الأيقونة التى لا تشيخ.. الدستور فى المتحف المصرى بالتحرير: كنوز جديدة لتعويض نقل بعض المقتنيات.. والإقبال يتزايد يوميًا

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 10/نوفمبر/2025 - 06:59 م 11/10/2025 6:59:42 PM

المتحف المصرى بالتحرير
المتحف المصرى بالتحرير

رغم مرور أكثر من قرن على افتتاحه، ورغم انتقال مومياوات ملوكه إلى متحف الحضارة، وكنوز توت عنخ آمون إلى المتحف المصرى الكبير، فإن المتحف المصرى بالتحرير لا يزال صامدًا فى قلب القاهرة، محتفظًا بروحه العتيقة وسحره الفريد الذى لا يبهت بمرور الزمن. هو المتحف الذى لا يشيخ، وولد ليحمل رسالة الحضارة المصرية إلى العالم، وما زال يؤديها حتى اليوم ببهائه القديم، حيث تتدفق إليه الوفود من المصريين والأجانب يوميًا، ليستعيدوا أمام جدرانه الخالدة فصولًا من التاريخ الإنسانى الأول. فى مبناه الكلاسيكى ذى الطراز الأوروبى العريق الذى افتتح عام ١٩٠٢، يقف المتحف شاهدًا على رحلة قرن من الاكتشافات، فى مزيج من العراقة والمهابة، محتضنًا آلاف القطع الأثرية التى تروى قصة مصر منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر اليونانى الرومانى، ورغم ما غادر قاعاته من نفائس، فإنه لا يزال غنيًا بمقتنياته الفريدة التى تدهش زائريه وتغريهم بالعودة إليه مرارًا. إنه المكان الذى لم يخطف منه الزمن أضواءه، بل زاده بريقًا ورسوخًا، فظل أقدم وأعظم متحف أثرى فى الشرق الأوسط، لا ينافسه فى تاريخه وعراقته سوى الهرم نفسه، إذ لا يزال ينبض بالحياة، ويتطور، ويجدد عرضه المتحفى ليحافظ على سحره فى زمن تتغير فيه الوجوه والمواقع.
خريجة «آثار»: قاعة «يويا وتويا» الأكثر جذبًا
تقول شمس طارق، خريجة كلية الآثار، إن المتحف المصرى القديم ما زال يحتفظ بمكانته الفريدة رغم انتقال بعض كنوزه إلى متاحف أخرى، فالمتحف ليس مجرد مبنى أو مكان لعرض القطع الأثرية، بل جزء من وجداننا، وهو التاريخ ذاته، كما أنه لا يقاس فقط بما يحتويه، بل بطابعه الأثرى نفسه.
وتضيف «شمس» أن المبنى الذى تجاوز عمره القرن من الزمان يمثل قيمة تاريخية لا تقل عن القطع المعروضة داخله، وأكثر ما يجذبها فى كل زيارة هى قاعة «يويا وتويا»، التى تعد واحدة من أكثر المجموعات اكتمالًا وثراء فى المتحف بعد نقل كنوز توت عنخ آمون إلى المتحف الكبير.
وتكشف عن أن هذه القاعة تضم مجموعة نادرة من التوابيت المذهبة المتداخلة المطلية بالذهب بالكامل تقريبًا، وهى من أجمل التوابيت غير الملكية فى العالم، كذلك القناع الذهبى لـ«يويا» الذى يُشبه قناع توت عنخ آمون بدقته، والقناع الفضى لـ«تويا» الذى تعد تفاصيله من أروع ما أبدعه الفنان المصرى القديم.
وتبين أن القاعة تحتضن، أيضًا، الأثاث الجنائزى الرائع، من أسرة وكراسى مذهبة وصناديق منقوشة بالنصوص الهيروغليفية، فضلًا عن الأوانى الكانوبية التى كانت تحفظ الأعضاء الداخلية للموتى بعد التحنيط، ومجموعة كاملة من الحلى والمجوهرات التى وجدت داخل المقبرة، إلى جانب مومياوات «يويا وتويا»، وفى كل زيارة إلى هذه القاعة تشعر بأنها تقف أمام فصل كامل من الحضارة لم يُغلق بعد.
مرشدة سياحية: لا يمكن أن نبدأ جولاتنا دون زيارته
ترى وفاء سامى، خريجة كلية الآداب، قسم الإرشاد السياحى العاملة فى مجال السياحة، أن المتحف المصرى بالتحرير سيظل محتفظًا بجاذبيته وسحره مهما تغيرت المتاحف، فهو المكان الذى كبرنا معه، تربينا على زيارته منذ رحلات المدرسة وبه عشقنا تاريخنا واليوم. وتضيف «وفاء»: «نحن نعمل فى السياحة لا يمكن أن نبدأ جولاتنا دون زيارته، ومن يظن أن المتحف فقد بريقه بعد نقل بعض مقتنياته مخطئ تمامًا، إذ لا تزال داخله كنوز فريدة تشهد على براعة المصرى القديم، ومن أكثر القاعات التى تبهر الزوار- على حد وصفها - قاعة مومياوات الحيوانات، التى تعد واحدة من أكثر القاعات إثارة فى المتحف.
وتتابع: «عندما أدخل هذه القاعة أشعر بأننى فى عالم آخر، أرى القطط المحنطة رمز الإلهة باستت، والتماسيح التى تقدس للإله سوبك، والطيور مثل أبى منجل والصقر رمزى تحوت وحورس، كل شىء هنا يذكرك بأن المصرى القديم لم يكن يقدس الحيوان ككائن، بل كرمز للقداسة والطبيعة الإلهية». وتشير إلى أن طريقة العرض الحديثة للمومياوات داخل صناديق زجاجية مضاءة بعناية تظهر تفاصيل التحنيط بدقة مذهلة، كما تتوافر لوحات تعريفية رقمية تشرح كيفية التحنيط وعلاقته بالفكر الدينى المصرى القديم، مؤكدة أن القاعة تعد من أهم ما تبقى فى المتحف بعد نقل المومياوات الملكية، لأنها تسلط الضوء على عقيدة المصرى القديم فى الحياة الأخرى لجميع الكائنات.
وتكشف عن أن هناك قاعة أخرى أصبحت محط اهتمام الزوار، مؤخرًا، وهى قاعة الخبيئات «الكنوز الخفية»، التى تضم اكتشافات أثرية نادرة خرجت من مخازن المتحف لأول مرة، مثل خبيئة الكرنك، وخبيئة العساسيف، وخبيئة الدير البحرى، التى تحتوى على تماثيل ومومياوات وتوابيت لكهنة وملوك، فهذه القاعة تعيد المتحف إلى دائرة الضوء، وتمنح الزائر متعة الاكتشاف وكأنها رحلة إلى قلب الأسرار المصرية القديمة.

زائر من الدقهلية: كل شىء يعكس عبقرية المصرى القديم
يعرب إبراهيم حسن، من محافظة الدقهلية، ويدرس بأحد المعاهد الصحية، عن إعجابه الكبير بما شاهده من قاعات ومعروضات، حيث يزور المتحف للمرة الأولى، وقد بدت على ملامحه الدهشة بما شاهده من مقتنيات نادرة تعكس عبقرية المصرى القديم وروعة الفنون التى تركها. ويقول «حسن» إن زيارته المتحف كانت تجربة استثنائية بالنسبة له، مشيرًا إلى أنه لاحظ خلال جولته وجود عدد من المناطق داخل المتحف التى تشهد أعمال تطوير وصيانة، موضحًا أنه شاهد العمال يتحركون فى نشاط واضح لإنهاء اللمسات الأخيرة داخل المتحف. ويضيف: «كنت أسمع كثيرًا عن المتحف المصرى القديم، لكن ما شاهدته فاق كل التوقعات، فالمكان يحمل عبق التاريخ فى كل زاوية، وأتمنى أن أعود مجددًا لزيارته».

سورى: يحتاج ساعات للإحاطة بمحتوياته 
يروى أحمد أنس، سورى الجنسية يقيم فى مصر، تجربته فى زيارة المتحف، مبينًا أنه زار منذ أيام قليلة المتحف المصرى الكبير، وانبهر بما شاهده من عبقرية المصرى القديم، لكنه شعر بأن عليه رؤية المزيد فقرر زيارة متحف التحرير.
ويكمل «أنس» قصته قائلًا: «فى البداية ظننت أن المتحف القديم سيكون صغيرًا مقارنة بالمتحف الكبير، لكننى فوجئت بأننى أتجول لساعات داخله ولا أنتهى، فكل قاعة تقودك إلى أخرى، وكل زاوية تحكى قصة مختلفة».
ويصف لحظة دخوله بهو المتحف بأنها تجربة لا تُنسى، إذ تستقبله تماثيل ضخمة لملوك الفراعنة، وعندما سأل عن هوياتهم، قيل له إنهم تماثيل الملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تى، وتمثال الكاتب المصرى الجالس الذى يعد من أشهر ما فى المتحف. ويضيف: «التقطت صورًا بجانب قناع الملك بسوسنس الأول، ذلك القناع الذهبى الذى لا يقل روعة عن قناع توت عنخ آمون، بل يتميز بدقة ملامحه وصفاء لونه، كما أن كل ما فى المتحف يدعوك للتأمل من التماثيل البازلتية السوداء إلى النقوش التى تحكى ملاحم النيل، حتى رائحة الحجر العتيق تشعرك بأنك فى حضرة التاريخ نفسه».

باحثة فى التاريخ المصرى القديم: نعيد اكتشاف الكنوز المنسية
تكشف مريم عبدالرحمن، باحثة شابة فى مجال التاريخ المصرى القديم، عن أن المتحف المصرى بالتحرير لا يعيش على أمجاده الماضية فقط، بل يسعى إلى تجديد نفسه بروح تليق بعراقته، فكثيرون يتصورون أن المتحف القديم انتهى دوره بعد افتتاح المتحف المصرى الكبير، لكن الحقيقة أنه يعيش مرحلة جديدة من الازدهار الهادئ، مرحلة تعيد اكتشاف الكنوز المنسية داخله، وأبرز ما لفت انتباهها خلال زيارتها الأخيرة، تنظيم العرض المتحفى الجديد الذى أُعيد تصميمه ليمنح الزائر تجربة أكثر وضوحًا وتسلسلًا تاريخيًا.
وتشير الباحثة إلى أن المتحف أصبح وجهة تعليمية مهمة لطلاب الآثار والتاريخ من الجامعات المصرية والعربية، الذين يجدون فيه مادة حية للدراسة، ليس فقط من خلال القطع المعروضة، بل من خلال الخبرات الميدانية التى يتيحها المتحف من خلال ورش العمل والجولات الأكاديمية، فهو ليس مجرد موقع أثرى، بل مدرسة مفتوحة لتعليم الأجيال الجديدة معنى الهوية والانتماء إلى الجذور.
وتابعت: «المتحف المصرى القديم يثبت أن القيمة لا تقاس بالجِدة أو الحداثة، بل بالروح التى تسكن المكان، ومهما بُنيت المتاحف الجديدة، سيظل متحف التحرير ذاكرة مصر التى لا تُمحى».

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق