تسعى واشنطن بخطى متسارعة للحصول على تفويض رسمي من مجلس الأمن الدولي لنشر قوات متعددة الجنسيات في قطاع غزة، ضمن المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب.
ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه الساحة الدولية والإقليمية نقاشات مكثفة حول مستقبل غزة، والدور الفلسطيني في إدارة المرحلة الانتقالية.
مصدر رفيع في السلطة الفلسطينية أكد أن رام الله رحبت مبدئيًا بفكرة انتشار قوة دولية داخل القطاع، لكنها أبدت تحفظًا على بعض بنود المسودة الأمريكية، مشيرًا إلى أن القيادة الفلسطينية ستعمل عبر المجموعة العربية في الأمم المتحدة لتعديل البنود التي تمسّ السيادة الفلسطينية وضمان دور مركزي للسلطة في إدارة المرحلة المقبلة.
خطة أمريكية بطابع "هجين" تجمع الأمن بالسياسة
المقترح الأمريكي المتداول بين أعضاء مجلس الأمن يتضمن مهام غير تقليدية، أبرزها:
(نزع سلاح الفصائل الفلسطينية وتدمير بنيتها العسكرية).
(تأمين الحدود الجنوبية مع مصر).
(تدريب قوات شرطة فلسطينية جديدة تعمل ضمن مرحلة انتقالية مؤقتة).
تهيئة الأرضية لعملية إعادة إعمار شاملة للقطاع تحت إشراف دولي.
ومن جانبة أكد الباحث في العلاقات الدولية أشرف عكة أن هذا التوجه يمثل مرحلة جديدة بصياغة أمنية وسياسية مركبة، مشيرًا إلى أننا أمام "صيغة هجينة إقليمية دولية" تختلف تمامًا عن مهام قوات حفظ السلام التقليدية.
وقال عكة "المبدأ متفق عليه إقليميًا مع واشنطن، لكن الخلاف يدور حول طبيعة الصلاحيات ومدة التفويض"،
موضحًا أن هذه الخطة تعد امتدادًا لمشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأن الولايات المتحدة ماضية في تنفيذها خطوة بخطوة لفرض واقع أمني جديد يمهّد لإعادة الإعمار وضمان عدم تكرار الصراع.
وأضاف أن الاجتماع الوزاري الأخير في أنقرة رسم الخطوط العريضة لشكل القوة الدولية ومدة انتشارها، معتبرًا أن واشنطن تسعى من خلال ذلك إلى توسيع نطاق الفعل نحو سلام إقليمي طويل الأمد مع تهيئة البيئة الفلسطينية لاستقرار سياسي وأمني دائم.
الموقف الإسرائيلي: لا اعتراض على المبدأ... وتحفظ على المشاركة التركية
من جانبه، أوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية نعمان توفيق العابد لتحيا مصر أن إسرائيل تنظر بإيجابية مشروطة إلى المقترح الأمريكي طالما أنه يحقق هدفها الرئيسي، وهو نزع سلاح حركة حماس.
وقال العابد ان "تل أبيب لا تعارض وجود قوة عربية أو إسلامية أو حتى فلسطينية، فمشكلتها ليست في هوية القوة بل في سلاح حماس"،
مشيرًا إلى أن إسرائيل ترى في القوة الدولية فرصة لتخفيف العبء الأمني عنها دون أن تضطر إلى التواجد العسكري المباشر داخل غزة.
وأكد المستشار في الشؤون الإقليمية والدولية، أن قضية سلاح حماس بالنسبة لإسرائيل غير قابلة للنقاش او التفاوض، سواء تم نزع السلاح تدريجيًا أو بشكل فوري، واكد ان مشاركة تركيا مرفوضة تمامًا بسبب مواقف أنقرة السابقة الداعمة لحماس.
وأضاف أن بقية التفاصيل قابلة للنقاش ضمن تفاهمات إقليمية ودولية قيد التشكل حاليًا.
القوة بين النظرية والتطبيق: عامان من الإدارة الانتقالية
وبحسب المسودة الأمريكية، من المتوقع أن تعمل القوة الدولية لمدة عامين بدءًا من يناير المقبل، بإشراف ما يسمى بـ"مجلس سلام" تقوده الولايات المتحدة، ويضم لجنة (تكنوقراط) فلسطينية لإدارة الشؤون المدنية اليومية في القطاع.
ويرى مراقبون أن هذه الصيغة تعيد إحياء فكرة "الإدارة الانتقالية الأمريكية" التي طُرحت سابقًا في سياقات مختلفة.
وفي ذات السياق أكد العابد من خلال حديثة على أن نزع السلاح لن يتم بالقوة العسكرية المباشرة، موضحًا أن المجتمع الدولي يريد إلى الرؤية العربية التي تربط نزع السلاح بإعادة الإعمار والإدماج الأمني والمؤسسي للفصائل.
وقال:"نحن أمام تدرج محسوب نريد به بناء مؤسسات أمنية فلسطينية مستقلة، وتهيئة عودة السلطة إلى غزة بشكل منظم ومدروس.
جدير بالذكر نجد ان نجاح الخطة سيعتمد على قدرة القوة الدولية على فرض قراراتها على الأرض، وان إسرائيل "سترحب بأي صيغة تنهي وجود حماس المسلح وتضمن أمنها دون أن تضطر للبقاء في القطاع".
مشهد إقليمي يتشكل وموازين جديدة على الأرض.
في ظل هذا الحراك المتسارع، يبدو أن غزة تقف على أعتاب مرحلة انتقالية معقدة، تتداخل فيها الحسابات الأمنية بالاعتبارات السياسية، وتتوزع فيها الأدوار بين واشنطن والعواصم العربية والإقليمية.
وإذا ما نجحت الولايات المتحدة في تمرير تفويضها الأممي، فإن المنطقة قد تكون أمام تحول جذري في إدارة الملف الفلسطيني، بما يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط ويحدد مستقبل الأمن الإقليمي لعقود قادمة.












0 تعليق