قضية استعادة الآثار المصرية من الخارج هى ملف كرامة وطنية قبل أن تكون مسألة تراث أو متاحف، لأنها تتعلق بهوية مصر ومكانتها بين الأمم، وبحقها المشروع فى أن تمتلك ما صنعته أيادى أجدادها عبر العصور، فمهما اختلفت طرق خروج هذه الكنوز، سواء بالتهريب، أو بالتحايل، أو حتى فى زمن الاحتلال، فإن مكانها الطبيعى هو أرض مصر، وتحديدًا المتحف المصرى الكبير الذى أصبح قبلة العالم لمعرفة حضارة الفراعنة.
مصر، فى سعيها لاستعادة آثارها المنهوبة، تمارس حقًا أصيلًا تُثبته القوانين والاتفاقيات الدولية، وتؤكد من جديد مكانتها كصاحبة أقدم حضارة عرفها التاريخ.. فلكل أمة حقها فى تراثها المادى والمعنوى، ولا يجوز لدولة أن تعتبر الاحتفاظ بما ليس لها «حفاظًا على التاريخ»، فمن اعتقد أن نهب الآثار حفظ للتاريخ، فقد خان التاريخ ومعناه.
وليس من المنطقى أن تتعامل بريطانيا مع المطالب المصرية بشأن حجر رشيد بروح الاستعلاء التى تذكرنا بخطابها الإمبراطورى القديم.
هذا الحجر الذى فتح أبواب اللغة المصرية القديمة، يمثل قطعة فنية ووثيقة هوية وطن كامل، ومن المعيب أن يظل حبيس المتحف البريطانى، فى حين أن موطنه الطبيعى هو مصر التى أنجبته، ومتحفها الذى بات الأجدر بعرضه وحمايته علميًا وتقنيًا.
لقد عبّر وزير الخارجية المصرى، السفير بدر عبدالعاطى، عن صوت كل مصرى حين قال:
«لن نهدأ حتى نستعيد آثار مصر من الخارج».
وهى رسالة حازمة تؤكد أن الدبلوماسية المصرية دخلت مرحلة جديدة من استرداد الحقوق الحضارية، بنفس الجدية التى تُدار بها الملفات السياسية والاقتصادية الكبرى.
إنّ بريطانيا وغيرها من الدول التى تحتفظ بآثار الشعوب يجب أن تدرك أن عصر الوصاية على التاريخ قد انتهى، وأن احترام التراث الإنسانى يبدأ من الاعتراف بالحقوق الأصلية لأصحاب الحضارات، فالعالم اليوم لا يُقاس بقوة الجيوش، وإنما بقوة الوعى واحترام العدالة التاريخية.
مصر، التى حفظت ذاكرة الإنسانية آلاف السنين، قادرة اليوم على استعادة إرثها قطعةً قطعة، مستندةً إلى لغة القانون والحق والكرامة ولن يكون حجر رشيد سوى البداية فى طريق طويل يعيد لمصر ما هو لها، وللتاريخ صدقه المفقود.
تظل كل قطعة أثرية خرجت من أرض مصر شاهدة على حضارة لا تضاهى، وكل نهب أو تهريب لم يمح جذور التاريخ ولا قوة الإرث. اليوم، مصر حاضنة للتراث والراعى الشرعى لكل تاريخها الضائع، تستعيده بأسلوب يليق بعظمة أجدادها، مستندة إلى القانون والحق والوعى العالمى. فاستعادة كل حجر وتمثال تتجاوز جانبها المادى لتجسد سيادة مصر التاريخية، وتصحيح مسار التاريخ وإعادة الاعتبار لكرامة الأمة وحفظ إرثها الحضارى للأجيال القادمة؛ لتظل مصر مثالًا حيًا للأمة التى تحفظ إرثها وتدافع عنه بكل حزم ووعى.
















0 تعليق