فوز زهران ممداني.. انتصار رمزي أم تكرار لوهم أوباما؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الخميس 06/نوفمبر/2025 - 09:30 ص 11/6/2025 9:30:03 AM

أثار فوز السياسي الأمريكي من أصول مسلمة زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك حالة من البهجة بين بعض العرب والمسلمين الذين اعتبروا الحدث انتصارًا رمزيًا للإسلام في قلب أمريكا.. إلا أن هذا الفرح العاطفي يكشف مرة أخرى عن نزعة قديمة لدى العرب  .. نزعة التعويل على الرموز بدلا من قراءة الواقع السياسي الأمريكي كما هو لا كما نتمناه.
فمنذ انتخاب باراك أوباما، الرئيس الأمريكي ذو الأصول الإفريقية عاشت الشعوب العربية لحظة مشابهة من الأمل حينما خاطب المصريين من جامعة القاهرة قائلا باللغة العربية (السلام عليكم).. ظن كثيرون وقتها أن صفحة جديدة ستُفتح بين واشنطن والعالم العربي وأن رئيسا من جذور مضطهدة سيفهم معاناة الشرق الأوسط.. لكن النتيجة كانت مزيدا من الحروب واستمرارا لسياسات الضغط والهيمنة بأدوات أكثر نعومة.
اليوم يعاد المشهد ذاته بملامح جديدة..  سياسي مسلم شاب يتحدث عن العدالة والمساواة يتصدر المشهد في نيويورك.. واحدة من أكبر مدن العالم.. غير أن الحقيقة الباردة تقول إن المؤسسات الأمريكية السياسية والأمنية والإعلامية لا تسمح لأي مسؤول مهما كانت أصوله بالتحرك خارج الإطار المحدد سلفا.. فالكل في النهاية جزء من منظومة أكبر ترسم المسارات وتحدد الخطوط الحمراء بدقة شديدة.
الولايات المتحدة دولة مؤسسات لا تسمح لأي مسؤول مهما كانت نواياه بأن يتحرك خارج المسار المرسوم له.. وواهم من يظن أن صعود سياسي مسلم في نيويورك يعني تحولًا في جوهر النظرة الأمريكية للعرب أو الإسلام.
فالنظام الأمريكي ببساطة لا يفرط في أدواته بل يجيد استخدام الرموز لتجميل صورته وامتصاص الغضب الخارجي وترويج فكرة أمريكا الديموقراطية المتسامحة المنفتحة.
لكن المتأمل في تاريخ واشنطن السياسي يجد انه مليء بالأمثلة.. فكل من وصل إلى منصب مؤثر من خلفية غير تقليدية سرعان ما وجد نفسه جزءا من آلة كبرى تعمل وفق أجندة محددة لا تسمح بالخروج عن النص اطلاقا.. والحديث القديم المنسوب لأحد مديري المخابرات الأمريكية لازال في الاذهان حينما قال سنخلق لهم إسلامًا يناسبنا.
لم يكن زلة لسان بل إعلانًا لسياسة واقعية تهدف إلى إعادة تشكيل صورة الإسلام بما يخدم مصالح الولايات المتحدة داخليًا وخارجيًا.
ما يجري اليوم ليس تمكينًا للمسلمين بل تطبيعًا ناعمًا لصورتهم داخل الإطار الأمريكي المرسوم بحيث يصبح  المسلم المقبول هو من يتبنى خطابا ليبراليا غربيا ويخدم الأجندة الأمريكية في قضايا الشرق الأوسط لا من يعبر عن قضايا أمته أو هويته الحقيقية.
فوز زهران ممداني ليس مؤشرًا على انفتاح أمريكا بل دليلًا على براعتها في إعادة إنتاج ذاتها بأشكال جديدة.. إنها سياسة التغيير في الشكل لا في المضمون تمامًا كما حدث مع أوباما الذي جاء بالأمل وانتهى باستمرار الحروب ودعم السياسات ذاتها التي خيبت آمال ملايين العرب والمسلمين.
من هنا، يصبح فوز زهران ممداني رغم رمزيته الإنسانية حدثًا سياسيًا محكومًا بالحدود الأمريكية الصارمة. فالرجل لن يستطيع تجاوز محددات الحزب ولا مصالح الدولة العميقة التي تضع المصلحة القومية الأمريكية فوق أي انتماء ديني أو عرقي.
إن الأمريكيين، مهما اختلفت أصولهم، يبقون أبناء المدرسة السياسية نفسها فالولاء لأمريكا أولا والعمل ضمن منظومة المصالح لا المبادئ.. وربما آن للعرب والمسلمين أن يتعلموا من دروس أوباما وألا يخلطوا بين التنوع الشكلي والتحول الحقيقي.
فالعبرة ليست بلون البشرة أو الدين أو الأصل بل بالسياسات والمواقف. وما لم يتغير منطق القوة والمصلحة في واشنطن سيظل أي فوزٍ من هذا النوع مجرد تكرار جديد لوهم قديم.
زهران ممداني هو الوجه الناعم للمشروع الأمريكي الجديد ومن يظن أن وجود مسلم في موقع السلطة هناك يعني تحولًا في السياسات الأمريكية، عليه أن يتذكر أن كلهم في النهاية أمريكيون.. يعملون لأمريكا أولا.. وللحزب ثانيا لا لعروبة ولا لدين.. فسياسه الحكم هناك موضوعه لمده خمسون عاما ولا تتغير بتغير الحكام.
قد يبدو هذا التحليل قاسيًا، لكنه اكثر واقعية.. فالمؤسسات الأمريكية أقوى من الأشخاص
ولاتحدثني عن الديموقراطية الامريكيه التي تذكرني بتمثال العجوه في امثلتنا القديمه.. متي شاؤوا عبدوه ومتي جاعوا اكلوه.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق