رغم توقف الحرب إلا أن المعاناة اليومية لأبناء قطاع غزة لم تتوقف، حيث يعانى آلاف الفلسطينيين من غياب الرعاية الطبية اللازمة، بعد تدمير القطاع الطبى بشكل شبه كامل واستهداف الأطباء على يد قوات الاحتلال، بالإضافة إلى التشدد فى إدخال الأدوية والمساعدات الطبية العاجلة، التى لا غنى عنها لإنقاذ حياة الآلاف من المرضى والمصابين من جراء العدوان الإسرائيلى الغاشم، الذى استمر لما يزيد على عامين كاملين.
وبين الألم والجراح، تواصلت «الدستور» مع العديد من أبناء القطاع، لكشف حقيقة المشهد الحالى داخل القطاع، وتوثيق مآسى الشعب الفلسطينى، والجرائم التى ارتكبتها قوات الاحتلال، مع توجيه رسالة استغاثة للعالم، لسرعة التدخل من أجل تقديم المزيد من المساعدات للجرحى والمصابين، وإنقاذ حياة الآلاف من المدنيين، الذين تستمر معاناتهم حتى بعد توقف أصوات القصف والعمليات العسكرية.
رشا أشرف: فقدت زوجى و2 من أبنائى بسبب الاعتداءات.. وأحتاج تدخلًا طبيًا لاستخراج الشظايا من جسدى
هى أم لخمسة أطفال، فقدت زوجها واثنين من أبنائها، فى قصف استهدف منزلها فى ٢٩ يوليو الماضى، لتبدأ رحلة طويلة من الألم الجسدى والنفسى، وسط ظروف صحية ومعيشية قاسية.
تقول رشا أشرف غباين، ٣٠ عامًا، الحاصلة على بكالوريوس فى أصول الدين وماجستير فى العقيدة، إن القصف أسفر عن استشهاد زوجها وابنها الأكبر «١٣ عامًا»، ورضيعها البالغ من العمر ١١ شهرًا، أما هى فأصيبت بإصابات خطيرة فى الجهة اليمنى من جسدها، أدت إلى فقدان الرؤية فى عينها اليمنى، وتفتت عظام ساقها وذراعها، ما استدعى عملية جراحية لتثبيتها، إضافة إلى تناثر شظايا متعددة لا تزال بحاجة إلى تدخل جراحى لزراعة العظم واستكمال العلاج، وهو أمر غير متوافر فى قطاع غزة حاليًا.
وروت «رشا» لحظات ما بعد الإصابة قائلة: «نزفت كثيرًا ولم تكن هناك مستلزمات طبية، وعندما وصلت إلى المستشفى لم يجدوا مكانًا لى، فوضعونى على الأرض لمدة ساعتين، وأنا أصرخ من الألم، دون أن أعرف ماذا حدث لزوجى وأطفالى». وأشارت إلى أنها لندرة فصيلة دمها اضطرت عائلتها إلى مناشدة المعارف والمتبرعين للحصول على خمس متبرعين بالدم، لإنقاذ حياتها، حتى أجرت عمليات أولية فى مستشفى «الشفاء» بغزة، لافتة إلى أن غياب العناية اللازمة بالجروح عرضها لخطر التلوث، ولاحقًا نُقلت إلى مستشفى القدس «الهلال الأحمر»، حيث لقيت اهتمامًا أكبر، لكن ظل غياب العلاج الطبيعى يشكل عائقًا أمام تعافيها.
وقالت: «حتى الآن أعانى من تيبس فى مفاصل الركبة والكتف، وأحتاج إلى جلسات علاج طبيعى، لا أستطيع تحمل تكاليفها».
ولفتت «رشا» إلى أنه، وبين تنقلها من خيمة لأخرى، ومن مستشفى إلى غرفة مستأجرة، تستعد لإجراء عملية جديدة فى كف اليد، بسبب ضغط الشظايا على الأوتار، لافتة إلى أنها، وبينما تكافح للتعافى، تواجه فى الوقت ذاته مسئوليات إعالة أطفالها الثلاثة المتبقين، وهم: ابنتها الكبرى «١٤ عامًا»، والصغرى «٤ سنوات»، وابنها الأوسط «١٠ سنوات». وعن ابنها قالت: «استيقظ ليجد البيت مدمرًا، وأخويه قد استشهدا، وأبيه لم يعد موجودًا، وأمه مغمى عليها ومغطاة بالدماء، وعلى إثر ذلك أصيب الطفل بصدمة عميقة انعكست فى سلوك عدوانى وتبول لا إرادى». أما عن ابنتها الكبرى فقالت: «لم تعد طفلة، بل تحولت إلى عمود المنزل الوحيد، فهى من تجمع المياه، وتطهو على نار بدائية، وتقف فى الطوابير لأكثر من ثلاث ساعات، وتنظف وترعى إخوتها وأمها المصابة»، مضيفة: «شايلة الحمل كله وهى لسه طفلة». واختتمت رشا حديثها بتوجيه استغاثة إلى العالم، وإلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، لمساعدتها على العلاج خارج غزة، ودعمها لمواصلة حياتها، موضحة أن الأمل لا يزال معلقًا على كل من يمد لها يد المساعدة، لتستطيع العيش هى وأسرتها.
الطفلان يوسف وحنين الموت ببطء بسبب نقص الأدوية
يعانى الطفل يوسف أبوعمرة، الابن الوحيد لوالديه، من شلل نصفى وسوء تغذية حاد بعد إصابته بشظايا صاروخ إسرائيلى أثناء محاولته تعبئة المياه لعائلته. وأدت الإصابة إلى تدهور خطير فى حالته الصحية، وفقدان جزئى للبصر، وصعوبة فى البلع، وفقدان النطق، بالإضافة إلى التهابات شديدة فى الرأس نتيجة وجود شظية لم يتمكن الأطباء من إزالتها. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى صور ومقاطع مصورة لوالد «يوسف»، فى محاولة لإنقاذه وإجلائه خارج غزة للعلاج. وحاول الأطباء إجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياته وإزالة الشظية، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب خطورة وضعه ونقص المعدات والإمكانات الطبية، وأوصى الفريق الطبى بضرورة تحويله للعلاج خارج القطاع بشكل عاجل. ويحتاج الطفل للتدخل الطبى فى الخارج وإجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياته قبل فوات الأوان. فيما تعانى الطفلة حنين القصاص، من ضمور فى الدماغ وهشاشة حادة فى العظام، وتفاقمت حالتها بشكل سريع فى الأيام الأخيرة، حيث تتعرض لتشنجات متكررة وارتفاع مستمر فى درجة الحرارة، إلى جانب كسور متجددة نتيجة الهشاشة الشديدة، وضعف فى المناعة. كما ظهرت على الطفلة أعراض مقلقة تشمل تورم العينين والأذنين والفم، وظهور علامات ازرقاق على جسدها، تؤكد تفاقم خطير فى وضعها الصحى، وحتى الآن لم يتمكن الأطباء من الوصول إلى تشخيص دقيق بسبب نقص الأجهزة والأدوية الأساسية.
إيمان فتحى: شقيقى تعرض لشلل نصفى
قالت إيمان فتحى، أخت المصاب أسامة فتحى، من مدينة خان يونس، إن شقيقها الذى يبلغ من العمر ٤٠ عامًا لديه ٨ أطفال، أصيب أثناء محاولته العثور على خبز لإطعام أطفاله فى منطقة ميراج قبل شهر من تنفيذ وقف إطلاق النار. وأشارت «إيمان» إلى أن شقيقها تعرض لإصابات بالغة أسفرت عن حالة شلل نصفى، بعدما أصيب فى النخاع الشوكى واليد، موضحة أن الأوضاع صعبة للغاية خاصة العلاج والأدوية غير المتوافرة، وإن توافرت تكون الأسعار خيالية.
عبدالله أبوسلوات: ابنى خضع لـ19 عملية جراحية ويحتاج المزيد حتى لا يفقد ساقه
يواجه الطفل محمد عبدالله أبوسلوت، البالغ من العمر ١٤ عامًا، معركة صحية صعبة تهدد مستقبله وحياته، بعد تعرضه لإصابة بطلق نارى متفجر أثناء محاولته جلب بعض الملابس من منزله الذى نزحت منه عائلته. «محمد» هو أحد أبناء عائلة تضم خمسة أطفال، «ثلاثة أولاد وبنتين»، يعيشون وضعًا إنسانيًا ومعيشيًا شديد القسوة. يقول «والد محمد» إن إصابة ابنه وقعت بتاريخ ٢٨ يوليو الماضى، حين أصيب بشكل مباشر فى مفصل الركبة اليمنى، ما أدى لقطع الشريان الرئيسى المغذى للساق، إضافة إلى قطع وترين أساسيين. وأضاف: «محمد خضع- حتى الآن- لـ١٩ عملية جراحية، لكن وضعه الصحى ما زال هشًا جدًا، وهناك مخاوف حقيقية من الوصول إلى مرحلة بتر الساق إذا لم يتلقَّ علاجًا متخصصًا خارج غزة». وأشار إلى أن العائلة، التى كانت تقيم فى المنطقة الشرقية من مدينة خان يونس، اضطرت للنزوح أكثر من ١٤ مرة، إلا أن النزوح الأخير كان الأصعب والأطول، حيث تقيم الأسرة حاليًا فى منطقة الظهرة غرب خان يونس، وسط ظروف معيشية بالغة الصعوبة. وأوضح أنه رغم خروج «محمد» من المستشفى بعد ثلاثة أشهر من العلاج إلا أنه عاد إليه سريعًا، قبل أسبوع، بسبب الالتهابات الحادة فى ساقه، أما عن دعمه نفسيًا، فإنه يقتصر على جلستين أسبوعيًا فى مستشفى ناصر، تحت إشراف مختصين. وتابع الأب: «محمد يقضى أغلب وقته يبكى وهو يقول: نفسى أرجع أمشى على رجلى وألعب كرة، مثل الأول»، مناشدًا الجهات المختصة والإغاثية توفير العلاج العاجل لإنقاذ ساق ابنه، ومنحه فرصة للعيش دون إعاقة دائمة.
طبيب:آلاف من حالات بتر الأطراف.. ونطالب بإدخال أجهزة تعويضية
قال عبدالكريم شاهين إخصائى العلاج الطبيعى وإعادة التأهيل، إنه بعد انتهاء الحرب بدأ يتكشف مستوى الإجرام الذى اتبعته قوات الاحتلال الاسرائيلى فى شعب غزة، موضحًا أن بتر الأطراف كان له النصيب الأكبر من هذه المقتلة، مبينًا أن هناك الآلاف من الأطفال مبتورى الأطراف، سواء كان ذلك بترًا لطرف واحد أو طرفين أو أربعة أطراف. وأضاف «شاهين» أنه فى ظل تدهور بالمنظومة الصحية والطبية والتأهيلية، حيث لايوجد متسع بمستشفيات التأهيل الخاصة بمبتورى الأطراف، حيث يمنع الاحتلال دخول الأجهزة المساعدة والخاصة بصناعة الأطراف الصناعية، ناهيك عن الشباب والنساء الذين أصيبوا بشلل رباعى أو نصفى.
وتطرق إلى أصعب الحالات التى مرت عليه خلال عمله، قائلًا: «محمد. ع، يبلغ من العمر ١٦ عامًا أصيب خلال قصف منزله إصابة أدت إلى بتر طرفيه السفليين والطرف الأيمن بالجزء العلوى مع فقد إحدى عينيه، وهو الآن يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة فى ظل عدم وجود تحويلات للعلاج بالخارج وانهيار المنظومة الصحية بغزة». وأكمل: «محمد لم يكن الأول ولن يكون الأخير من أبناء شعبنا، بل هناك العشرات، بل المئات ممن هم بحالة للعلاج التأهيلى فى ظل هدم واستهداف كل مؤسسات التأهيل الخاصة بذوى الإعاقة». وأضاف أنه يوجد بغزة الآن العشرات من الأطفال ممن يعانون من أمراض السرطان فى ظل عدم وجود علاجات خاصة بهم، مطالبًا المجتمع الدولى بالتدخل من أجل إنقاذ حياة الجرحى والأسرى، وأن يضغط العالم والوسطاء على حكومة الاحتلال بإدخال الأجهزة التعويضية والتمريضية لقطاع غزة من أجل تضميض جراحات الشعب الذى أصبح الآن بلا مأوى.







0 تعليق