لم تكن وردة الجزائرية مجرّد مطربة، بل كانت حالةً فنية وإنسانية نادرة تفيض صدقًا وجمالًا. في صوتها التقت الجزائر ومصر ولبنان، واجتمعت العروبة كلّها على وترٍ واحد من الشجن والبهاء، لتغدو رمزًا للفنّ الذي يتجاوز الجغرافيا ويصل مباشرةً إلى وجدان الناس.
منذ بداياتها الأولى، حملت وردة مشروعًا فنيًا واضحًا: أن تغنّي للحبّ كما يجب أن يُغنّى له، وأن تُعيد للمشاعر هيبتها ومكانتها في زمنٍ كثرت فيه الأصوات وقلّ فيه الإحساس. بصوتها الذي يشبه الضوء حين يمرّ عبر القلب، جعلت من كل أغنية روايةً تُروى بالعطر والدمع والحنين.
في «العيون السود»، سَألت الزمن بجرأة العاشق: «وعملت إيه فينا السنين؟»، فكان السؤال حكاية عمرٍ كامل من الحبّ والانتظار. كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي اجتمعت لتمنحنا واحدة من أجمل ما كُتب وغُنّي عن الحنين والزمن.
وفي «مستحيل»، كلمات مأمون الشنّاوي وألحان محمد الموجي، تجلّت وردة كامرأة تعرف تمامًا متى تُحبّ ومتى تبتعد، وكيف تحفظ كرامتها حتى في لحظة الضعف، لتغنّي الكبرياء بصدقٍ لم تعرفه الأغاني من قبل.
ثم جاءت «في يوم وليلة»، رائعة حسين السيد ومحمد عبد الوهاب، لتكون ذروة اللقاء بين النقاء والعظمة. في تلك الأغنية، جعلت وردة من الحبّ احتفالًا بالحياة، ومن صوتها جسرًا بين الدهشة والخلود. كل نغمة فيها تشبه أول نظرة حبّ لا تُنسى، وكل مقطع يُعيدنا إلى زمن الفنّ الجميل.
وردة لم تكن صوتًا فقط، بل ذاكرة من ضوءٍ وحنين. رحلت عنّا جسدًا، لكنها بقيت تسكن كل وجدانٍ عربيّ عرف معنى الطرب الحقيقي.
وحين يُذكر الفنّ الجميل، يُقال ببساطة: كانت هنا وردة… وما زالت.









0 تعليق