بعد افتتاح المتحف المصري الكبير| احتفاء عالمي واسع.. وخبراء يضعون استراتيجية لتعظيم العائد من كنوز مصر القديمة

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع افتتاح المتحف المصري الكبير، تحولت أنظار العالم إلى الجيزة حيث يقف أكبر متحف أثري في التاريخ الحديث على بعد خطوات من الأهرامات، الصحف العالمية لم تتعامل مع الحدث باعتباره افتتاح مبنى جديد، بل وصفته بنقطة تحول حضارية، وبأهم مشروع ثقافي يقام في القرن الحادي والعشرين. 

فقد تحدثت الصحافة الأوروبية عن "البوابة الجديدة للحضارة المصرية"، بينما اعتبرت بعض الصحف الآسيوية أن المتحف سيصبح "أيقونة ثقافية قد تغير خريطة السياحة في الشرق الأوسط". 

افتتاح المتحف المصري الكبير في أعين الصحافة العالمية 

أما وسائل الإعلام الأمريكية فركزت على ضخامة المشروع وثراء كنوزه، وعلى مستوى التكنولوجيا الذي يجعل الزائر يعيش التجربة الأثرية بطرق غير مسبوقة، حتى أن دوائر السياحة العالمية بدأت إدراجه في برامجها قبل الافتتاح الرسمي، في مشهد لم يحدث مع أي متحف من قبل.

ومع ازدياد الشغف الدولي، بدأ خبراء السياحة والآثار في مصر الكشف عن حجم العمل الذي أُنجِز، والصورة التي سيظهر بها المتحف للعالم. وقد أكد الدكتور طارق توفيق، رئيس الرابطة الدولية لعلماء الآثار المصرية والمشرف العام السابق على المتحف، أن المشروع واجه تحديات هائلة، لكنه أثبت قدرة الدولة المصرية على تحويل الطموح إلى واقع. 

وأوضح أن المرحلة التي تولى فيها مسؤوليته جاءت بعد فترة سياسية صعبة مرت بها البلاد، ورغم ذلك توفرت إرادة التنفيذ والدعم الكامل من القيادة السياسية، ومع تكاتف مؤسسات الدولة بدأ المتحف يتحول من فكرة معلقة إلى صرح فعلي يرتفع حجرًا فوق حجر.

وأشار «توفيق» إلى أن قرار الدولة الاستمرار في المشروع بتمويل مشترك مع اليابان كان ضربة موفقة، إذ أن كلفة المتحف التي اقتربت من مليار دولار عند بدء التنفيذ كانت ستتضاعف إلى خمسة أضعاف لو تأخر العمل إلى الوقت الحالي. لم يكن المشروع بالنسبة لمصر مجرد مبنى ضخم، بل مؤسسة ثقافية واقتصادية وتعليمية تتضمن مركزًا للترميم، وقاعات عرض وفعاليات وورشًا وبرامج للأطفال وذوي الهمم، مع قدرته على استقبال ما يصل إلى ثمانية ملايين زائر سنويًا، ليتجاوز بذلك قدرة متاحف عالمية كبرى مثل اللوفر من حيث استيعاب الجمهور ووسائل العرض الحديثة.

أما التحدي الأكبر الذي واجهه المتخصصون، فكان نقل آلاف القطع الأثرية، وعلى رأسها مقتنيات الملك توت عنخ آمون، التي لم تغادر مقبرته منذ اكتشافها عام 1922. ويكشف الدكتور طارق توفيق أن نقل المقاصير المذهبة لتوت كان عملية معقدة، لأنها مصنوعة من الخشب المغطى بطبقات دقيقة من الذهب. 

وبعد دراسات متعددة باستخدام الأشعة والتحليل الفني، تم اتخاذ قرار بتفكيكها قطعة قطعة ونقلها بفرق مصرية بالكامل دون أي تدخل أجنبي، مع استخدام تقنية يابانية لحماية طبقات التذهيب. استغرقت العملية أكثر من عامين، لكنها انتهت بنجاح كامل دون فقدان جزء واحد من قيمتها الفنية أو التاريخية، في إنجاز وصفه علماء المتاحف العالميون بأنه عملية ترميم ونقل تُدرّس للأجيال القادمة.

وفي الوقت الذي تطور فيه العمل الفني، كانت هناك رؤية معمارية جديدة تُنفذ على الأرض. فقد تقرر تعديل الواجهة الرئيسية للمتحف لتصبح أكثر تعبيرًا عن الهوية المصرية، وتم تصميم جدار معماري يحاكي الأهرامات بخطوط هرمية سباعية تمنح للمبنى شخصية متفردة تربطه بصريًا بالبيئة الأثرية المحيطة. وقد أشادت الصحف الأجنبية بهذا التعديل الذي حول الواجهة من تصميم تقليدي إلى تحفة معمارية تليق بمكان يمثل أكبر متحف للحضارة المصرية.

وبالتوازي مع الجانب الأثري، كانت صناعة السياحة تستعد لهذا الحدث باعتباره نقطة انطلاق لمرحلة جديدة. وقد أكد الخبير السياحي الدكتور حسام هزاع أن المتحف المصري الكبير أصبح عنصرًا أساسيًا في برامج شركات السياحة العالمية قبل افتتاحه الكامل، وهو أمر لم يحدث من قبل لأي متحف في العالم. فقد شهد العام الماضي زيارات تجريبية لمجموعات سياحية أجنبية جرى خلالها مشاهدة البهو والتماثيل العملاقة، ومنها تمثال رمسيس الثاني الذي أصبح رمزًا بصريًا للمتحف. ووفقًا لهزاع، فإن مجرد تقديم صورة واحدة لتمثال رمسيس في البهو على مواقع الحجز الدولية كان كافيًا لدفع شركات السياحة لدمجه في برامجها.

وتعتمد خطة الترويج السياحي على عدة مسارات متوازية، أبرزها المعارض الدولية الكبرى مثل بورصة برلين السياحية، ومعرض لندن، ومعارض السياحة في إسبانيا وفرنسا والخليج. وفي كل هذه المحافل كان المتحف جزءًا ثابتًا في مواد الدعاية المصرية، ما أدى إلى ارتفاع الطلب المسبق على الزيارات حتى قبل تحديد موعد الافتتاح النهائي. ويشير هزاع إلى أن اهتمام السائحين بلغ حد أن بعضهم كان يحدد موعد رحلته إلى مصر بناءً على أخبار الافتتاح، وأن سفارات أجنبية كانت تستفسر عن الموعد الرسمي من أجل إرسال بعثات صحفية.

ويوضح الخبير السياحي أن افتتاح المتحف لن يؤثر فقط على عدد الزائرين الثقافيين، بل سيغير خريطة البرامج السياحية بالكامل. فبدلًا من الاكتفاء بزيارة الأهرامات والمتحف المصري بالتحرير لعدة ساعات، ستصبح الجيزة محورًا ليوم سياحي كامل أو حتى يومين، خصوصًا أن المتحف يضم آلاف القطع المعروضة لأول مرة في التاريخ. كما أن قرب المتحف من مطار سفنكس سيجعل الوصول إليه سهلًا للسائحين القادمين لإقامة قصيرة أو رحلات اليوم الواحد. وقد بدأت شركات الطيران فعليًا في إعداد رحلات خاصة لهذا الغرض.

ويضيف «هزاع» أن تأثير المتحف سيمتد ليشمل السياحة الدينية والثقافية والشاطئية في وقت واحد، لأن السائح الذي يزور الأهرامات والمتحف قد يكمل رحلته إلى القاهرة الإسلامية أو إلى مسار العائلة المقدسة، ثم يتجه إلى الأقصر وأسوان عبر نايل كروز، أو ينهي رحلته على شواطئ البحر الأحمر وسيناء. وهو ما يعني زيادة عدد الليالي السياحية ومعدلات الإقامة الفندقية، وبالتالي زيادة الدخل السياحي لمصر. وتشير التقديرات الأولية إلى أن السياحة الثقافية قد ترتفع بنسبة 25% بعد الافتتاح، وأن أعداد السائحين قد تصل لأكثر من 20 مليون زائر سنويًا خلال فترة قصيرة، تمهيدًا للوصول إلى الهدف الأكبر وهو 30 مليون زائر.

وفي هذا السياق، تكتسب عملية التسويق عبر السوشيال ميديا أهمية مضاعفة، فقد أصبحت مراجعات السائحين بمثابة آلة دعائية عالمية، حيث تضع المنصات مثل "تريب أدفايزر" و"إكسبيديا" و"فيتور" المتحف في صدر النتائج السياحية. ويؤكد هزاع أن وجود آلاف الصور والمراجعات المرتقبة بعد الافتتاح سيجعل المتحف أكثر قوة وأكبر تأثيرًا من أي حملة دعائية مدفوعة.

ولا ينتهي دور المتحف عند حدود السياحة فقط، بل يمتد إلى دوره التعليمي والثقافي. فقد أصبح منصة لتدريب أجيال جديدة من أمناء المتاحف والمرممين والباحثين المصريين. ويوضح الدكتور طارق توفيق أن أكثر من مئة متخصص تلقوا تدريبًا متقدمًا في الترميم وإدارة القطع الأثرية، بمشاركة خبراء من جامعات عالمية ويابانية، بينما تم تأسيس برامج تعليمية للأطفال وذوي الهمم ليكون المتحف بيتًا مفتوحًا للعلم والمعرفة وليس مجرد قاعة للعرض.

وفي ظل هذا الاهتمام الدولي والمحلي، بات واضحًا أن المتحف المصري الكبير ليس مشروعًا أثريًا فقط، بل مشروع دولة. مشروع بنته عقول مصرية وأيدٍ مصرية، وتولت مؤسساتها الإشراف عليه وفق أعلى معايير الجودة، ليصبح رمزًا لمصر الحديثة مثلما أصبحت الأهرامات رمزًا لمصر القديمة. ويقول د. حسام هزاع إن يوم الافتتاح سيكون أكبر منصة تسويقية لمصر في العالم، إذ ستتجه عشرات القنوات الدولية وعدة صحف كبرى لتغطية الحدث، وهو ما يعادل حملات تسويق بمئات الملايين من الدولارات دون أن تدفع مصر فيها شيئًا.

وفي رسالة موجهة للمصريين، دعا هزاع كل مواطن إلى أن يكون سفيرًا للبلد، وأن ينقل عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي صورة مصر الجديدة، وألا يلتفت إلى الأصوات السلبية، لأن الدولة اليوم تخطو خطوات واضحة نحو المستقبل، وتستعيد مكانتها في صناعة السياحة العالمية، بعد أن أصبحت واحدة من أسرع الدول نموًا في جذب السياح خلال الأعوام الأخيرة.

وبينما يستعد المتحف لفتح أبوابه رسميًا، تختتم الصحف العالمية تقاريرها برسالة واحدة: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى؛ إنه إعلان جديد بأن حضارة مصر لا تزال تنبض، وأن التاريخ لا يزال يُكتَب، وأن مصر التي بنت أعظم الأهرامات قبل آلاف السنين، لا تزال قادرة على أن تبني للعالم ما يجعله يقف منبهرًا أمام عبقريتها من جديد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق