ميلاد الروائي الهنغاري إيمري كيرتيس.. صوت الذاكرة الناجية من جحيم المحرقة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مثل هذا اليوم، ولد الكاتب والروائي الهنغاري إيمري كيرتيس، أحد أبرز الأصوات الأدبية في القرن العشرين، والحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2002، ولد كيرتيس في 9 نوفمبر عام 1929 بمدينة بودابست، في فترة مضطربة من تاريخ أوروبا، سرعان ما ألقت بظلالها القاسية على طفولته، لتشكل تجربته الشخصية لاحقًا جوهر إبداعه الأدبي وفلسفته الإنسانية.

 

ينتمي كيرتيس إلى أسرة يهودية متواضعة، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان لا يزال في الرابعة عشرة من عمره عندما تم ترحيله عام 1944 إلى معسكر أوشفيتز النازي، أحد أكثر أماكن الإبادة بشاعة في التاريخ، وهناك عاش تجربة مأساوية لا توصف، فقد شهد بأم عينه أبشع صور العنف واللا إنسانية، قبل أن ينقل إلى معسكر بوخنفالد في ألمانيا، حيث ظل حتى تحريره عام 1945، هذه التجربة القاسية لم تترك في داخله مجرد جرح، بل تحولت إلى سؤال وجودي ظل يطارده طوال حياته: كيف يمكن للإنسان أن يعيش بعد أن يفقد إنسانيته؟

 

بعد الحرب، عاد إلى بودابست ليعمل صحفيًا ومترجمًا، في ظل حكم شيوعي قمعي لم يكن يسمح بحرية التعبير ومع ذلك، واصل الكتابة في صمت، مؤمنًا بأن الأدب هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة الإنسان لكرامته بعد الانهيار الأخلاقي للحضارة.

 

في عام 1975، أصدر روايته الأشهر «قدر بلا مصير» (Fatelessness)، التي تعد واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في القرن العشرين، استلهمها من تجربته الشخصية في معسكرات الاعتقال، لكنها لم تكن سيرة ذاتية بالمعنى التقليدي، بل تأمل فلسفي في فكرة القدر والهوية والحرية وسط العبث، تحكي الرواية قصة صبي يهودي يساق إلى معسكر نازي، ليروي ببرود ودهشة تفاصيل يومية عن الجحيم، دون مبالغة أو عاطفة، في أسلوب واقعي مرير يضع القارئ وجهًا لوجه أمام عبث الوجود الإنساني.

 

لم تلق الرواية في البداية اهتمامًا واسعًا داخل المجر، بسبب طبيعة النظام السياسي الذي لم يكن يشجع على تناول موضوعات المحرقة، لكن مع مرور الزمن، اكتسبت شهرة عالمية، واعتبرت نصًا كلاسيكيًا في أدب الهولوكوست، وقد ترجمت إلى عشرات اللغات، وتحولت لاحقًا إلى فيلم سينمائي في عام 2005 حاز جوائز عديدة.

 

كتب كيرتيس أعمالًا أخرى مهمة مثل «العائد» و«عطلة في الجحيم» و«الإنسان بلا مصير»، كلها تدور حول الذاكرة، والعزلة، والبحث عن معنى للحياة في عالم بلا معنى، وفي عام 2002، منحت الأكاديمية السويدية كيرتيس جائزة نوبل في الأدب، تكريمًا “لعمله الذي يصون التجربة الهشة للفرد ضد الطغيان الوحشي للتاريخ”.

 

عرف كيرتيس بعمقه الفلسفي ولغته الهادئة التي تخفي وراءها ألمًا هائلًا، لم يكتب ليشكو، بل ليذكر العالم بأن الحرية والكرامة ليستا ضمانًا دائمًا، وأن الإنسان مسؤول دائمًا عن الدفاع عن إنسانيته مهما كانت الظروف.

 

توفي إيمري كيرتيس في عام 2016 عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد حياة كانت في حد ذاتها شهادة على قدرة الأدب على تحويل المأساة إلى خلود، والظلام إلى ضوء يبدد النسيان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق