يبدأ الإنسان يومه بعزيمة قوية ورغبة حقيقية في إنجاز المهام، ويضع خططًا محكمة ويقسم وقته بدقة ثم يجد نفسه في نهاية اليوم لم ينجز ما أراده رغم أنه كان متحمسًا في البداية، فيقضي الوقت في تصفح الهاتف أو ترتيب أمور صغيرة ويؤجل العمل الجاد لخمس دقائق لا تأتي أبدًا، ويتحول التسويف إلى عادة خفية تسحب طاقته دون أن يشعر، وقد أوضحت دراسة حديثة صادرة عن جامعة تورونتو في كندا أن التسويف ليس كسلًا كما يظن البعض بل سلوك نفسي معقد يرتبط بالعاطفة والدماغ وطريقة تعاملنا مع الضغط.
أسباب التأجيل المستمر للمهام اليومية
يخدع الإنسان نفسه عندما يظن أنه ينتظر اللحظة المناسبة لبدء العمل بينما الحقيقة أن الدماغ يحاول الهروب من المشاعر السلبية المرتبطة بالمهمة التي أمامه، فقد بينت أبحاث علم النفس العصبي أن التسويف نتيجة صراع داخلي بين اللوزة الدماغية المسؤولة عن الانفعالات والقشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن القرارات، وعندما يشعر الإنسان بالقلق أو الخوف من الفشل يسيطر الجزء العاطفي فيبحث العقل عن راحة مؤقتة مثل مشاهدة مقطع فيديو أو تصفح مواقع التواصل.
ويواجه كثير من الناس التسويف ليس لأنهم كسالى بل لأنهم يخافون من الفشل يخشون أن يبدأوا ثم لا ينجحوا فيفضلون التأجيل حتى لا يواجهوا احتمال الخطأ فيعيشون في منطقة راحة مزيفة تعطيهم إحساسًا بالأمان، كما يرى الخبراء أن التسويف يرتبط بانخفاض القدرة على تنظيم الذات فالعقل ينجذب بسهولة للمحفزات السريعة مثل إشعارات الهاتف أو التسلية العابرة ومع التكرار يتعود الدماغ على المكافأة اللحظية الناتجة عن الراحة المؤقتة ويصعب عليه العودة للتركيز العميق.
كما يؤدي التسويف المستمر إلى تراكم المهام وزيادة القلق وفقدان الثقة بالنفس فيدخل الفرد في دائرة مغلقة من الذنب والتأجيل والحيرة، ويؤكد علماء النفس أن الخروج من هذه الدائرة يبدأ بخطوات صغيرة مثل تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء بسيطة وتحديد وقت واضح للبدء لا للنهاية فقط والابتعاد عن البيئة المشتتة ومكافأة النفس على التقدم مهما كان ضئيلًا.
ويرى المختصون أن التعامل مع التسويف يجب أن يكون كعرض لا كعيب فالإنسان يحتاج إلى فهم السبب الحقيقي خلف تأجيله لا إلى لوم نفسه، فربما يكون السبب الإرهاق أو الخوف أو غياب الحافز ومن خلال إدراك ذلك يمكنه ضبط سلوكه تدريجيًا حتى تتحول العادة القديمة إلى طاقة إنجاز جديدة تدفعه للأمام.
ويشير أستاذ علم النفس السلوكي الدكتور تيموثي بيشل من جامعة كارلتون الكندية إلى أن التسويف ليس مشكلة في الوقت بل في العاطفة وأن الحل الحقيقي يبدأ عندما يواجه الإنسان مشاعره بدلًا من الهروب منها لأن الفعل يبدأ من الداخل قبل أن يتحقق في الواقع.








0 تعليق