فتوى العوا

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 11/نوفمبر/2025 - 05:23 م 11/11/2025 5:23:43 PM

"فتوى العوا" كان العنوان الرئيسي لصحيفة العربي الناصرية قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، وهو العنوان الذي تسبَّب في أزمة بين إدارة الصحيفة والدكتور محمد سليم العوا، وقيام الأخير على أثرها بمقاطعة الصحيفة والقائمين عليها اعتراضًا على ما جاء في نصوص الخبر.
كنت معتادًا القيام بجولات تكاد يومية على مصادر الإسلام السياسي للتعرّف على تفاصيل الملف الذي كان في ذلك الوقت أقوى الملفات التي ينتظرها القارئ وتعتمد عليها الصحف في التوزيع. التقيت محامي الإسلاميين ممدوح إسماعيل في مكتبه بحي روض الفرج أمام مسجد أنجا هانم ابنة الخديوي إسماعيل والي مصر.
وفي إحدى ليالي الصيف الساخنة، وأثناء حديثنا عن القوات الأمريكية التي كانت تستعد لغزو أفغانستان، صاح ممدوح إسماعيل ساخرًا عن تلقيه خطابًا من الدكتور يوسف القرضاوي على الفاكس الخاص بمكتبه، مزينًا بأسماء علماء كبار المسلمين في مصر وغيرها من البلاد الإسلامية. محتوى الفاكس يطالب العلماء المسلمين وكل من يصله بالتوقيع بالموافقة على فتوى "جواز قتال الجندي الأمريكي المسلم لقتال أخيه المسلم عند مواجهته في أرض المعارك من دولة أخرى."
صاحب الفتوى والتوقيع الأول الدكتور يوسف القرضاوي، وجاء ضمن الموقعين الدكتور محمد سليم العوا، وعدد من مشايخ الإخوان داخل وخارج مصر. الفتوى أثارت الرأي العام عند نشرها وتسببت في غضب بين المسلمين لمعارضتها نصوصًا شرعية ثابتة وأحاديث نبوية صحيحة.
أعلن الدكتور العوا أن توقيعه جاء بـ"حسن النيات" فقد رأى أسماء كبار علماء الأزهر — يقصد القرضاوي — وأن الصحيفة أخطأت في حقه بنشر الخبر دون معرفة كافة تفاصيله أو الرجوع إليه، ولكنه في الوقت نفسه لم يكذب ما جاء بالصحيفة لأنه كان عنوانًا صحفيًا مزينًا بصورة "زونكوغرافية" فيما كان الجو العام مشحونًا في ذلك الوقت بعد إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب بحملة تأديب ضد بلاد إسلامية وعربية على خلفية تفجيرات برجي نيويورك.
أصل الفتوى، التي لا يعرفها كثيرون حتى كتابة السطور، أن جنديًا أمريكيًا مسلمًا رفض السفر للحرب على أفغانستان، لأنه مسلم وسوف يواجه جنودًا مسلمين، وهي مخالفة شرعية وفق أقوال الجندي لقادته برفض مواجهة أخيه الجندي المسلم... الاعتراض نقلته القيادة العسكرية الأمريكية إلى مفتي الجيش الأمريكي وكان عراقي الجنسية، والذي رفض الإفتاء في هذا الأمر.
الفتوى انتقلت بسرعة الصاروخ إلى الدوحة حيث مقر قيادي الإخوان الدكتور يوسف القرضاوي، الذي أعلن عدم ممانعته الشرعية في مواجهة الجندي المسلم الأمريكي لقتال أخيه المسلم في الحروب التي أعلنتها أمريكا على جيوش المسلمين في دول المنطقة.
وراسل القرضاوي علماء مسلمين بمصر وخارجها للتوقيع على الفتوى حتى تأخذ طابعًا جماعيًا لعدد من كبار علماء المسلمين حول العالم، ولكنها فتحت بابًا جديدًا لم يطرقه أحد من علماء المسلمين من قبل، وهو جواز المواجهات القتالية بين جيوش أعداء المسلمين وجيوش أعنائهم حتى إن كان بين هذه القوات الغازية جنود مسلمون.
كان عنوان صحيفة العربي الناصرية متصدرًا كافة وكالات الأنباء العالمية لعدة أيام، بين مؤيد للفتوى العوا والقرضاوي والمعارضين لها في معظم البلدان العربية والإسلامية، من الذين يخشون تغلغل علماء مسلمون يدينون بالولاء لقوى كبرى على حساب نصوص شرعية ثابتة، تعمل ضد مقاصد شرعية أصيلة لا تحتاج للتأويل أو التفسير.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق