضد داعش خلال شهر

وفي الوقت الذي انضمت فيه سوريا للتحالف ضد “داعش”، فإن واشنطن أكدت دورها في مساعدة الشركاء المحليين في مواجهة داعش يعدة طرق منها المشورة والمساعدة والتمكين، حيث أكدت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) أنها نجحت في تنفيذ أكثر من 22 عملية أمنية ضد تنظيم داعش الإرهابي بالتعاون مع شركائها المحليين في سوريا خلال الشهر الماضي. ما قلل من قدرة الجماعة الإرهابية على شن عمليات محلية وتصدير العنف إلى جميع أنحاء العالم.

ووفقًا لبيان صادر عن "القيادة المركزية"، قبل أيام؛ فإن القوات قدمت المشورة والمساعدة والتمكين لأكثر من 22 عملية ضد تنظيم داعش مع شركائها في سوريا، خلال الفترة من الأول من أكتوبر الماضي وحتى السادس من شهر نوفمبر الجاري، حيث قامت قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب (CJTF-OIR) بتنفيذ العمليات بالتنسيق مع شركاء سوريين، مما أسفر عن مقتل 5 من عناصر داعش، وأسر 19 آخرين.  

وصرح الأدميرال براد كوبر؛ قائد القيادة المركزية الأمريكية: "إن نجاحنا في مواجهة تهديد داعش في سوريا إنجازٌ بارز. سنواصل ملاحقة فلول داعش بشراسة في سوريا، بالتزامن مع العمل مع التحالف الدولي ضد داعش لضمان استمرار المكاسب التي تحققت ضد التنظيم في العراق وسوريا، ومنع داعش من تجديد نشاطه أو تصدير هجماته الإرهابية إلى دول أخرى". 
وشجّع "كوبر" خلال مؤتمر للأمم المتحدة عُقد خلال شهر سبتمبر الماضي، أعضاء التحالف على مضاعفة جهودهم في حرمان داعش من فرصة العودة إلى الظهور من خلال تسريع عودة المعتقلين والنازحين في شمال شرق سوريا إلى بلدانهم الأصلية. كما تدعو الولايات المتحدة الدول إلى دعم الاحتجاز المسؤول والآمن لمعتقلي داعش في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى إعادتهم إلى أوطانهم للمعالجة القضائية المناسبة في بلدانهم الأصلية.

انخفاض عدد قاطني مخيم الهول السوري

خلال مراحل الذروة عام 2019، استضافت مخيمات النازحين في الهول وروج 70 ألف شخص. أما اليوم، فقد انخفض العدد إلى أقل من 30 ألفًا. وتُقلل الإعادة إلى الوطن من فرص نفوذ المتطرفين، وخاصة بين النساء والأطفال المعرضين للخطر. 

وفي السياق، قال “كوبر”: "إن إعادة الفئات المستضعفة قبل تطرفها ليست عملية عطف بل هي ضربة قاصمة لقدرة داعش على التجدد". وأضاف: "ستواصل الولايات المتحدة دعم التحالف وجميع الدول الملتزمة بإعادة مواطنيها إلى أوطانهم".

الصفقات الداخلية المؤجلة

وعلى الرغم من الإشادة الكبيرة بانفتاح الإدارة الجديدة في دمشق على الانخراط في المجتمع الدولي، من خلال عقد صفقات مع المجتمع الدولي وإعلان الرغبة في مواجهة الإرهاب، رغم تأكيد حمزة المصطفى وزير الإعلامي السوري أن دمشق لن تكون جزءا من المهمة العسكرية التي تقودها واشنطن، فيما لم يتم الكشف بصورة واضحة على الدور الذي ستلعبه دمشق في محاربة وتقويض تنظيم داعش.

وفي هذا السياق، طالب الدكتور سعيد ناشيد؛ المفكر وأستاذ الفلسفة المغربي، بأن تعمل سوريا على إبرام صفقات داخلية تتمثل في استيعاب المكونات المختلفة مثل الأكراد والأرمن والعلويين وغيرهم، قائلًا: إن انضمام سورية إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ليس مجرد خطوة تكتيكية عابرة، بل هو رهان استراتيجي ثقيل، يضع الرئيس الشرع أمام حقل واسع من الألغام الداخلية في دمشق، كما يضع الدولة برمّتها أمام امتحان تاريخي: هل تستطيع الانتقال من منطق الغلبة والغنيمة والتمكين، إلى منطق التأسيس على قاعدة تعاقد وطني جديد؟ فالتورط في تحالف دولي بهذا الحجم يفرض على النظام السياسي أن يعيد تعريف نفسه: من سلطة مُحاصَرة داخل نزاع أهلي وإقليمي، إلى دولة تحاول أن تستعيد شرعيتها عبر المساهمة في محاربة عدو كوني مشترك، اسمه الإرهاب العابر للحدود. غير أن هذه الشرعية الجديدة لا يمكن أن تُستمدّ من البيانات الدبلوماسية وحدها، بل تحتاج إلى إصلاحات بنيوية عميقة في الداخل، تحفظ للسوريين كرامتهم وتنوعهم وحقهم في تقرير مصيرهم ضمن وطن واحد.

وأضاف خلال تدوينة نشرها "ناشيد" تعليقا على انضمام سوريا للتحالف الدولي، أنه لهذا الرهان، كما يبدو، شرطان أساسيان لا غنى عنهما لتأمينه وتحصينه من الداخل:

أولًا، صياغة دستور جديد يليق بمجتمع تعددي معقد، تتجاور فيه الأعراق والأديان والمذاهب والثقافات، دون أن يُهيمن أحدها على البقية. دستور يقطع مع نموذج الدولة المركزية الصلبة الذي كرّسته عقود البعث، حيث كانت السلطة تتعامل مع المجتمع ككتلة صمّاء تُدار من الأعلى، لا كنسيج متشابك من الفاعلين الأحرار. إن الدستور المنشود لا يكفي أن يعلن المساواة في الصيغ الإنشائية، بل ينبغي أن يعيد توزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف، وأن يعترف بالحقوق الجماعية إلى جانب الحقوق الفردية، وأن يفتح المجال لأشكال من اللامركزية السياسية والإدارية، بما يسمح للمكوّنات المختلفة بأن ترى نفسها داخل الدولة لا خارجها. هنا يصبح الدستور عقد ثقة واعتراف متبادل، لا مجرد وثيقة قانونية فوقية.

ثانيًا، دمج قوات سورية الديمقراطية في بنية الجيش الوطني، كفيالق جاهزة ومنظمة. هذه القوات التي تجاوز تعداد مقاتليها 120 ألف مقاتل، تزيد نسبة النساء في صفوفهم عن 10 في المئة، وقد خاضت معارك ضارية ضد تنظيم داعش وسحقت وجوده في مناطق واسعة من الشمال والشرق، تمثل اليوم رصيداً عسكرياً وخبرة ميدانية لا يمكن لعقل دولة رشيدة أن يهدره. إن ضمّ هذه القوات إلى المؤسسة العسكرية الرسمية، ضمن رؤية واضحة للإصلاح العسكري، سيُسهم في أمرين متلازمين: من جهة، توحيد السلاح تحت مظلة شرعية واحدة؛ ومن جهة أخرى، تعزيز التوجه المُعَلْمَن للجيش، بحيث يتحرر، قدر الإمكان، من الولاءات الطائفية والإيديولوجية الضيقة، ويتحول إلى مؤسسة مواطنية تمثل مختلف المكوّنات وتحميها على السواء.

وشدد "ناشيد" على أن تحويل ورقة الانضمام للتحالف الدولي من ورقة تسويق خارجي إلى فرصة تاريخية في البناء والاستقرار، يكون ذلك بحسب تدوينته: بين دستور جديد يعترف بالتعدد ويحوله إلى عنصر قوة، وجيش وطني مُعاد التشكيل يحتضن خبرات القوى التي حاربت الإرهاب على الأرض، يمكن لانضمام سورية إلى التحالف الدولي أن يتحول من مجرد ورقة للتسويق الخارجي، إلى فرصة تاريخية لإعادة بناء الداخل على أسس أكثر عدلاً ورصانة واستقراراً. دون هذين الإجراءين البنيويين، سيظل أي تحالف دولي مجرد قشرة تغطي الألغام الكامنة في عمق الدولة والمجتمع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق